قضايا الخلافة والرئاسة والبيعة والانتخاب هي أمور دنيويّة يقوم بها الإنسان اختياراً، أما النبوّة والرسالة فهما بيد الله، فالله هو الذي يختار من الناس رسلاً، لذلك فإن الذين يخلطون بين الخلافة والنبوة أو بين الرئاسة والرسالة هم يخلطون بين الدين والدنيا، فالله أعلم بمن يكون رسولاً أو نبياً وهي أمور دينية، أما الحكام والرؤساء والسـلاطين فنحن من نختارهم، و الصحابة تنبهوا لذلك بعد وفاة النبي ص واعتبروا الخلافة والرئاسة من أمور الدنيا وليس من أمور الدين.
وعندما نقول اليوم إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله فهذا فقط للرسول ص لأننا نبايعه على العقيدة والإيمان، وطاعة النبي هي طاعة دينية ودنيوية، أما طاعة ما تبقى من الحكام فهي طاعة في أمور الدنيا فحسب وليس أمور الآخرة، فعصيان أمر الحاكم ليس عصيان الله، فالحاكم نحن نقوم باختياره، أما النبي فهو من خيار الله، ومن هنا يأتي الخلط بين النبوة والخلافة.
لذا فإن الخليفة يمكن أن نعزله لأنّ الخلافة من أمور الدنيا، فسعد بن عباده رضي الله عنه لم يبايع سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر، لأن ذلك من أمور الدنيا وليس الدين، ومن هنا لو كانت الخلافة أمراً دينياً وكانت واجباً لكان سعد بن عباده خارج الدين، فالخلافة أمر دنيوي يعود فيه حق الاختيار إلى ضوابط شرعية وردت في القرآن الكريم، كذلك الانتخابات أو العملية الديمقراطية هي أمر دنيوي محكوم بضابط شرعي إذ جاء في القرآن الكريم وأمرهم شورى بينهم فهنا لنا حق الاجتهاد بما لا يصطدم مع الناس.
كذلك سيدنا علي لم يبايع سيدنا أبي بكر ثم بايعه بعد أشهر لجمع كلمة المسلمين، لأنه اعتبر أن أبي بكر مهيّأ ليقود الناس في الدنيا، ولا يلزمه قبوله خليفة أن يراه مهيأ ليقود الناس في أمور الدين، أما النبي ص فهو يقود الناس في الدين والدنيا، ومن هنا سجلت كلمة الخلافة في التاريخ العربي أنها خلافة راشدة ، لأنها مرتبطة بأقوال وأفعال الخلفاء، والدين فيها حجة عليهم وهم ليسوا حجة عليه، وهذا هو الفرق بين خلافة النبي وخلافة أي أحد غيره، فنحن علينا إطاعة النبي في الدين والدنيا، أما الخلافة فهي تحت مظلة القانون والشريعة.
*مفتي الجمهورية العربية السورية