وصل «فيروس» المحكمة الدولية إلى نقابة المحامين. «فيروس» يبدو أنه لن يترك زاوية في لبنان إلا ويعمل فيها انقساماً. نقيب المحامين رفض ارسال لجنة الحريات في النقابة رسالة اعتراض على استهداف المحكمة للإعلام اللبناني، عازياً الرفض إلى «البروتوكول». لكن ما هو الموقف «الوطني» للنقابة من هذه القضية؟ لا موقف!
وكأنه كان ينقص لبنان مزيد من الانقسامات حتى تأتي المحكمة الدولية وتزيده انقساماً. الدور وصل إلى النقابات. فبعد رسالة لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان في نقابة المحامين في بيروت إلى محكمة لاهاي (الخاصة بلبنان)، أصدر نقيب المحامين جورج جريج بياناً، رغم وجوده خارج لبنان، غسل فيه يديه من البيان.
ما الذي قالته اللجنة النقابية، خارج القانون والحريات، حتى يرفض جريج تبنّيه؟ اللجنة التي يرأسها المحامي عبد السلام شعيب، منذ نحو 18 عاماً، رأت «أن القضاء الجزائي الوطني اللبناني يبقى الأساس، وأن محاكمة وسائل الإعلام اللبنانية («الجديد» و«الأخبار») يجب أن تتم على الأراضي اللبنانية، ووفقاً لقانون المطبوعات اللبناني».
في الواقع لم يذكر النقيب جريج في بيانه ما يعارض قانونياً ما جاء في رسالة اللجنة، أكد «أن نقيب المحامين ومجلس النقابة لم يوجّها أي مراسلة إلى المحكمة الخاصة بلبنان، ولم يكلفا أحداً توجيهها، مما يجعل أي خطاب للمحكمة في حال وجوده غير ملزم لهما». وأضاف: «في حال غياب نقيب المحامين، يحلّ مكانه قانوناً أمين سر النقابة توفيق النويري الذي ينفي بدوره صدور أي موقف عن النقابة بهذا الخصوص». مشكلة النقيب الشكلية كانت من الخطورة إلى حدّ أنها استدعت إظهار النقابة العريقة في مظهر المنقسمة أمام «المحافل الدولية»!
قد يكون مفهوماً عدم رغبة النقيب شخصياً في إصدار موقف حاسم من قضية تتسم بالانقسام الداخلي. ولكن ألا يقال في كل مناسبة إن «النقابة عابرة للانقسامات والطوائف والاتجاهات»؟ أين هو، إذاً، الموقف «الوطني» للنقابة من هذه القضية؟ ألا يُردّد المحامون أن دورهم قول «الحقيقة» كما هي بحسب القانون، فأين هي هذه الحقيقة اليوم؟
النقيب جريج افتتح بيانه العابر للمحيطات بـ«تجديد موقفه المؤيد للمحكمة الخاصة بلبنان، انطلاقاً من موقفه الشخصي، ومن موقف النقابة الثابت في مبدأي العدالة وإحقاق الحق»، علماً بأن لجنة الدفاع عن الحريات كانت أكّدت أيضاً «تأييدها للمحكمة والدور الذي تقوم به لمعرفة الحقيقة». إذاً، لا جدال في هذه المسألة. يبقى «مربط الفرس» في النظرة إلى تعامل المحكمة مع وسائل إعلام لبنانية، في دوسها للحريات العامة، فضلاً عن المبدأ الأسمى في السيادة الوطنية... وهذا ما بقي موقف النقيب غير معروف تجاهه.
يُذكر أن لجنة الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان في النقابة تضم 62 محامياً، يمثلون الناشطين في مجال حقوق الإنسان وكل المجالات السياسية الحزبية في النقابة. والرسالة التي بعثت بها إلى المحكمة ضُمّت إلى أوراق القضية كمستند رسمي، ولا تُعتبر لاغية إلا في حال أرسلت النقابة رسالة أخرى لسحبها. فهل يقدم نقيب المحامين على ذلك؟
مصادر في اللجنة النقابية قالت لـ«الأخبار» إن الرسالة «تُعبّر عن رأي اللجنة، وكنا نتمنى القول إنها تُعبّر عن رأي كل النقابة. ولكن بعد بيان النقيب، يبدو أن الأمر اختلف للأسف». ربما، بحسب الأصول، لا يصح إرسال مستندات من النقابة إلى المحكمة من دون توقيع النقيب شخصياً عليها، ولكن محامين استغربوا «إثارة الضجة في هذا الخصوص، إذ ربما لم تكن اللجنة تتوقع وجود محامين لبنانيين يقبلون بملاحقة الإعلام اللبناني وضرب الحريات التي لطالما تغنّت بها النقابة». ويضيف هؤلاء: «الغريب أن المحامي شعيب، بصفته رئيساً للجنة وبعد اجتماع مع كل الأعضاء وموافقتهم، عرض لقضايا قانونية في الرسالة إلى المحكمة (المستند: http://www.stl-tsl.org/ar/the-cases/stl-14-05/filings-stl-14-05/other-fi...)، وذكر ما تقوله المادة 28 من نظام المحكمة، لكنّ المعترضين عليه لم يردوا بالقانون».
هكذا، لم نعد نعرف إذا كان الامر يتعلق بحزب الكتائب أم بآل جريج. فما صدر عن النقيب يعيدنا إلى مواقف وزير الإعلام رمزي جريج من ملاحقة المحكمة الدولية لوسائل إعلام وإعلاميين في لبنان، خلافاً لصلاحيتها المحصورة في كشف قتلة الرئيس رفيق الحريري. يوم صدرت قرارات المحكمة، سارع وزير الإعلام إلى دعوة «الجديد» و«الأخبار» إلى التزام قرارات المحكمة وعدم محاولة تعطيل قراراتها. وفي وقت لاحق، عندما حصل نقاش معه، أصرّ على اعتبار أن الزميلين كرمى خياط وإبراهيم الأمين طلبا إلى التحقيق وليسا محل اتهام من قبل المحكمة (كأنه لم يقرأ الصحف أو أنه يعيش في عالم آخر)... وقد رفض جريج مطالبة نقابتي الصحافة والمحررين له بإثارة الملف في مجلس الوزراء.
ورغم أن البعض نصح يومها بإثارة الأمر مع حزب الكتائب، باعتبار أن علاقة قوية تربط جريج بالحزب، وهو ضمناً محسوب من حصة الكتائب في الحكومة، إلا أن المداخلات لم تثمر، ليصار في وقت لاحق إلى مفاتحة رئيس حزب الكتائب أمين الجميل بضرورة التدخل، وخصوصاً لدى نقيب المحامين الكتائبي جورج جريج، للتحرك في هذا المجال. وقد أكد الجميل أنه يتفهّم الموقف وأن النقيب جريج سيتعاون. وبالفعل، ها هو يتعاون!