قال لهم الإسرائيليون اتركوا قريتكم لمدة اسبوعين لتبتعدوا عن أهوال الحرب والموت، وتشرّد الناس بين الجش وعكا وسواها من المدن.
خدعهم الإسرائيليون. بعد أسبوعين، عادوا إلى قريتهم فوجدوها دماراً وقد هدمت جميع بيوتها ومنازلها وسوّيت بالأرض ولم يبقَ واقفاً فوق الأرض إلاّ الكنيسة والجامع. كل شيء آخر صار خراباً ودماراً. لم يبقَ من بيوت كفربرعم حجر على حجر. هذه المأساة المنسية هي في عمق القضية الفلسطينية وهي غالية علينا كالقدس ورام الله والناصرة وسواها من الأراضي المقدسة.
شكراً لغبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي أعادها بزيارته إلى الضوء والنور وجعل منها قضية حق وعدل، وشكراً لأهل كفربرعم الذين لم يتركوا أرضهم ولم ينسوا جذورهم بل تمسكوا بالحجارة والتراب كالأيقونة المقدسة تحمل كل التاريخ والهوية. والذاكرة الشخصية التي تنقت مع مرّ الأيام وزادت تألقاً وعظمة في آلامها وأوجاعها لأن مجد لبنان في جذورها وهي أرضٌ مقدسة ترك المسيح عليها حضوره وبقي فيها بنعمته وقوّة روحه القدوس الذي حفظ أهلها وأشعل في قلوبهم نار حبّها والتعلّق بها، والحنين إليها جمرة متوهجة مقدسة يعبق فيها بخور الأرز والوادي المقدس. والسماء مفتوحة فوقها تدفق عليها بركاتها وحمايتها في كل قلب من قلوب أبنائها فهي حيّة في عيونهم وقلوبهم ولها تخفق صدورهم وكم تجلّى ذلك يوم زارها البطريرك الماروني كما ظهر في جميع الرعايا والمدن والقرى التي أشع شخصه وحضور كلامه المشجع الطيب في قلوب أبنائها.
كفربرعم ظاهرة فيها جراحات صلبها وعذابها بانتظار قيامتها. كفربرعم يشتاق قلبنا ليحج إليك ايتها القطعة المباركة كسواك من الأرض المقدسة. سيعود إليك الربيع وترجع إليك الحياة طالما أنت جمرة متوقدة في قلوب أبنائك ويكون فيك الفرح وعرس الحياة. ما كان أروع زيارة غبطة البطريرك لجميع الرعايا وخاصة لرعية كفربرعم كأنها المدينة المقدسة بالرغم من دمارها ورمي حجاراتها على قارعة الدرب وفوق التراب.
أما أنا فحملني الذهول من مأساة كفربرعم المنسية من خطابنا وكلامنا عند مطالبتنا بحق العودة للفلسطينيين وحق عودة اللبنانيين الذين عبروا الحدود في زمن الحرب الأخيرة عندما طردت المقاومة الإسرائيلي من أرض جنوبنا الغالي ولهم حق بالعودة إلى وطن الأم لبنان. وكانت صلاة أهل كفربرعم تتردد في هذا المزمور الجميل "ان نسيتك يا أورشليم فليلتصق لساني بحلقي". وأن نسيتك يا كفربرعم ليتلصق لساني بحلقي. فرحنا بعودتنا إليك سيكون كفرح القادمين إلى الأعياد والمنشدين للغلال وتدفق الخير كالشلال لأن اشتياقنا إليك "كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه".
أشتاق إليك كاشتياقنا إلى القدس وكنيسة القيامة وإلى بيت لحم وكنيسة المهد وإلى بستان الزيتون وتلة الجلجلة وإلى الناصرة حيث عاش يسوع مع العائلة المقدسة وإلى نهر الأردن ومياهه المباركة حيث المغطس والعماد المقدس، إلى طبريا وشواطئها حيث مشى يسوع وإلى طريق الأمم حيث سارت أقدام المخلّص إلى كفرناحوم وأريحا وإلى جبل طابور وجبل نابو. آه كلها لنا أرض ميعاد بين السماء والأرض لبشارة الفداء والمحبة والخلاص...
* أمين سرّ اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام