في ظلّ التعثّر المستمرّ بالنسبة إلى موضوع إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإقتراب موعد توجيه الدعوة إلى الهيئات الناخبة للإنتخابات النيابية في 20 آب، عاد الحديث وبقوّة عن إحتمال حصول تغيير في الأولويّات، لجهة أن يسبق موعد تنظيم الإنتخابات النيابية، موعد إنتخابات الرئاسة، فهل يُمكن أن يحصل ذلك؟ ومن هو المستفيد في هذه الحال؟
بداية، لا بدّ من التذكير أنّه بعد الفشل في الوصول إلى قانون إنتخابي جديد، تمّ التمديد للمجلس النيابي الحالي لمدّة سنة وخمسة أشهر، وتحديداً حتى 20 تشرين الثاني 2014. وبالتالي، وبحسب القانون النافذ، يجب أن تتمّ الإنتخابات النيابيّة بين 20 أيلول و20 تشرين الثاني (*). ولوحظ أخيراً أنّ "التيار الوطني الحرّ" الذي كان الفريق الأساسي الوحيد الذي عارض التمديد للمجلس الحالي، يُبدي إستعداده، أقلّه إعلامياً، لخوض الإنتخابات المقبلة وفق القانون الحالي في حال تعذّر التوصّل إلى إتفاق جديد، وفي حال عدم إتمام الإستحقاق الرئاسي قريباً. وأبرز الأسباب الكامنة وراء ذلك، هي:
أوّلاً: بعد فشل رئيس "تكتّل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون في تأمين دعم 65 نائباً له، وفي الوقت الذي يتابع فيه مساعيه في هذا المجال مع "تيار المستقبل"، يُراهن الفريق الذي يرأسه على أن تُبَدّل الإنتخابات النيابية المُقبلة واقع المُراوحة الحاليّة في حال عجز الحوار عن ذلك. فالمفاوضات التي أجريت في الأسابيع والأشهر القليلة الماضية إنتهت إلى الحصول على تعهّدات من قوى فاعلة في "14 آذار" بأنّها مستعدّة لتأمين نصاب جلسة إنتخاب الرئيس، أي أغلبية الثلثين، بغض النظر عن هويّة المرشّحين. وبالتالي، يأمل "التيّار" أن ترفع الإنتخابات النيابية المقبلة عدد نوّاب كتلة "الجنرال"، ولو بشكل طفيف لكن كاف للحصول، مع دعم الكتل الحليفة، على الأغلبيّة المطلقة للفوز بمنصب الرئاسة، أي 65 نائباً.
ثانياً: وبحسب الرهان نفسه، فإنّ، في حال الفشل في رفع عدد نوّاب "تكتّل التغيير والإصلاح"، سيبقى الواقع القائم حالياً من دون أيّ تغيير من حيث التوازنات السياسيّة والقدرة على تأمين الأغلبيّة المُطلقة للفوز بالرئاسة. لكن الفارق عندها، أنّ الكثير من الأطراف السياسية لن تخشى من خسارة موقعها أو دورها، لأنّ الإنتخابات النيابية، وفي حال سبقت إنتخابات الرئاسة، تكون قد فرضت التوزيع السياسي للنوّاب، لمدّة أربع سنوات على الأقل. وهذا ما سيسمح لـ"التيار الوطني الحرّ"، بالدخول في مفاوضات مُختلفة من حيث طبيعتها مع بعض النوّاب المُستقلّين، وخصوصاً مع التكتّل الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، الذي يبقى مع "تيّار المستقبل"، الأكثر إستفادة من قانون الستّين المعدّل. وعندها قد تكون نتيجة المفاوضات أفضل من تلك السابقة، على صعيد تأمين الأغلبية المُطلقة للفوز بالرئاسة.
ثالثاً: في حال فشل ضغوط "التيار الوطني الحرّ" في تأمين إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها، سيعمد إلى استغلال هذا الموضوع لتعزيز شعبيته في الأوساط المسيحيّة عبر تحميل خصومه والقوى الحليفة لهم أيّ فشل في إنجاز الإستحقاق النيابي، على أن يكون الموقف "العوني" متشدّداً هذه المرّة بشكل أكبر بكثير من الموقف الذي إعتمده عشيّة التمديد للمجلس النيابي الحالي. ويراهن "التيار" على إحداث شرخ جديد بين أحزاب وتيّارات قوى "14 آذار" بمجرّد تحريك موضوع قانون الإنتخابات، وهو سيستغلّ أي رفض من قبل مسيحيّي هذا الفريق إعتماد قانون جديد، لشن الحملات الإعلامية ضدّه عشيّة الإنتخابات ولو بقانون الستيّن المعدّل.
إذاً، الخطة "باء" لـ"التيار الوطني الحر" في حال إستمرار الفشل في تأمين الإجماع على إنتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، تكمن في الضغط لتنظيم الإنتخابات النيابية في موعدها في الخريف، لأنّ الخسارة تُبقي الواقع القائم كما هو بالنسبة إلى الفريق "العَوني"، بينما الربح قد يقلب المعطيات كلّها. لكن الملاحظ أنّ المَوانع التي حالت في السابق دون تبنّي قانون جديد، لا تزال حاضرة اليوم، من دون وجود أي جُهد فعلي حتى الساعة لتغيير هذا الواقع من قبل أيّ فريق، باستثناء بعض المواقف الخجولة من هنا وهناك من وقت لآخر. وهذا يعني أنّ احتمال إرجاء الإنتخابات النيابية مرّة ثانية قائم بنسبة كبيرة، بموازاة احتمال إجرائها وفق القانون الحالي النافذ، أي قانون الستّين المُعدّل. حتى أنّ فرص تأجيل الإنتخابات النيابية هي حالياً أكبر من فرص إجرائها، نتيجة استمرار الخلافات بشأن تقسيم الدوائر الإنتخابية، وكذلك نتيجة عدم حماسة أغلبيّة الكتل النيابية لها بفعل غياب الضرورات اللوجستية، خصوصًا النقص في التمويل وانعدام التعبئة الشعبيّة في ظلّ أجواء التهدئة السائدة. وفي حال أسفرت المزايدات الداخلية، والضغوط المحلّية والدوليّة، عن تنظيم الإنتخابات وفق القانون النافذ، فإنّ رهانات قوى "14 ذار" عالية، ولا تقلّ تفاؤلاً عن رهانات "التيار". وإذا كانت عين هذا الأخير وحلفائه في قوى "8 آذار" على دوائر راشيا وزحلة والبترون وبيروت الأولى، فإنّ عين قوى "14 آذار" على دائرتي كسروان والمتن. والأكيد أنّ المعركة الإنتخابية، إن وقعت، ستكون حامية.