عندما نتحدّث عن المرأة فإننا نتحدّث عن مخلوقٍ له لدينا مودات، وكأم بسط لها في الحياة أوسع جناح، أو كجبارة حملت مجد بنيان "بابل"، أو كلمهمةٍ، لا عبور إلى العبقرية إلَّا من خلال نجواها...
... المرأة جمال، وهي بالتالي مصدر وحيٍ لا ينضب،
بل هي كائن يحفل بمجموعة عواطف وأضواء. من شانها أن تساعد وتفتح الآفاق، أمام كل من يتطلع إلى أبعد من نفسه،
هي الأمّ...
بل هي الأمّة.
فالأُمّة، بلا أمٍّ هي امرأة عاقر، وقد هزّت أمّ لبنان، سرير الحضارة منذ آلاف السنين عبر صبيَّةٍ اسمها "أليسار" شقيقة ملك صور التي حطمت جبرؤوت روما، وعبر "بيروت أم الشرائع" ومرضعة القوانين..
... يغريني أن أتحدث عن المرأة. فلا حضارة بدونها، في أي بلد يدَّعي الحضارة، وتحت أيّ نظام.
وإذا كانت قضيَّة المرأة هي قضية العالم المعاصر التي بدونها، لا حدود، ولا أمصار، فلا بد من الاعتراف بأن الحضارات القديمة قد أرهقتها، وقسى عليها التاريخ.
فلنستعرض ما تعرضت له المرأة خلال التاريخ، قبل أن نعود إلى استعراض دورها المتألق، حيث كادت، إن لم نقل، حصلت على جزء كبير من حقوقها، وبلغت دورها المبتغى على أكثر من صعيد.
لم يكن التاريخ مجحفاً بحقها في كل حقباته.
ففي المعتقدات البدائية، التي لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم في قبائل الهند وأستراليا، أَنَّ الغلال تكون أوفر إن تعهّدتها حامل، ولكم قضت النساء ليالي في الحقول تجذب الزرع من بطون الأرض، ولكم أصبحت رموزاً إلهية، كـ «عشتار» بابل، و"إيزيس" الفراعنة... و"عشتروت" فينيقيا. و«زوش» الأغارقة، و"أدونيس" إلهة الجمال..
ومن قوانين حمورابي والحضارة الأشورية، إقرار بحصة المرأَة من والدها. وعدم السماح بتعدد الزوجات إلا في حال العقم.
وفي الفارسية، حظيت المرأة ببعض امتيازات على الرغم من تعدد الزوجات.
أما الفرعونية؛ فتكاد تكون أرقى شقيقاتها في التعامل مع المرأة، التي كان لها حقوق الرجل: ترث، وتتصرف بأموالها، وتتزوج، وتطلب الطلاق بملء إرادتها، حتى إنها ارتقت العرش فحكمت بمفردها، أو بمشاركة زوجها، ولأمثال على ذلك «ملكرت» و«كيلوباترا» الجبارة و«نفرتيتي» زوجة «أخناتون».
وفي الصين القديمة كان معظم المفكرين أصحاب نظرية «بين» و«يان» يرون أن من الضرورة إقامة التوازن بين قيم الإناث وقيم الذكور....
ولقد كانت تعاليم المسيحية السمحاء، منذ تاريخها، بدايةً، توحي للجميع بالمحبة، والعدل، والمساواة، فنالت المرأة من كلام الـمُعلّم مكاناً مميزاً. وكان بينه وبين المرأة أحاديث ومواقف رائعة، بدءاً بحديثه مع السامرية في بئر يعقوب، مروراً بالنازفة التي أشفاها بمجرد أن مسّت رداءَه – وبامرأة بيلاطس التي عانت الألم من أجله،... وإحاطة كثيرات به منهن أمّه العذراء قرب الصليب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. والمجدلية التي بقيت قائمة أمام القبر تبكي ضياع سيّدها.
ومن الأحاديث العميقة بين المسيح والمرأة ما كرّس المساواة بين الرجل والمرأة. والتقوى والرحمة والوحدة الزوجية.
وإذا كان هنالك من تباين بين موقف اللاهوتيين وتعاليم المسيح، فلأن الأجيال الأولى للمسيحية انصرفت انصرافاً تاماً إلى شؤونها الروحية متجاوزةً كل ما هو دنيوي، عاملة على رسوخ إيمانها بدينها، وبنهاية العالم، واليوم الآخر.
هذا في الحقبة المسيحية الأولى.
أما في الحقبة الجاهلية، فقد كانت المرأة معدومة الحقوق، ومقبولاً وأدها وهي طفلة. كما كان تعدد الزوجات بدون حدود، والزواج المؤقت والمتعة جائزان. فيما الطلاق مباح للزوج، والمرأة محرومة من الإرث ولم يحل ذلك دون بروز نساءٍ عظيمات كان لهنَّ تأثير في تطورها إلى حدٍّ كبير. ومنهن «بلقيس» ملكة اليمن وعرشها العظيم، و«زنوبيا» ملكة تدمر سيدة الصحراء التي كانت تمارس بنفسها إدارة بلادها ومعاركها مع أعدائها الرومانيين.
ولقد بلغ احترام الرجال لمثيلات هؤلاء النساء أن كان بعض ملوكهم ينتسبون إلى النِّساء، فالمناذرة نسبوا إلى أمهم صفة «ماء السَّماء» وعمرو بن المنذر ملك «الحيرة» الذي كان ينتسب إلى أمّه «هند»، كان يعرف «بعمرو بن هند».
أمَّا في الأدب والشعر، فلقد برز عدد كبير من نساء الجاهلية، ومنهن «جليلة» زوجة «كليب« و«أم جندب» زوجة امرؤ القيس التي حكمت بين شعر زوجها وشعر «علقمة»، و«سكينة» بنت الحسين إلخ...
كذلك، فلقد اشتهرت «طريفة» و«سلمى الهمدانية»، و«عفيراء الحميرية» في الكهانة وفي علم الغيب.
وبالرغم من كل ذلك فلقد كانت العائلة مفككة والمرأة بصورة عامة مهانة، ومحرومة من حقوق كثيرة، ومستبعدة، وفقاً لتقاليد الجاهلية الوثنية حتى ظهور الإسلام.
ومع فجر الإسلام، أمر النبي الكريم بالمساواة والعدل، وبتحريم وأد الطفلة وبرفع مستوى المرأة إلى مستوى الرجل، فقال في حديث شريف: «إن النساء شقائق الرجال»، ونزلت الآيات الكريمة بتكريم المرأة: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة» وظلّ يعالج أمور المرأة طوال رسالته، حتى آخر كلمات نطق بها مع آخر أنفاسه: «الله الله – في النساء. إنهنَّ عوان بين أيديكم أخذتموهنّ بأمانة الله».
مع الإسلام، ارتقت المرأة فباتت لها حقوق الرجل، بحيث أصبح يحق لها أن تلتزم بأي شيء من تلقائها، من دون زوجها، وأن تطلب الطلاق إذا ما أعتدي على حقوقها. وأن تعمل، وتمتلك، وكان لها حصة في الإرث، مقابل ضعف الحصة للرجل.
وفيما يتعلق بتعدد الزوجات، فلقد قام الإسلام بوضع حدٍّ له. فجاءَت الآية الكريمة (سورة النساء): «وإن خفتم ألاّ تقسطوا من اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء، (مثنى، وثلاث، ورباع)، وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة».
ولقد علَّق محمد عبدو على هاتين الآيتين، بما يلي: «إن من تأمَّل الآيتين، علم أن إباحة تعدد الزوجات في الإسلام أمر مضيق فيه أشدّ تضييق. فإن البيت الذي فيه زوجتان لزوج واحد لا يستقيم له حال، ولا يقوم فيه نظام، بل العكس، يتعاون الرجل مع زوجاته إلى إفساد البيت، وهذا ما قاله فيما بعد «الشيخ عبد الرحمن حسن» وكيل الأزهر و«أبو الكلام آزار» أحد كبار علماء الإسلام ووزير المعارف الهندي مع الإشارة إلى أن بعض العلماء اللبنانيين توافقوا مع هذا الرأي مرتكزين على عبارة «وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة»...
أما حقوق المرأة السياسية في الإسلام، فلقد نظر إليها النبي نظرة احترام بعد موقعة «أحد» و«خيبر» اللتين كان للنساء فيها شأن كبير. وكذلك تفسير الآية الكريمة: «الرجال قوامون على النساء»، التي تعني بأن يكون المسؤول صاحب الكلمة الأخيرة، ومن الطبيعي أن يكون الرجل هو المسؤول.
ويقول الشيخ محمد عبدو في تفسير الآية: «الرجل والمرأة متماثلان في الحقوق والأعمال كما أنهما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، فكل منهما بشر تام له عقل يفكر، وقلب يحب ما يلائمه، ويكره ما لا يلائمه، وينفر منه».
أما في عصر الخلفاء الراشدين، فلقد نشأ خلاف بين السنّة والشيعة، ولقد كان رأي "الإمام علي" السلام عليه في المرأة قاسياً لأسباب متعددة. منها سياسية، ومنها واقعية.. فقال في خطبة له بعد حرب «الجمل»: «أن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ والعقول. أما نقص إيمانهم فهو في توقفهنَّ عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقص عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة رجل واحد، وأما نقصان حظوظهن، فهو إرثهن على الأنصاف من مواريث الرجال فاتقوا شر النساء، وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهنّ في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر».
وتوالت الأيام، وجاء زمن الأمويين والعباسيين. وازهر المجتمع الدولي، وارتقت السياسة، وشاع العلم، وما كاد يتقلص ظل الدولة العباسي حتى بدأ الانحطاط، وراح البيان الحضاري الضخم يتداعى، يوماً بعد يوم، فانقسم المجتمع إلى فئتين: «أقلية غنية، وأكثرية مستغلة»، فساءت الأحوال، وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة، وأرغمت على أن تعيش في عزلة تكاد تكون تامة، وأن تختفي وراء حجاب كثيف.
أما في العهد العثماني، فلقد خيَّمت ظلمة رهيبة على المجتمع العربي. قاست منه المرأة الكثير، على أن ما يلفت النظر أن البراءات التي سلّمها السلطان محمود الثاني لبطريرك الروم «جناديوس» وغيره من رؤساء الطوائف، فقد خولهم فيها التصرف بشؤون المرأة بين أبناء طوائفهم، بمقتضى نصوصهم الشرعية.
والآن، ماذا عن حقوق المرأة، على الصعيد العالمي أولاً، والشرقي ثانياً وصولاً إلى حقوق المرأة اللبنانية.
على الصعيد العالمي أولاً، نشأت في العالم حركات نسائية تحمل طروحات ذات طابع ثوري.
وفي العموم فإن «النسائية» كانت تعني الدفاع عن حقوق المرأة التي تمنحها صفة «المواطنة»، أي الحقوق التي توفر لها المساواة مع الرجل في الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويشتمل الفكر «النسائي على العديد من الآراء والنظريات الواسعة التي غالباً ما تعطي بدايةً طابعاً مشوشاً. إلا أن نظرية مدققة تكشف فيما بعد عن رؤى جديدة تحمل الكثير من التجديد الدائم، والذي يمنح لكل امرأة أن تفكر مستقلَّةً، وتنسق أفكاراً خاصة بها.
لقد ظهرت الحركة «النسائية» المعاصرة في بادئ الأمر في إنكلترا والولايات المتحدة في أواخر القرن الثامن عشر، وكانت تهدف إلى تطبيق المعاني الديمقراطية المتضمنة حقوق الرجل والمواطن على النساء كمجموعة. وكانت أولى المحاولات الفردية التي ساهمت في ظهور «النسائية» سنة 1759، على يد «ماري ولستون كرفت» الإنكليزية بنشر بيانات شهرية تطالب فيها المساواة بين الجنسين وتحرير المرأة، وذلك ما ساعد على نشوء حركات نسائية جماعية خلال القرن التاسع عشر، عبر انعقاد مؤتمر «سينيكا فولز» الذي أكد على مطلب حق التصويت، الذي كانت «نيوزيلاند» أول دولة طبقته سنة 1797، لتتبعها خلال القرن التاسع عشر، دول شمالي أوروبا، وإنكلترا، هولندا، بلجيكا، الدول الاستكندينافية، ثم ألمانيا وفرنسا، وغيرهما.
لقد كان مؤتمر «سينيكافولز» بداية ظهور المنظمات النسائية السياسية – ما جعل الحركة «النسائية» تتخذ في بعض الأحيان شكلاً عنيفاً، حيث فرضت "لوسي ولستسون كرافت" أن يشتمل عقد الزواج بينها وبين زوجها على مادةٍ تؤكد عدم تقييد العقد لها بواجب الطاعة لزوجها، وعدم تخويله حقّ السيادة عليها، وممارسة حقها في التصرف الحرّ المستقل...
لقد اتخذت «الحركة النسائية» على يد «ماري ولستون» عدة مواصفات بدءاً بالحركة النسائية الليبرالية التي تطمح إلى تحرير المرأة من دورها الجنسي، أي من الأدوار التي كانت تستعمل كمبررات وأعذارٍ لإعطاء المرأة مراكز أقلّ شأناً، وحتى ولا مراكز بتاتاً، ودعت إلى أن ما تناسبها بعض الوظائف والمهن فقط ،كالتدريس، والتمريض، والبيع في المحال التجارية.
لقد مرّت هذه الحركة النسائية الليبرالية بمرحلة ركود وتراجع في أميركا. تحت تأثير نظرية «فرويد» وفلسفة «نيتشة» اللتين تحقران المرأة لتظهر فيما بعد الحركة «النسائية الماركسية» التي دعت النساء أكُنَّ برجوازيات، أم من البروليتاريا، إلى أن تفهمن فكرة أن ظلم المرأة هو حصيلة التركيبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالرأسمالية وليس نتيجة أفعالٍ فردية. ولقد افتقدت «الحركة النسائية الماركسية» القدرة على الإجابة على التساؤلات حول قدرة المرأة التناسلية واهتماماتها الجنسية، ما دعى إلى التركيز على الشؤون النسائية المتعلقة بالعمل، والمساهمة في تسهيل فهم ما يربط العائلة بالرأسمالية وذلك ما جعل عمل النساء المنزلي تافهاً وغير حقيقي.
وعقب هذه الحركة أطلَّت حركة جديدة عرفت بـ«الحركة النسائية الراديكالية»، التي اعتبر واضعوها أن النساء هُنَّ أول مجموعة تتعرض للقمع والظلم، فانتبهوا إلى نظام أعطى الحقوق ذاتها للرجال والنساء وأزال التمييزات الطبقية والاجتماعية والاقتصادية.
وظهرت فيما بعد الحركة النسائية الوجودية والحركات النسائية الاشتراكية، وحركة ما بعد الحداثة، ما جعل النساء يتعلمن من التجارب التي خضنها بأن الرجل يرفض بوجه عام التنازل عن امتيازات أكسبه إيّاها النظام الأبوي.
وبعد ماذا تريد المرأة على وجه التحديد؟
لقد تلت التظاهرات الأوروبية المطالبة بحق الاقتراع في القرن التاسع عشر، مرحلة جديدة عرفت بمرحلة «سيمون دو بوفوار» المطالبة بالمساواة بين الجنسين لكن سرعان ما تبين أن هذه الحركات قد انزلقت في دوغماتية كانت نتيجة الأساليب التي لجأت إليها النساء في هذه الحركات، وأساءت إلى مبادئهن، وأبعدتهن عن أهدافهن، مثل مبدأ سيادة المرأة والحق بالراتب المتساوي وبالعمل المتساوي، ولا سيّما الحق في التعبير. وهذه الحقوق تشكل جزءاً من حقوق الإنسان وحقوق الفرد.
ولا يختلف الوضع كثيراً في الولايات المتحدة. ففي أواسط القرن التاسع عشر بدأت المرحلة الأولى من الحركات النسائية في مواجهة العبودية، ثم كانت المرحلة الثانية التي سُمّيت مرحلة "تحرير المرأة" Woman's Liberty فحصلت على نتائج مذهلة في ميدان العمل وحق السيادة على جسدها. ولكن المغالاة والتطرف في طرح الأمور خلال الستينات ألحقا ضرراً كبيراً بالحركات النسائية على جميع الأصعدة. ففي الثمانينات لم تتمكن هذه الحركات من الحصول على قانون المساواة بين الجنسين، وإجازة الأمومة، والضمانات العائلية، ومساواة الرواتب، فحوّلت حكومة ريغان وبوش الأب الحركات النسائية إلى أهداف أخرى، وأقرَّ كلينتون قانوناً يلغي ستة عقود من المساعدات الاجتماعية، بالانقطاع عنها وعدم تعدي رواتب النساء 63% من رواتب الرجال، وباتت الحركات المناهضة لحقوق المرأة، والحركات الدينية، المتطرفة، والأخويات إلى جانب صراعات الحركات النسائية الداخليَّة، وتطرف بعض أعضائها، هي السلاح التي تحارب بها هذه الحركات وبات الوضع الحالي يشبه وضع الأقليات الأخرى لشدة ما يعاني من انقسامات، وينظر إليها من قبل المسؤولين على أنها فقط فئة من الأصوات ترجح الفوز في الانتخابات لهذا الفريق أو ذاك.
غير أن أصوات الأميركيات ترتفع اليوم مشبعة بمفهوم جديد، وتطرح مقاربة جديدة لقضية المرأة في مواجهة المسائل الاقتصادية، والضمان الصحي والعنف.
فهل يعني هذا أَنَّ المرأة محكوم عليها بأن تخضع لتعزيز موقع الرجل؟
إن ثورة المعلوماتية تجعل الجميع متساوين في استخدام الكمبيوتر من حيث القدرة العقلية والثقافية والتكنولوجيا العقلية، فلا بد أن تعي المرأة أن موقعها ومكانتها في هذا العصر رهينان بمعرفتها ومعلوماتها، ومهاراتها، وأن وعيها وعلمها هما المخولان الوحيدان لكسر حركة الموروث، والرواسب، والنوازع، التي تحكم إشكالية التعامل مع المرأة وبالتالي مكانتها.
لقد كانت، الحقائق الأساسية حول أوضاع المرأة، موضوع اهتمام الأمم المتحدة منذ سنة 1946، حيث أعربت في ميثاق المنظمة الدولية عن إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبالحقوق المتساوية بين الرجال والنساء.
ومنذ ذلك الحين أخذ عمل الأمم المتحدة في مجال تقدم المرأة أربعة اتجاهات واضحة تتمثل في تعزيز الإجراءات القانونية، وتحريك الرأي العام، والعمل الدولي، وتعزيز الأبحاث، والتدريب وتوجيه المساعدة إلى المجموعات التي تعاني من الحرمان.
-1- فعلى صعيد تعزيز الإجراءات القانونية، ساعدت اتفاقات الأمم المتحدة ومعاهداتها على تحديد حقوق المرأة، وتعزيزها، بحيث تتعهد الدول أن تفي بأحكام هذه الاتفاقيات وتؤمن للمرأة الحماية القانونية. وتشمل الإجراءات القانونية الاتفاقيات والمعاهدات التالية:
- اتفاقية منظمة العمل الدولية المعنية بالمساواة في الأجور للأعمال المتساوية الأهمية (سنة 1951).
- المعاهدات المعنية بالحقوق السياسية للمرأة (1952) وتنادي بالسماح للمرأة بالاقتراع والعمل في الإدارات العامة بالتساوي مع الرجل.
- المعاهدة المعنية بجنسية المرأة المتزوجة بالحفاظ على جنسيتها.
- الاتفاقية المعنية بالزواج بالتراضي الحدّ الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج (1962) وتنادي بأن الزواج لا يمكن أن يتم إلا برضى الفريقين.
- اتفاقية الأونيسكو الخاصة بمكافحة التمييز في مجال التعليم.
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1978) وهي اتفاقية شرعية دولية لحقوق المرأة، وتنص على أن واجب توفير الحقوق الدينية للمرأة ومساواتها من الناحية القانونية في جميع الميادين.
- إعلان الأمم المتحدة المعني بالقضاء على العنف تجاه المرأة (1993) وتعيين مقرر خاص للعنف ضد المرأة مهمته جمع المعلومات والتوصية بالإجراءات اللازمة للقضاء على العنف وأسبابه.
2- أما فيما يخص بتحريك الرأي العام، فلقد عقدت الأمم المتحدة أربعة مؤتمرات دولية عامة معنية بالمرأة ومنها مؤتمر «كوبنهاغن» ومؤتمر «نيروبي» الذي تبنته 120 دولة) (1985) ومؤتمر «بجينغ» 1995... فساعدت هذه المؤتمرات في تحديد العراقيل التي تعترض المساواة وفي تحديد النشاطات المطلوبة لتجاوزها.
وكان قبل ذلك انعقد مؤتمر في «مكسيكو»، في إطار السنة الدولية للمرأة، فكان نقطة انطلاق لجهد دولي يصلح أخطاء التاريخ، ما أدَّى إلى إعلان عقد الأمم المتحدة للمرأة (1976 – 1985) قد تبنى مؤتمر «كوبنهاغن». برنامج عمل الجزء الثاني من هذا العقد.
3- أما الاتجاه الثالث فموضوعه البحث والتدريب، لقد أجريت إحصاءات تتعلق بوضع النساء والرجال في العالم قامت بتنفيذها دائرة الأمم المتحدة للإحصاءات، ومعهد الأمم المتحدة الدولي للبحث والتدريب المتعلق بتقدم المرأة (INSTRAW) ومنظمة العمل الدولية وقد ركّز فيها على عمل المرأة المأجور وغير المأجور فبرز منها تقريران مهمان حول «نساء العالم 1970 – 1990» و«نساء العالم 1995» لإلقاء الضوء على وضع المرأة، وحياتها، وعملها، وقد دافعت الأمم المتحدة دائماً عن إيمانها بأن حقوق المرأة المتساوية وسيلة لحل معضلات اجتماعية – اقتصادية، بما فيها التضخم السكاني، والتنمية غير المستدامة، كما نجحت الأمم المتحدة في قبول مبدأ «التوظيف للمرأة» الذي يؤدي إلى النموّ الاقتصادي، وحياة صحية، وتربوية أفضل على صعيد دول العالم.
4- وفيما يتعلق بالاتجاه الرابع أي «توفير المساعدة» ينبغي الإشارة على أن الأمم المتحدة تخصّص نحو 80% من عملها للنشاطات الإنمائية. وقد نالت المرأة منها المساعدات الصحية والتربوية والبيئية نسبة كبيرة؛ ومنذ المؤتمر الدوري للتعليم (1990) شاركت 153 دولة في جهود الأمم المتحدة للقضاء على التمييز في مجال التربية، بل وجعل تعليم الفتيات والنساء أولوية رئيسية، من شأنها أن تساهم في إطار العمل على التأثير الكبير على النساء.
أما بالنسبة لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) فإنه يوفر ربع المساعدات التي يوفرها للعالم، لبرامج تنظيم الأسرة ومنذ سنة 1969 كما يعمل صندوق الأمم المتحدة (UNIFEM) بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للإنماء على تأمين مساعدات مالية وتقنية مباشرة للبرامج الإنمائية المعنية بشؤون المرأة، وكذلك المساعدات، التي يقدمها صندوق الأمم المتحدة للطفولة، ومنظمة الصحة العالمية (WHO) في حين أن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAP) والبنك الدولي (WB) قد خصَّصا برامج مساعدات توفر القروض للمرأة الريفية وقد أدت هذه الجهود إلى نتائج ملموسة جداً كما يظهره تقرير التنمية البشرية لعام 1995 ووفقاً لما يؤكد برنامج الأمم المتحدة للإنماء، وذلك من خلال النقاط التالية:
1- ارتفاع العمر المتوقع للنساء في جميع الدول النامية.
2- تراجع نسبة الولادات من 5.7% إلى 3.3% في الدول النامية ومن 2.3% إلى 1.2% في الدول المتقدمة.
3- ارتفاع نسبة النساء اللواتي يتولين مراكز صنع القرار في العالم من 3.3% سنة 1987 إلى 5.7% سنة 1994.
ولكن لا بد من التنويه بأن الواقع الشرقي لا يزال بحاجة إلى الكثير، فلا يزال يتضمّن بلداناً تحرر المرأة من حقوقها وبخاصة السياسية منها...
والآن ماذا حول وضع المرأة في لبنان والعالم العربي ؟
كان سكان جبل لبنان خلال الحكمين المعني والشهابي متمسّكين بعاداتهم وتقاليدهم، وبالتشدد على وحدة العائلة. والاعتصام بما يصون المرأة.
ولكن الإقطاعية المستحكمة، كانت تقر بأن الرجل هو رب البيت وأموال العائلة أمواله، وهو الذي يقرر زواج أولاده، من دون نفي التساوي العملي بينه وبين زوجته.
ومن آثار تلك الإقطاعية أيضاً أن الأمير يتزوج «أميرة»، والشيخ "شيخة"...
أما تعدد الزوجات، فلقد كان ممنوعاً لدى المسيحيين، وفيما كان الهجر مسموحاً.
ومنذ بداية القرن المنصرم، كانت المرأة سجينة البيت وضحية التقاليد الموروثة، وأسيرة سلطة الرجل وذلك وفق معايير العائلة التقليدية، التي كانت تسعى لتحجيم دور المرأة الاجتماعي، وتكريس تبعيتها المطلقة للرجل، وعدم متابعتها للدراسة، والاكتفاء بالقراءة، والكتابة، إلى أبعد حد، واستغلالها للعمل في الزراعة العائلية، وتربية أبنائها..
واستمر الوضع على هذا النحو حتى بروز الحركات النسائية التي سعت بجهد متواصل لإزالة القوانين المجحفة بحق المرأة، وذلك بفضل مجموعة من السيدات الرائدات، اللواتي سعينَ منذ منتصف القرن المنصرم لإلغاء النظرة الدونية إزاء المرأة، وذلك ما أتاح لها اقتحام العمل بكل أشكاله، بدءاً بالمجالات النخبوية كالطب والمحاماة والتعليم، إلى درجة أنها اقتحمت المجال الفني بكل أشكاله كالغناء والرقص، والتمثيل... إضافة إلى تبوُّئها أرقى المراكز في ميادين الطب والهندسة والمحاماة وإدارة الأعمال والتعليم الجامعي.
ولقد كانت هذه النهضة النسائية مدينة لعدد من الجمعيات الرائدة التي يعود تاريخها إلى قرن ونصف القرن، ليس فقط في لبنان بل أيضاً في العراق حيث أطلت امرأة عربية وهي «نزيهة دليمي». فشغلت منصب وزير البلديات، بعد أن ترأست سابقاً «اتحاد الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق. وفي مصر، حيث كان للشيخ محمد عبدو دور في نهوض المرأة الحاسم، من خلال شجاعته ومواقفه التحريرية، إلى جانب قاسم أمين، نصير المرأة، وصاحب الكتابين الشهيرين «تحرير المرأة» و«المرأة الجديدة» إلى أن أطلت هدى الشعراوي لدى عوداتها من مؤتر روما سافرة أمام الجماهير. مؤسسة «الاتحاد النسائي المصري»، ودعت المرأة إلى العلم على اعتباره الطريق الأمثل لبلوغ أهدافها فأقبلت عليه بنهم، وناصرها في ذلك لطفي السيّد، وطه حسين، وذلك ما عرَّضهما لحملات عنيفة من قبل بعض وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
وفي لبنان كانت النهضة النسائية مدينة لعدد من الجمعيات الرائدة، التي يعود تاريخها إلى قرن ونصف قرن من الزمن، بدءاً بـ«جمعية سيدات المحبة»، و«جمعية زهرة الإحسان» (1857)، و«جمعية إيواء العجزة» (1874) و«جمعية البنفسجة» (1884).
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه النهضة كانت مدينة أيضاً لنخبة من الرجال المتنويريين في حقول الأدب والعلوم والسياسية، ومنهم المعلم بطرس البستاني الذي كان أول من دعا لتعليم المرأة وجعلها عضواً عاملاً في المجتمع، وجرجي زيدان الذي سمي «نصير المرأة» ومحمد جميل بيهم الذي ساهم في عقد أول مؤتمر للمرأة في بيروت سنة 1922، الذي دعت إليه الأميرة نجلا أبي اللمع صاحبة مجلة «الفجر» وأمين الريحاني، بدون أن ننسى جبران خليل جبران، وخليل المطران، وزينب فواز ونبيهة الهاشم...
وبعد زوال الحكم العثماني، ظهر عدد من الجمعيات النسائية، ومنها «الاتحاد النسائي العربي» برئاسة لبيبة ثابت، تلاه «المجمع النسائي» برئاسة نور حمادة التي أسست «عصبة المحمديات» التي أصبحت فيما بعد «الجمعية العليا لاتحاد نساء الشرق» و«مؤتمر نسائي عام» في دمشق (1933) بمشاركة المحامية نينا طراد، والأديبة إميلي فارس – وهو مؤتمر تعرض للانقسام سنة 1947، بين هيئتين جديدتين «التضامن النسائي» برئاسة لور تابت، والتجمع النسائي برئاسة ابتهاج قدورة اللتين توحدتا فيما بعد لتصبحا «اللجنة التنفيذية للهيئات النسائية في لبنان» التي جمعت السيدتين ثابت وقدورة، إضافة إلى نخبة من السيدات: نجلا الكفوري، ألين جمال حرفوش وقد توصلت هذه اللجنة إلى الحصول على اعتراف رسمي بحقوق المرأة وفقاً لمرسوم صادر بتاريخ 18/2/1953، الذي منح المرأة الحق في أن تنتخب وتُنتخب، تماماً كما الرجل.
واعتبارً من هذا المرسوم توحّد الصف النسائي في هيئة جديدة باسم «المجلس النسائي اللبناني». ومن أهم أعضاء هذه الهيئة، السيدة لور مغيزل التي أسست «الحزب الديمقراطي»، ثم «جبهة لبنان الواحدة» ثم «الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان» ساعية من خلال هذه التجمعات إلى تنزيه التشريع اللبناني، من نصٍّ مجحف بحقوق المرأة، فحصلت على عدة اعترافات رسمية بحقوق المرأة، ومنها الاعتراف بحقوقها السياسية (1953)، والمساواة في الإرث (1960)، والحق بممارسة التجارة من دون إجازة من زوجها (1994) القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة (1996).
وتقضي الحقيقة الاعتراف بدور السيدة ابتهاج قدورة، التي من صفحاتها الخالدة ودفاعها عن عربية لغة القرآن أمام جمال باشا الجزار الذي اشتهر بظلمه، وبإعدام من خرج عن إرادته، من أحرار لبنان وسوريا، كما لا بد من التنويه بدور السيدة ليندا مطر التي ساهمت من خلال جولات عالمية بهدف رفع صوت المرأة اللبنانية المناضلة من أجل وحدة لبنان واستقلاله.
أما في السياسية، فلقد بدأ دور المرأة الشرعي من خلال المادة السابعة من الدستور اللبناني الصادر في 27/7/1926 الذي نصَّ على حقوق المرأة المدنية والسياسية بالسواء. ومن خلال لجنة «حقوق المرأة السياسية» لتعديل قانون الانتخاب لتشمل اللوائح الانتخابية الذكور والإناث، ولتفسح للمرأة بالتمرس بحق الاقتراع، بل في وصول العديد من النساء إلى النيابة، بدءًا بالسيدة ميرنا البستاني، بالإضافة إلى رئاسة وعضوية العدد من البلديات والمجالس الإدارية الحكومية والخاصة.
وفيما يتعلق بالإرث فيجب التمييز بين المرأة المحمدية والمرأة غير المحمدية.
فالمرأة المحمدية تحظى من الإرث: الربع عند عدم وجود الأولاد. والثّمن من وجودهم، عملاً بالقاعدة الإرثية العامة «للذكر مثل حظ الأنثيين»، وإذا تعددت الزوجات فبالتساوي بينهنّ.
أما المرأة غير المحمدية، فقانون الإرث الصادر في 21/6/1959، يضع للتركات والوصايا أحكاماً يختلف بعضها عن الأحكام الشرعية، بحيث جاء القانون الجديد ليساوي بين الذكر والأنثى، فيما كان القانون القديم يعطي الأولوية في الإرث لكبير الذكور على أن يقوم هو بدوره برعاية إخوته والإنفاق عليهم دون أن يكون ملزماً بتزويجهم، وهو قانون أثار عليه أبناء كسروان وطالبوا الأمير بشير الثاني بتعديله. لكن العادات والتقاليد القديمة بقيت قائمة في النفوس وفي العديد من الممارسات.
ولكن الإقطاعية المستحكمة ، كما ذكرنا سابقاً، كانت تقر بأن الرجل هو رب البيت، وأموال العائلة أمواله، وهو الذي يقرر زواج أولاده، من دون ينفي التساوي العملي بينه وبين زوجته.
ومن آثار تلك الإقطاعية أيضاً. أن الأمير لا يتزوج إلاَّ أميرة، والشيخ شيخة.
أما تعدّد الزوجات فلقد كان ممنوعاً لدى المسيحيين، وكذلك الطلاق، فيما كان الهجر مسموحاً.
ولكن أسباباً كثيرة دفعت المرأة نحو تحقيق بعض أهدفها ومنها تطور الاقتصاد والمجتمع، وانتشار العلم، والانفتاح على العالم وكل ذلك أخرج المرأة اللبنانية من خباءة التاريخ.
وخلال القرن التاسع عشر، ولدت الحركات النسائية في الغرب والشرق. فارتفع صوت بطرس البستاني وصحبه في لبنان، ورافع الطهطاوي في مصر، ودعيا إلى إنشاء مدارس لتعليم الفتيات، وفتح المجال أمامهن للنزول إلى ميدان العمل والحياة الاجتماعية.
أما المرأة المسلمة فلقد جاء في الموسوعة الفرنسية الجزء 20 أن حركة تحرر المرأة المسلمة بدأت في لبنان قبل تركيا والهند ومصر. ومن هذه الحركات «جمعية المحمديّات» التي أسستها نور حمادة، والتي أصبحت فيما بعد «الجمعية العليا لاتحاد نساء الشرق» وعملت هذه الحركات لتعليم الزوجات ووضع حدّ لتعددها ومنح حق المرأة بالطلاق.
ثم نزلت المرأة ميدان العمل، فبرعت في كثير من حقوله وكانت اللبنانيات روادها وصاحبات الدعوة البكر لتحررها وردة اليازجي (1878 – 1924) وزينب فواز (1850 – 1914) ولبيبه الهاشم (1882- 1953).
وتألفت جمعيات كثيرة خيرية واجتماعية هدفت إلى إنشاء السجون، والاهتمام بالأحداث، وتأسيس الصليب الأحمر ودور العجزة، والتشجيع على الأشغال اليدوية.
وبعد ذلك راحت المرأة تطالب بحقوقها، وأكّدت مع مناصريها تفوقها على الرجل لعدة أسباب "مادية"، لأن آدم جبل من تراب فيما حواء ضلع من آدم وليست من تراب و(2) تفوُّقها في المكان، "فآدم خلق خارج الجنة بعكس حواء" (3) "الحبل فالمرأة حملت الله في أحشائها"، (4) بـ"الظهور" لأن المسيح ظهر بعد موته على مريم المجلدية.
أما أعداء المرأة فكانوا يجيبون بأن المرأة أتت أمراً عظيماً وبالتالي لا حاجة لتعديل حقوقها. وكان المسيح يقول "الحق الحق أقول لكم: تحزن المرأة إذا أخذها المخاض لأن ساعتها حانت، فإذا ولّدت تنسى شدَّتها لفرحها بأنه قد ولد لها إنسان في العالم".
ولا تزال الكنيسة تقف الى جانب المرأة فيخصص لها البابا يوحنا بولس الثاني رسالة خاصة، عرفت برسالة النساء، فيقول: "ان عراقيل كثيرة ما تزال تمنع النساء في بلدان كثيرة من الاندماج الكامل في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. ومن الضرورة للغاية ان تحصل في كلّ مكان على المساواة الفعلية في الحقوق الشخصية، وبالتالي على تساوي الأجور، وحماية الأمّهات اللواتي يعملن، والترقية العادلة في المهن، وتساوي الزوجين في تدبير العائلة، والاعتراف لهن بكل ما هو مرتبط بحقوق المواطن، وواجباته في نظام ديموقراطية. وإن امرأة لا يؤمن بقدراتها، وطاقاتها ولا تتحمل مسؤولياتها حيال حقوقها، التي هي بالتالي حقوق أبنائها، وحقوق أمَّتها، هي بالتأكيد إمرأة ارتضت لنفسها ان تبقى مجرد رقم في لوائح الشطب الانتخابية".
سيداتي،
صحيح بأننا كنا متخلفين في لبنان وفي الدول الشرقية، على العديد من الصُّعُد، بما فيه تعاملنا مع المرأة، وإذا علمنا بأنه لم يبقَ في العالم سوى 16 دولة فقط لا تعترف للمرأة بحقوقها السياسية. أدركنا بأن العالم المعاصر تمكن من خلال القرن الماضي من تجاوز علّة التنكر لحقوق المرأة في معظم البلدان بما فيها لبنان، الذي فتحت أبواب المسؤوليات الإدارية والسياسية أمامها فكان لها نصيب من القضاء والإدارة والنيابة والوزارات ومن يدري فقد تحقق في لبنان أمنية «سان سيمون» وهو من أنصار النهضة النسائية الأولى في فرنسا، عندما دعا إلى قيام «حكومة نساء» تحل محل «حكومة الرجال» اعتقاداً منه أن العالم السياسي المقبل، لا يجد توازنه إلا بترقية القيم النسوية. لقد طالب بحكومة نساء واثقاً بأنها ستكون أصلح، وأفضل، وأجلّ، من حكومات «أشباه الرجال»..
سيداتي،
إن الجمعية الوطنيّة للمرأة العاملة الريفية في «البقاع» تعمل على تحقيق عديد من الأهداف ومنها «تحفيز المرأة على العمل إلى جانب الرجل. و«الابتعاد كلياً عن العصبيات الطائفية والمذهبية» و«الرعاية الصحيّة والاجتماعية» و«توفير فرص العمل للمرأة»، و«إقامة المشاريع الإنتاجية الخاصة بالمرأة مثل التدريب على الكمبيوتر» و«الخياطة» والتطريز، و«تصنيع بعض المنتجات الزراعية والمساعدة على الحفاظ على البيئة». وبالطبع احترام المرأة والتصدي لأية مسألة تواجه فيها العنف سواءً في المنزل، أو خارجه.
سيداتي،
علينا الاعتزاز بصورة عامة بكون لبنان يعدّ من الطليعة الواثبة، من الدول المؤيدة لحقوق المرأة. فلقد واكب المفاهيم العصرية بأوضاعه الاجتماعية والسياسية. وأتاح للمرأة الأهلية الكاملة، بما فيها الحفاظ على حقوق المرأة في الإرث، مع احترام المفاهيم الدينية. وفي مبدأ "الزوجة الواحدة" على الصعيدين المسيحي والإسلامي وبصورة متصاعدة.
وإذا كان هناك بعض الأهداف التي لا تزال في طور التمني، كممارسة الحقوق السياسية، وقد بدأ الحديث الرسمي عنها بصورة واضحة بدءاً بالحفاظ على حصة المرأة في قانون الانتخابات. وكإزالة الطائفية المكرَّسة في الدستور، التي باتت هدفاً مطلوباً. وإن كان معرَّضاً لبعض المعيقات التي يعترف الجميع بضرورة تجاوزها، مع احترام المعطيات الدينية، على الصعيدين المسيحي والإسلامي فإنها شذرات من تاريخ منح للمرأة من خلال المرأة الوطنية والسياسية دوراً وحقاً وواقعاً ومطمحاً...
إن لنا جميعاً، رجالاً، ونساءً، رسالة حضارية في الوطن والشرق. ونحن جميعاً إناثاً وذكوراًً، نطمح إلى تحقيقها لأنها تجلي صورة لبنان في العالم، وإذا كانت هناك عوائق دينية تحول دونها، فإنها عوائق زائلة لأن كرامة الوطن مرتبطة بها، وبينها وبين الكرامة عهد الله، ولها مع المجد مواعيد، بفعل عزيمة دهرية تمارسها. وسيلمس كفّها الدنيا ولن يستوحش تاج هي جبينه ولن تعلو فوق رأسها قباب.
سيداتي،
إنكنَّ عزُّ الوجود،
فطفلات، تتغامز دونها الوردات والتلاّت، غيرة جسداً.
وصبايا تحيط بهنّ النجوم والأزهار مفارش، وهالات،
وأمّهاتٍ، يزهو قلبهن بالحنان والمحبة والعطاء والتضحيات.
أما في السياسة، فكان "ستوارت ملّ"، السبّاق في الانتصار للمرأة حينما قال "هنالك ما هو أهمّ من علاقات بريطانيا بالعالم، وهي علاقتها بالانكليزيّات".
ولعلَّ ما قاله "ابراهام لنكولن" ما يكفي لتوصيف دورها، عندما قال للوفود التي أمَّت داره من كل صوب مهنئةً له عندما أصبح رئيسياً للولايات المتحدة الأميركية: "لا تهنئوني، بل هنئوا "أمّي" فلولاها لما وصلت الى مقامي هذا".
وهل باتت دعوة "سان سيمون"، وهو أحد أنصار النهضة النسويّة الأولى في فرنسا لقيام "حكومة النساء" قد آن أوانها لثقته بأنها ستكون اصلح، وأفضل، وربّما أرجل من "حكومات الرجال"؟ ...
ولد نبيه غانم في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.
حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.
شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.
كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.
الى جانب الوظائف الادارية، عمِل غانم في مجال التدريس الجامعي، فعمل كأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية من العام 1978 حتى العام 1995، وكأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الزراعة بجامعة القديس يوسف من العام 1978 حتى تاريخه، اضافة الى تدريسه مادة الاقتصاد الزراعي في كلية الصيدلة في الجامعة اليسوعية منذ عام 2003 حتى تاريخه. كما عمِل غانم كأستاذ زائر بمادة الاقتصاد،في معاهد الدراسات الزراعية العليا في "" ايطاليا ، "" اليونان، و"" فرنسا، خلال فترة عضويته في منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر الابيض المتوسط من العام 1985 حتى العام 1993.
للدكتور نبيه غانم مؤلفات كثيرة منها، المشكلة السكرية في لبنان عام 1966، الزراعة اللبنانية وتحديات المستقبل عام 1972، التسليف الزراعي في خدمة التنمية عام 1984، الزراعة اللبنانية بين المأزق والحل عام 1998، مشروع قانون الزراعة عام 1996، خطة "التنمية الزراعية" للبناني عام 2009، و مشروع بحيرة الليطاني السياحي.