شكّل اللقاء التفاوضي الثنائي الأول بين الإيرانيين والأميركيين في جنيف محور المتابعة الرسمية، مع أنه لم يكن مفاجئا للمقرّبين من طهران، فالمعلومات والقارير تؤكد أنّ المفاوضات الأميركية الإيرانية بدأت بشكل سري منذ آب الماضي انطلاقا من سلطنة عمان ومباشرة بعد الزيارة التي قام بها السلطان قابوس إلى طهران حيث نجحت وساطته في بدء اتصالات خجولة سرعان ما تحوّلت إلى ناشطة قبل أن تنتهي إلى لقاءات سرية مباشرة تطرقت إلى الملفات العالقة بين البلدين منذ عقود وإلى مجمل الملفات الاقليمية المتعلقة بآسيا الوسطى ومستقبل الدول الواقعة على خطوط النفط بدءًا من قزوين وانتهاءً بمضيق هرمز مرورًا بقناة السويس إضافة إلى الدور الايراني في الخليج العربي.
ويبدو بحسب أحد المتابعين عن كثب لهذه الاتصالات أنّ المفاوضات بين الفريقين تتمحور حول أكثر من ملف وأنّ الملف النووي يقع في أدنى درجات سلم الاولويات. بيد أنّ الهاجس الأميركي تحوّل في الفترة الماضية إلى ما بعد إنهاء مهام الجيش الأميركي في أفغانستان وانسحابه منها وما يمكن أن تشهده المنطقة المذكورة من تداعيات تؤثر سلبًا على مستقبل المصالح الأميركية في هذه البقعة المتوترة وغير الآيلة إلى التهدئة نظرًا لتركيبتها وسيطرة التنظيمات السلفية على معظم مفاصلها وتحوّلها إلى تنظيمات ذات تدريب وكفاءة عاليتين مستفيدة من دعم إسلامي وعربي مطلق ليس على خلفية القناعة بل على الابقاء على مراكز توتر وبؤر يمكن تحريكها، غير أنّ خروج الأمور عن السيطرة يشكل الهاجس الحقيقي لواشنطن الراغبة في إعادة رسم سياساتها الخارجية المتعلقة بالدول الاسلامية بشكل عام.
ويشير المصدر إلى أنّ الملف الأفغاني وامتداداته لا يشكل نقطة الضغط الوحيدة التي تم البحث بشأنها. فصحيحٌ أنّ أفغانستان تقع على تماس حدودي مع إيران، إلا أنّ الأصحّ أنّ طهران تعتبر نفسها معنية بكل الملفات الاقليمية وعلى رأسها ملف العراق وكلّ ما يتصل به من متفرّعات على غرار الملف الكردي، ناهيك عن الملف السوري ودول الجوار بما فيها تركيا التي بدأت تتراجع الى الخطوط الخلفية، إضافة إلى الخليج العربي برمته خصوصا البحرين التي تضم نسبة لا بأس بها من الشيعة من جهة ولكونها تشكل صلة ربط بين المملكة وسائر الدول الخليجية مع ضرورة الأخذ بالاعتبار الملف السعودي الشائك الذي تعاني منه ايران منذ عقود باعتبار المملكة بالنسبة لها الممول الاول والاكبر لكل التنظيمات السلفية والقاعدية التي تناصب العداء للجمهورية الاسلامية والدول المتحالفة معها على غرار سوريا والاحزاب المقاومة مثل "حزب الله" الذي طالما شكل هدفا لهذه المجموعات والتنظيمات.
ويعني الإعلان عن بدء المفاوضات الاميركية الايرانية العلنية، بحسب المصدر، أنّ الدولتين وصلتا إلى قواسم مشتركة بارزة تتعلق بسلة الملفات الموضوعة على بساط البحث بينهما، فإيران المعروفة بقدرتها العالية على المناورة والمفاوضة تواكب الاتصالات مع واشنطن بانفتاح على الدول الغربية من جهة وتركيا من جهة ثانية. وبالتالي فإنّ الاعلان عن أيّ تقدّم على مستوى الملف النووي يعني بحدّ ذاته تقدّمًا على سائر الملفات الأمنية والعسكرية والسياسية في آن معا، فإيران تدرك من أين تأكل الكتف كما تدرك بخبرتها الطويلة وتركيبتها العقائدية حاجة الغرب إلى دورها كضابط ايقاع في المنطقة عموما والخليج النفطي بشكل خاص، وبالتالي فإنّها تتصرّف من هذا المنطلق وتعمل على أساس أنّها حاجة ماسة لا يمكن الاستغناء عنها لا في الحرب ولا في السلم بما يعني أنّ الحلول في المنطقة تمرّ عبرها كما أنّ الحرب لا يمكن أن تكون من دونها.