على الرغم من دبلوماسية وسلاسة وزير التربية والتعليم العالي، إلياس بو صعب، في إجاباته على أسئلة الصحافيّين خلال مؤتمره الإعلامي منتصف ليل الثلاثاء - الأربعاء، فإنّه لم ينجح في إخفاء خضوع هيئة التنسيق النقابية لمطلبه الحازم بتنظيم الإمتحانات في مواعيدها المقرّرة، باستثناء إرجاء أوّل دفعة من الإمتحانات لمدّة 24 ساعة، بهدف حفظ ماء وجه الأساتذة المعترضين، لا أكثر. فماذا حصل؟
بداية، لا بد من التذكير بأنّ قضيّة السلسلة ليست محصورة بالأساتذة، وإنّما تطال العديد من موظّفي الدولة الحاليّين والمتقاعدين وكذلك السلك العسكري، إلخ. لكن تسليط الضوء على الأساتذة جاء نتيجة إستخدامهم مصير الإمتحانات كورقة ضغط ومساومة، الأمر الذي جلب لهم جملة من الإنتقادات، خاصة في أوساط الطلاب وأهاليهم. وموقف الوزير بو صعب بإجراء الإمتحانات في مواعيدها، إنطلق من مبدأ عام يقضي بأن يقوم الوزير المختصّ بتسيير شؤون وزارته بغض النظر عن العراقيل، خاصة إذا كان حل المطالب النقابية المرفوعة ليس في يده. من هنا، قرّر الوزير بو صعب العمل على تأمين مراكز للإمتحانات وتوفير الحماية الأمنية لها، وعلى إقناع أكبر عدد ممكن من الأساتذة، خاصة في صفوف المتعاقدين، لتنفيذ أعمال مراقبة الطلاب، بهدف إنجاز الإمتحانات في مواعيدها المحدّدة، وإراحة الطلاب من عبئها. وهو أصرّ على ترك هامش الضغط مُتاحاً للأساتذة، من خلال إمكان مُقاطعة أعمال التصحيح لاحقاً، لكن بعد أن يكون أخرج الطلاب وعائلاتهم من حال الضغط النفسي التي يعيشونها.
في المقابل، بذل الأساتذة الناشطون على خط الضغط لإقرار السلسلة، جهوداً كبيرة لإفشال مساعي وزير التربية بتنظيم الإمتحانات في مواعيدها، من خلال العمل على إقناع أكبر عدد من الأساتذة بعدم المشاركة في تحضيرها ومراقبتها، وكذلك عبر عرقلة إعداد وتوزيع الأسئلة، مع قيام بعضهم بتحضيرات جدّية لتسريب الأسئلة مُسبقاً للتسبّب بإلغاء هذه الإمتحانات، في ظلّ دعوة الأكثر تشدّداً بينهم إلى تنظيم تظاهرات في مناطق حيويّة، مثل تقاطعات الطرقات الأساسية، لعرقلة السير ومنع الطلاب من الوصول إلى مراكز الإمتحان. لكن هذا الإحتمال الأخير لقي معارضة من داخل النقابات، من منطلق أنّ الأساتذة ليسوا "قطّاع طرق". وبعد أن تبيّن للهيئة أنّ الوزير بو صعب ماض قُدماً في تأمين البدائل اللوجستية لمختلف العراقيل الإدارية التي أعدّوها، وأنّ حملة مقاطعتهم ستفشل، وسيخسرون البدائل المادية التي تُمنح في أيام الإمتحانات، عادوا ورضخوا لقراره بتنظيم الإمتحانات بحسب الجداول المعدّة سلفاً باستثناء تعديل طفيف على أوّل يوم منها، مع إحتفاظهم بورقة رفض تصحيح المسابقات، وبالتالي عدم إعطاء الشهادات للناجحين، في حال عدم إقرار السلسلة في المستقبل.
في الخلاصة، قد يكون الأساتذة مُحقّين بمطالبهم الداعية إلى تصحيح الغُبن في الرواتب والأجور، لكن هذا الخلل في قيمة الرواتب مقارنة بكلفة العَيش الأساسيّة، يطال شرائح واسعة من الفئات العمّالية والمرافق الوظيفية، أكان بالقطاع الرسمي أو حتى بالقطاع الخاص، وهو ليس محصوراً بالأساتذة بالتأكيد. وعلى سبيل المثال، إنّ عناصر وضباط الجيش اللبناني الذين يُعتبرون أحقّ بالسلسلة من أيّ موظّف آخر في الدولة اللبنانية، نتيجة المخاطر التي يتعرّضون لها والدور الذي يقومون به، لم يُخلوا الحواجز ولم يُعلّقوا المُهمّات المولجين القيام بها، نتيجة عدم إقرار السلسلة ونتيجة خفض الرواتب المُقترحة لهم أكثر من مرّة، علماً أنّ هؤلاء العسكريّين ممنوعون فعلياً من ممارسة أي مهنة موازية لخدمتهم العسكرية، بينما هذا المنع لا ينطبق على الأساتذة وباقي موظّفي الدولة إلا نظرياً وصُورياً، ودوامات خدمتهم هي أكثر تشدّداً وصرامة من دوامات الأساتذة والموظّفين. وبالتالي، لم يكن من المنطقي إستخدام الأساتذة للطلاب وللإمتحانات كأوراق ضغط ومساومة لتحقيق أيّ مطلب، بغض النظر عن أحقّيته، ولن يكون من المنطقي في المستقبل إستخدام ورقة تصحيح المسابقات كورقة ضغط ومساومة أيضاً. أكثر من ذلك، وفي حين يرى بعض الخبراء في شؤون الإقتصاد أنّ من شأن إقرار السلسلة ضخّ أموال إضافية في البلد، وتحريك عجلة الإقتصاد عبر رفع القدرة الشرائية للقطاعات المستفيدة منها، يُجمع الكثير من الخبراء الآخرين أنّ إقرار السلسلة وفق المشروع المُعدّ حالياً، لن يتسبّب إلا بتضخّم مالي، وبزيادة لأسعار مختلف المنتجات، وبارتفاع لقيمة الخدمات، بشكل سيُضرّ كل شرائح المُجتمع من دون إستثناء، وسيضاعف من عجز الدولة الغارقة بالديون حتى أذنيها، بحيث تُصبح المئة أو المئتا ألف ليرة كزيادة شهريّة لكل فرد، من هنا وهناك حسب جداول السلسلة، من دون أيّ قيمة على الإطلاق، بل حتى بمفعول مُعاكس وإرتدادي خطير.