تحولت الأنظار بصورة مفاجئة إلى شمال العراق، حيث سجلت الساعات الأخيرة الماضية أكثر من مفاجأة أولها سيطرة "داعش" على محافظة نينوى الحيوية بصورة غير متوقعة وسريعة للغاية ومن ثم تمددها باتجاه تكريت، التي تشهد بحسب التقارير الأخيرة عمليات كر وفر من المرجح أن تكون انتهت لمصلحة قوات النخبة في الجيش العراقي، بصورة أفقية بحيث اقتربت من العاصمة العراقية بغداد والحدود السورية العراقية لجهة الحسكة، اضافة إلى تهديدها باشعال حرب مذهبية من غير المستبعد أن تدخل ايران على خطها خصوصاً أن كربلاء الشيعية باتت على مسافة حوالي الخمسة والأربعين كيلومتراً وهي مسافة كافية لاطلاق شرارة الحرب السنية الشيعية.
المفاجأة التي حققتها "داعش" طرحت أكثر من علامة استفهام، أبرزها ما هي الارتدادات المفترضة على الساحة السورية، وما هو الموقف الأميركي بعد أن سيطرت المنظمة المدرجة على لائحة المنظمات الارهابية على كم هائل من السلاح الأميركي والنوعي، في ظل امتناع واشنطن عن تسليح المعارضة السورية بأسلحة كاسرة للتوازن خشية وقوعها في أيدي المنظمات التكفيرية واذا بها تسيطر على أحدثها من خلال الغنائم غير المعروفة بعد من الجيش العراقي الذي إنسحب من نينوى من دون مقاومة تذكر ما يطرح تساؤلات حول مدى الخرق في بنيته الحديثة وعقيدته القتالية، اضافة إلى الموقف الايراني بعد اقتراب النار من حدوده ومن أذرعه العراقية وكيف سترد الأخيرة على تسارع التطورات، وبالتالي ما اذا كان الرد سيصل بحدوده إلى السعودية باعتبارها الراعية والممولة للحركات التكفيرية والوهابية وفي مقدمتها "داعش".
في الموقف الأميركي، لا يستبعد خبراء في السياسة الأميركية أن تعمد واشنطن إلى اعادة حساباتها على وجه السرعة خصوصاً أن "داعش" باتت على تماس مع تركيا، وهي دولة فاعلة في حلف شمالي الأطلسي، كما أن عملية خلط الأوراق في العراق قد تؤدي إلى عرقلة المفاوضات الدائرة راهناً بين واشنطن من جهة وطهران من جهة ثانية، وهذا أبعد ما تريده الأولى لعدة أسباب استراتيجية أولها ضمان انسحاب آمن للجيش الأميركي من أفغانستان وليس آخرها عدم رغبتها بالعودة في الملف النووي إلى مربعه الأول، مروراً باصرارها على تحقيق توازنات جديدة في المنطقة خالية من خطر الارهاب المحدق بالدول الصديقة والحليفة لا سيما الأوروبية منها.
على الصعيد السوري، لا يخفي المتصلون بالعاصمة دمشق نوعاً من الإرباك الناجم عن خطورة الوضع بشكل كبير بعد أن هبط الخط التصاعدي أو بأضعف الحالات توقف عن الصعود ليسجل ثباتاً مقلقاً وغير مريح، من دون أن يعني ذلك أن الأمور الميدانية في سوريا ستعود إلى دائرة الخطر العسكري الاستراتيجي، خصوصاً أن الجيش السوري بدأ منذ ساعات بشن حرب استباقية من خلال تعزيز مواقعه وتدعيم خطوط دفاعاته اضافة إلى وضع سلاح الجو المتطور بحالة استنفار غير مسبوقة بما يحد من المخاطر وتفريغها من مضمونها، مع الاشارة إلى أن تركيا التي خسرت ورقة "الإخوان المسلمين" لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه وصول الخطر التكفيري إلى حدودها.
من جهتها، من المرجح أن تكون ايران قد اتخذت قراراتها بشأن الخطوات الواجب اتباعها لحماية الشيعة العراقيين وعتباتهم المقدسة، وهي بالطبع لن تقبل أن تخسر في العراق ما ربحته في سوريا، كما أنها لن تقف مكتوفة الأيدي ازاء أي خطر يهدد بكسر حلقة الدائرة الممتدة من ايران نفسها إلى جنوب لبنان، وبالتالي فإنها قد تلجأ إلى الضغط على السعودية من خلال تحريك جبهة اليمن أولاً ومن ثم تحريك أذرعتها الممتدة في داخل دول الخليج العربي،والضغط المباشر عبر واشنطن وسوريا عبر حملات اعلامية منظمة ومدروسة تعيد هيكلة الرأي العام العربي والعالمي من خلال تسليط الضوء على خطر الارهاب المتسارع النمو .