قال موشي يعالون وزير دفاع الكيان الصهيوني أمام مؤتمر هرتسيليا الرابع عشر: «إنّ فرصة ثبات المصالحة الفلسطينية معدومة، ونجاحها صفر». نحن لا نصغي بالطبع إلى كلام قادة الكيان الغاصب ووسائل إعلامه، ولا يجوز أن نأخذ بكلامهم فهم أعداء شعبنا وقضيتنا، ومغتصبو أرضنا ومقدساتنا. لكن من يتابع مسار تطبيق اتفاق تنفيذ المصالحة منذ 23 نيسان المنصرم وما أحاط به من تزايد في وتيرة التراشق الإعلامي والاتهام السياسي بين حماس وفتح، وتحديداً منذ تشكيل حكومة التوافق الوطني في الثاني من حزيران الجاري، يتأكد أنّ مسار هذه المصالحة لا تجري رياحه بما تشتهيه سفن الشعب الفلسطيني وفصائله ونخبه. رغم سيل ملاحظاتها وانتقاداتها على الاتفاق، بسبب إدارة كلّ من حماس وفتح الظهر للفصائل الموقعة والمنخرطة في هذه المصالحة منذ التوقيع عليها في أيار 2011.
لذلك فإنّ كلام وزير دفاع الكيان الغاصب، الإرهابيّ يعالون، حول المصالحة وانعدام نجاحها، مبنيّ على متابعات سياسية وإعلامية وأمنية.، وكأنه عمل على تبديد مخاوف المجتمعين في مؤتمر هرتسيليا. ولا نعرف إنْ كان الوزير الفلسطيني السابق أشرف العجرمي بين الذين كانوا في حاجة إلى سماع ما يطمئنه إلى أنّ فرص نجاح المصالحة صفر.
المؤسف أنّ الطرفين الموقّعين على الاتفاق يؤكدان عن حُسن نية، أو عن سوء نية كلام يعالون، ويجعلانه طرباً فرحاً لرؤية انهيار الفرصة الأخيرة لإنقاذ الساحة الفلسطينية، مما تحمله من أثقال وهموم وما تواجهه من تحديات لم تعد خافية على أحد، فهي تتهاوى وتتبدد وتذهب أدراج الرياح.
ولعلّ المقابلة التي أجراها الصحافي المصري مصطفى بكري مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وما صرح به عباس لقناة «صدى البلد» المصرية يظهرأن ما ستشهده المصالحة من تراجع، بل سقوط، في الأيام المقبلة وحتى إنجاز الانتخابات مطلع 2015، إلاّ إذا سارع طرفا الانقسام والمصالحة إلى معالجة الأمور على خلفية المصالح الوطنية العليا لا من زاوية الربح والخسارة لكل منهما. إذ تحدث أبو مازن ومن دون مقدمات أو رتوش عن المصالحة، ورؤيته لها قائلاً: بدأت حماس تفهم أنه ليس أمامها إلاّ أن يكون هناك مصالحة، فهذه التجربة التي خاضتها في غزة لا يمكن أن تعيش بهذا الشكل « وتابع قائلاً: «المصالحة تمت على أرضيتنا، وبشروطنا، واتفقنا على حكومة تكنوقراط من المستقلين. حكومة توافق وطني»، وأضاف: «اتفقنا أن تلتزم حكومة التوافق بسياستي التي أرسمها، تعترف بـ»إسرائيل» وتنبذ العنف وتقبل بالشرعية الدولية، وتقبل بالمقاومة الشعبية السلمية، وتقبل بالمفاوضات، وبما بيننا وبين «الإسرائيليين» من تنسيق أمني وغيره». وعن المقاومة في قطاع غزة قال: «ليس هناك وجود للمقاومة في القطاع، بل هناك تنسيق أمني حديدي مع «إسرائيل» بموجب اتفاق التهدئة عام 2012 «. وطالب عباس حركة حماس «بتحمّل رواتب الموظفين في حكومة غزة السابقة، بعدما صُرفت رواتب موظفي الضفة من دون موظفي غزة الشهر الماضي، مضيفاً: «من كان يدفع لك يُكمل حتى نتفق هل تريد من الآن أن تحملني الرواتب. أنت جئت للمصالحة لتحملني الرواتب. وهذا غير مقبول وإشارة سيئة أضع عليها إشارة استفهام».
ما جاء في كلام أبو مازن للقناة المصرية أثار عاصفة من الانتقادات والاتهامات من قبل العديد من قيادات حماس، فرد الدكتور صلاح البردويل موضحاً أن حركته «تأسف للتصريحات غير الوحدوية التي صدرت على لسان عباس من مصر»، وأضاف «أن ادعاء أبو مازن بأنّ حماس هي التي تتكفل برواتب موظفي غزة يشكل تجاهلاً للحقيقة وللاتفاق الموقع مع فتح «. بدوره انتقد الدكتور محمود الزهار منهج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في التعامل مع اتفاق المصالحة، ووصفه بأنه «إقصائي وغير مقبول»، واتهم الزهار أبو مازن في سياق تصريحاته لصحيفة «السبيل» الأردنية بأن هذا الأخير «لا يؤمن بشراكة إلاّ من كان يسير على نهجه من الفلسطينيين». وتابع الزهار: «عباس لا يؤمن بالرأي الآخر، ويريد أن يستحوذ على كل شيء»، مذكراً بخلافه مع السيد محمد دحلان. وكان سبق رئيس السلطة إلى توجيه الانتقادات والاتهامات لحماس على خلفية إقدامها على إغلاق المصارف والاعتداء على الموظفين ومنعهم من تسلّم رواتبهم، إذ صرح الناطق الإعلامي في حركة فتح أسامه القواسمي في رده على الاعتداء على الموظفين في قطاع غزة، بالآتي: «هذا الاعتداء غير المسؤول يؤكد أن المصالحة لدى حماس تعني لها توفير الرواتب لموظفيها وعناصرها، ما يعني أن المصالحة بالنسبة إليهم هي مجرد راتب مع الحفاظ على الأجهزة الأمنية تحت سيطرتهم، في حين أن المطلوب أن تتعامل مع المصالحة ضمن رؤية إستراتيجية ووطنية».
ثمة ما ورد في تصريحات رئيس السلطة يحتاج إلى مراجعة وردّ، فمن غير الجائز أن تصبح المعادلة السياسية الفلسطينية قائمة على أساسٍ من المقاربة المتناقضة جذرياً بالمعنى والمفهوم الوطنيين. أي أن التنكر للمقاومة ووجودها، وبالتالي التنكر لجميع التضحيات التي قدمها شعبنا في سبيلها، ليتقدم عليه التمسك بالتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال. لكن يصح القول أيضاً، كيف يتم إنجاز اتفاق من دون الاتفاق أولاً وثانياً… وعاشراً على البرنامج والمشروع السياسي الوطني، الضامن الوحيد لنجاح المصالحة وديمومتها. وإلاّ فإن الندم لا ينفع أهله لاحقاً.