طرحت المواقف التي اطلقها وزير الخارجية الاميركي جون كيري خلال زيارته الاخيرة الى بيروت، حول دور حزب الله وايران وروسيا في الحل السياسي في سوريا ،الكثير من علامات الاستفهام حول ابعاد هذه التصريحات وهل هي بداية تغيير في الموقف الاميركي من الحزب ام لا؟ وكيف سيتعاطى الحزب مع هذه المواقف ؟وهل هي مدخل لمفاوضات مباشرة او غير مباشرة بين الحزب والادارة الاميركية؟ وما هو تأثير ذلك على دور الحزب في لبنان والتطورات السياسية الحالية عامة والانتخابات الرئاسية بشكل خاص؟
لقد سارع السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل الى احتواء الاعتراضات اللبنانية على هذه التصريحات وخصوصا لدى قوى 14 اذار ، فقام بزيارة الى مقر الامانة العامة لهذه القوى وعقد لقاءا موسعا مع المسؤولين فيها ومن ثم اصدر بيانا اكد فيه على الموقف الثابت للادارة الاميركية من الحزب والذي يعتبره "منظمة ارهابية" داعيا الحزب لاخراج مقاتليه من سوريا وداعما القرارات الدولية حول لبنان واعلان بعبدا.
اما حزب الله فلم يعلق بشكل واضح على الموقف الاميركي وان كان امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وعدد من مسؤولي الحزب اعتبروا هذه التصريحات دليل على فشل المشروع الاميركي في المنطقة ودعوا لاعتماد الحل السياسي بوقف دعم المعارضة المسلحة في سوريا.
فما هي ابعاد موقف وزير الخارجية الاميركية حول دور حزب الله في الحل السياسي في سوريا؟ وهل لها علاقة بالمفاوضات الاميركية-الدولية مع ايران حول الملف النووي؟ وهل تكفي توضيحات السفير الاميركي في بيروت لازالة الالتباسات حول هذه التصريحات؟ وهل سقبل الحزب الذهاب نحو مفاوضات مباشرة مع الادارة الاميركية سواءا حول الملف السوري او غيرها من الملفات؟
ابعاد التصريحات الاميركية
مصادر سياسية ودبلوماسية في بيروت تعتبر ان التصريحات التي اطلقها وزير الخارجية الاميركي جون كيري من بيروت حول الدور السياسي لحزب الله وايران وروسيا في الحل السياسي في سوريا لم تأت من فراغ ولم تكن خطأ لغويا او موقفا عفويا ، بل هي تعبر عن موازين القوى القائم اليوم على مستوى سوريا والمنطقة واعتراف اميركي غير مباشر بان هذه الاطراف الثلاثة هي القوى الفاعلة في سوريا الى جانب النظام السوري وانها قادرة على المساهمة في الحل عندما يحين اوانه.
وتضيف المصادر :ان هذه التصريحات تزامنت مع بدء مفاوضات مباشرة بين اميركا وايران وبشكل علني وهذا يحدث للمرة الاولى منذ سنوات طويلة، فقد كان الاميركيون يعقدون سابقا لقاءات ومفاوضات مع الايرانيين اما بشكل غير علني او بحضور اطراف اخرى، مما يعني اننا دخلنا في مرحلة جديدة على الصعيد الدولي والاقليمي.
وتتابع المصادر: انه في الاشهر الاخيرة وفي ظل التطورات التي حصلت في لبنان وسوريا والعراق يبدو ان هناك تقاطع مصالح غير مباشر بين الاميركيين من جهة والايرانيين وحزب الله من جهة اخرى في ظل تعاظم دور المجموعات الاسلامية المتشددة والصراع القائم معها، ورغم ان الحزب وايران يتهمان الادارة الاميركية والسعودية ودول اخرى حليفة لاميركا بدعم هذه المجموعات، فقد برزت رغبة اميركية بمنع انتقال هذه المجموعات خارج سوريا وحصر القتال بينها وبين الحزب في سوريا، كما عمد الاميركيون وجهات غربية اخرى الى دعم الجيش اللبناني والاجهزة الامنية اللبنانية لمواجهة الشبكات المسؤولة عن التفجيرات في لبنان.
اما على الصعيد السياسي الداخلي فقد تم تسريب معطيات سياسية عن قبول اميركي بوصول العماد ميشال عون الى الرئاسة الاولى كونه القادر على ايجاد حلول عملية للاوضاع اللبنانية ، ورغم نفي المسؤولين الاميركيين هذه الاجواء فانه حتى الان لم يبرز بشكل واضح وصريح ممانعة اميركية لهذا الخيار اذا تم التوافق عليه داخليا.
اذن الموقف الاميركي له ابعاد لبنانية واقليمية ويشير الى وجود توجه جديد في الاوساط الاميركية رغم حرص السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل على تثبيت الموقف الاميركي التقليدي باعتبار حزب الله " منظمة ارهابية" ودعوته للحزب للخروج من سوريا.
موقف حزب الله
لكن ماهو موقف حزب الله من المواقف الاميركية الجديدة؟ وهل يمكن للحزب ان يدخل في مفاوضات مباشرة مع الاميركيين؟
لقد تعاطى المسؤولون في حزب الله مع تصريحات وزير الخارجية الاميركي بهدوء وبدون انفعال ، فهم لم يرحبوا به بشكل واضح وبالمقابل اعتبروه مؤشرا للاعتراف الاميركي بالتطورات الحاصلة في سوريا ودعوا الاميركيين للقيام بخطوات عملية لوقف دعم المجموعات المسلحة في سوريا اذا كانت تريد حلا سياسيا.
كما ان بعض الاوساط القريبة من الحزب اعتبرت هذا التصريح ضربة قاسية لقوى 14 اذار وتغييرا اميركيا في الاداء السياسي على صعيد الوضع اللبناني خصوصا ان الوزير الاميركي لم يلتق قيادات قوى 14 اذار وتم التعويض عن ذلك بلقاء توضيحي للسفير الاميركي مع وفد من الامانة العامة.
لكن هل يمكن ان تحصل علاقة مباشرة بين حزب الله والادارة الاميركية؟ المسؤولون في حزب الله يؤكدون انه ليس هناك اي علاقة مع الادارة الاميركية وهم يرفضون اي حوار مباشر او غير مباشر مع المسؤولين الاميركيين ولا يلتقون اية شخصية اميركية لها علاقة بالادارة او الجهات الاميركية الرسمية، كما ان الحزب لا يزال يعتبر ان الاميركيين يدعمون الكثير من المجموعات الاسلامية التي تقاتل في سوريا سواء بشكل مباشر او غير مباشر، يرفض المسؤولون ربط موقفه من الاميركيين بالمفاوضات النووية او مفاوضات ايران مع اميركا، ويؤكدون ان لديهم موقف مبدئي معارض للسياسة الاميركية.
لكن هل يتبقى الامور هكذا ام سنكون امام متغيرات ستدفع الجميع للبحث عن خيارات اخرى؟ يبدو ان ما يجري في لبنان والمنطقة وعلى الصعيد الدولي سيحمل الكثير من المفاجاءات في الشهرين المقبلين وعلينا ان نرى كيف ستتفاعل هذه الاحداث وما هي تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.