بما أنّ الإستحقاق الرئاسي وُضِع في الثلاجة الى حين نضوج التسوية، وبما أنّ موعد دعوة الهيئات الناخبة بات على الأبواب، وبما أنّ رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع قام بواجبه المطلوب لقطع الطريق على وصول رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون إلى القصر الجمهوري، إنها فرصة العونيين الذهبية لإجراء جردة حساب إنتخابية مع "القوات"، الخصم اللدود منذ الثمانينيات. الجردة لن يفتحها نائب في التكتل بل الجنرال نفسه، ويستكملها النواب والوزراء، بعد إعادة طرح رئيسهم الإقتراح الأرثوذكسي، السلاح الفتّاك لضرب كل مسيحيي "14 آذار"، وفيها بحسب المعلومات كل المحطات الإنتخابية التي ألحق فيها جعجع الضرر بمصلحة المسيحيين التمثيلية في الندوة البرلمانية.
في الجردة البرتقالية، عودة الى العام 2005، أي الى ما قبل عودة عون من المنفى، وفيها تذكير الرأي العام المسيحي كيف دارت مفاوضات بين الأفرقاء السياسيين حول الإنتخابات النيابية وكان رأي الجنرال يومها يقول بإرجاء الإنتخابات لفترة قصيرة لأن الوقت الفاصل بين عودته الى لبنان وموعد الإستحقاق لا يسمح بإصلاح قانون الإنتخابات النافذ في حينه الذي عُرف بقانون غازي كنعان-رفيق الحريري، أو "قانون الألفين"، وكيف لم تفهم "القوات اللبنانية" آنذاك ما يعنيه إصلاح القانون مسيحياً لتصطف الى جانب تيار "المستقبل" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" في حلف رباعي مع "حزب الله" وحركة "أمل"، حلف سرعان ما ندمت الثنائية الشيعية على دخوله نظراً لخطورته في عزل المكون المسيحي الأكثر تمثيلاً. فكانت الإنتخابات وكان معها التسونامي البرتقالي في الشارع المسيحي.
وفي الجردة أيضاً تعريج على مناقشات الدوحة الإنتخابية عام 2008، وكيف تكرر المشهد عينه: عون يخوض أشرس المعارك مع التيار الأزرق والنائب وليد جنبلاط صاحب مقولة "الموارنة جنس عاطل" كل ذلك لتجميل قانون الستين على قاعدة استعادة المقاعد المسيحية المرمية في دوائر انتخابية تقرر الطوائف الأخرى مصير نتائجها سلفاً نظراً الى أرجحيات معينة، مقابل "القوات اللبنانية"، صاحبة شعار الدفاع عن المسيحيين، مع مسيحيي "14 آذار"، الى جانب الفريق الذي يضع يده على حقوق المسيحيين التمثيلية. فكانت الإنتخابات النيابية في العام 2009 وكان الفوز مرة ثانية في الشارع المسيحي لمصلحة "التيار الوطني الحر" وحلفائه.
المحطة الأبرز في جردة الحساب، لم يمر عليها الكثير من الوقت، وهي التفاف "القوات" على إقتراح اللقاء الأرثوذكسي والتنصل من تعهداتها أمام سيد بكركي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي. يومها وبحسب جردة الحساب العونية، "فهم حزب الله، حزب "ولاية الفقيه" كما يسميه الخصوم، اللعبة جيداً وأصبح المدافع الأول عن حقوق المسيحيين النيابية، ولم تقرأ القوات ما يحصل، لقد فهمها أيضاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري ودعا لجلسة لإقرار الأرثوذوكسي بقد قوله مراراً "أقبل بما يتفق عليه المسيحيون"، ولم تفهم القوات قواعد اللعبة".
جردة الحساب لن تتأخر، وستنطلق مع بداية الأسبوع المقبل، فكيف ستدافع "القوات" عن نفسها؟ وما مصير الحوار بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل" بعد عودة شبح الأرثوذكسي؟