صحّت المعلومات حول تخطيط النظام السوري لشنّ حرب وقائية باتجاه الحدود مع تركيا والعراق لتدارك تداعيات التقدم الميداني الذي حققته دولة الاسلام في العراق والشام "داعش" واقترابها من الحدود السورية، فاشتعلت معارك الشمال السوري بعد أن عمد الجيش السوري إلى التقدّم باتجاه مرتفعات الكسب لفرض سيطرة كاملة على التلال الاستراتيجية المشرفة على تركيا محققًا بذلك هدفين، الأول إبعاد خطر "داعش" عن محافظة اللاذقية السورية وهي عرين النظام وخزانه البشري والسياسي والأمني، والثاني الإشراف المباشر على الأراضي التركية وتحديدًا المعابر المفتوحة أمام التنظيم ومراقبتها عن كثب والتدخل الجوي في حال قضت الظروف بتوسيع نطاق الجبهة بعد أن باتت التحولات مفتوحة على الاحتمالات كافة، لا سيما أنّ النظام السوري غير مستعد لخسارة المكتسبات العسكرية التي حققها في الأشهر القليلة الماضية.
غير أنّ القلق من نجاح القوات السورية في القضاء النهائي على مفاصل الارهاب المتمثل بـ"داعش" ما زال يراود زوار العاصمة السورية خصوصًا أنّ المعلومات الواردة من العراق ما زالت متناقضة للغاية، ففي وقت تخفف فيه حكومة نوري المالكي من أهمية التقدم الداعشي رغم خطورته، تشير معلومات صحافية إلى اقتراب التنظيم المذكور من الخطوط الحمراء الايرانية السورية في مشهد يرخي بظلاله الثقيلة على الواقع، فإيران تخشى من طعن هلالها الممتد من العراق الى جنوب لبنان من خاصرته العراقية الرخوة بما يشكل خسارة استراتيجية للمشروع الايراني الطويل الأمد ويؤدّي إلى الحد من فاعلية أذرعها المتشعبة، فيما تخشى الثانية من وصل الأنبار العراقية بالرقة السورية ما يفرض على النظام اقتطاع رقعة جغرافية لمصلحة التكفيريين بما سيعيد المبادرة إليهم من خلال رفع المعنويات من جهة ووصل خطوط التموين والامداد بشكل متناهٍ ونهائي وجذري بين مكونات المعارضة السورية في ظل غموض في موقف "جبهة النصرة" أولاً وقدرتها على المواجهة ثانيا اضافة الى العامل الكردي المحكوم باكراد العراق وسعيهم الى الاستقلال عن العراق.
وما يبرّر خشية هؤلاء هو تحوّل دولة الاسلام في العراق والشام إلى رقم اقليمي صعب بفترة وجيزة وقياسية قلبت الموازين وقد تقلب المعادلات في العالمين العربي والاسلامي، فالتنظيم الذي تحول خلال ساعات معدودة الى اقوى كيان مدرج على لائحة الارهاب من خلال امتلاكه لاسلحة نوعية أولا ولقدرة تمويل ذاتية تكفية لسنوات وتسمح له بزيادة عدد مقاتليه إلى الضعف كما تجيز له تمويل حاضنته الشعبية وإبعاد الضيق الاقتصادي عنها، وبالتالي تجعله قادرا على مقارعة الجيش السوري المنهك أصلا بعد أكثر من ثلاث سنوات من القتال المتواصل واخيرا تثبيت حدود دولته على حساب الكيان السوري وجغرافية بلاد الشام.
غير أنّ هؤلاء يشككون في قدرة "داعش" على تحقيق مثل هذه الأهداف الاستراتيجية لعدة أسباب أولها قرب الحدود الايرانية من مراكز التوتر العراقي وبالتالي قدرتها على دعم المجموعات العراقية المناهضة له بصورة مباشرة وعملية من خلال إسناد ناري ومعلومات استخباراتية، وثانيها قدرات الجيش السوري العالية وخبرته المكتسبة من الميدان من خلال التنسيق بين مختلف القطاعات القتالية أي سلاحي الجو والمدفعية ومواكبة سلاح المشاة اضافة الى تحقيق الخروقات الامنية بفعل الخبرات الروسية التقنية والعملانية.
ولا يلغي هذا أيضًا بحسب هؤلاء أن تكون الأمور برمتها مدرجة على لائحة الضغوط على المحور الروسي الايراني السوري في ظل مفاوضات أميركية مع موسكو حول الازمة الاوكرانية ومع طهران حول الملف النووي وما يتصل به من سلة متكاملة تبدأ بالدور الايراني وتحول طهران الى شرطي امني للخليج، ومع دمشق على مستقبل وضعها وعلاقاتها مع اسرائيل وسائر الدول الخليجية الدائرة في فلك اميركا والغرب.