سرّعت المحكمة الخاصّة بلبنان إجراءات محاكمة تلفزيون «الجديد» وجريدة «الأخبار»، ممثلين بشخص نائب رئيس مجلس إدارة «الجديد» كرمى خياط والأستاذ ابراهيم الأمين، فقرّرت استئناف المحاكمة في 18 حزيران الجاري.

التساؤل حول تسريع المحكمة هذه الإجراءات، وإبطائها المريب بإنجاز المهمة التي لأجلها أنشئت، هو في محلّه بالتأكيد، فيما «تفريع» المحكمة الخاصّة الى محاكم إحداها محكمة مطبوعات، ليس في محلّه على الإطلاق.

أما مسالة شرعيّة «المحكمة» فهي تتفاوت بحدّها الأقصى، بين مَنْ يطعن بتلك الشرعيّة رافضاً الاعتراف بها، تماماً مثلما فعل ابراهيم الأمين بمنتهى الجرأة في جلسة 29 أيار الفائت – وجاراه في ذلك كثيرون ، ومَنْ يطعن أيضاً بـ«المحكمة الخاصّة» فيعتبرها في الحدّ الادنى «أمراً واقعاً» مفروضاً بسلطة مجلس الأمن، وسطوة الفصل السابع، وليس بين الحدّين أيّ فارق بالأساس، بل بالشكل وحده، لا غير…

دافعت كرمى خياط عن حريّة الإعلام، بشجاعة تامة، وفي مقرّ المحكمة تحديداً، وندّدت بالوصاية التي فرضها مجلس الأمن على لبنان وعلى القضاء اللبناني، بفعل الفصل السابع، فيما ترجم ابراهيم الأمين الذي يملك شجاعة خلقية نادرة موقفه من المحاكمة بمغادرته قاعة المونتفردي وسط «دهشة» قاضي التحقير، لعدم توجيه الأمين تحية الوداع، قبل المغادرة!

بالطبع، يبقى خارج هذا المشهد الجماعة السياسيّة التي راهنت على إنشاء المحكمة وهدّدت اللبانيين بها تحت شعار «المحكمة آتية»، على خلفية أنها آتية لتعمل لديهم، وتخدم أغراضهم، ولتحكم بموجب بدعة الاتهام السياسي…

مَنْ يطالع «قواعد الإجراءات والإثبات» القانون الذي وضعته المحكمة الخاصّة بنفسها، ولمقتضى حاجاتها ولا نقول لمقتضى النتائج التي ترغب في الانتهاء إليها يكتشف أنه حيث تكون ثمّة حاجة لدى المحكمة إلى الدفاع عن صلاحيّات تريدها، لكنها تعرف سلفاً أنها صلاحيات مثيرة للجدال، فهي تتذرّع بشعار «مصلحة العدالة»!

النصوص التي تسلّحت بهذا الشعار قد يتعذّر إحصاؤها، لكثرتها. لكنّ السؤال يطول بشدّة وبقسوة معنى «مصلحة العدالة» مقابل «حرمة الحق بالمطلق»، وبخاصّة حرمة حق الدفاع!

جسّدت هذا الحقّ الاتفاقيّة الأوروبيّة لحقوق الانسان قبل أن تنتظم الاتفاقيّة نصوصاً آمرة في قانون المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان، أكثر القوانين تطوّراً وحداثة!

إنه بالتمام القانون الذي تجاهلته «المحكمة الخاصّة» كاملاً، فلاحظت وزارة الخارجيّة الفرنسيّة هذا العيب الفظيع وفضحته صراحة في معرض تمنّعها عن إنفاذ حكم بجرم التحقير أصدرته محكمة «يوغوسلافيا» في حقّ الكاتبة والصحافيّة الفرنسيّة فلورانس هارتمان، وكان قضى بسجنها مدّة سبعة أيام.

بذريعة مصلحة العدالة، نقضت «المحكمة الخاصة» «الاتفاقيّة القضائيّة المهرّبة» موقعة بين لبنان ومجلس الامن، ونقضت «النظام الأساسي» الذي ينصّ على تطبيق القانون اللبناني لأصول المحاكمات الجزائيّة، فجاء قانونها يمزج بين أصول «أنكلو ساكسونية» وأخرى هجينة غير معروفة وغير مسبوقة في أي قانون على الإطلاق.

أصرّ ابراهيم الأمين في خلال المحكمة على الدفاع عن نفسه من دون محامٍ، بعدما أبلغ رئيس محكمة التحقير، شروطاً، وافق عليها هذا الأخير، لكنه رغم ذلك قرّر أن يعيّن محامياً للدفاع عن الأستاذ الأمين بعد التشاور مع رئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو.

يخضع محامو مكتب الدفاع لموافقة «هيئة القضاة» في المحكمة الخاصة، فيختارون وفقاً لمشيئة هؤلاء، وهذا الواقع وحده يثير تساؤلات حول المعايير التي تعتمدها «هيئة القضاة» لقبول محامٍ واستبعاد آخر!

يمنح القانون اللبناني لأصول المحاكمات الجزائيّة المتهم الحق الذي رفضه رئيس محكمة التحقير! الفقرة الاخيرة من المادة 251 ، أمّا المحاكمة التي جرت في 29 أيار الفائت فكانت بمثابة خشبة مسرح يسودها سوء الفهم وسوء التفاهم!

البطل كان ابراهيم الأمين، وكان الطرف الآخر السيّد ليتييري رئيس المحكمة ورئيس مكتب الدفاع إذ تقاذفا مسألة تعيين المحامي على نحو يليق جداً بعمل مسرحي رديء يخجل به إجراء قضائي رصين.

الفعل الجرمي المنسوب الى كرمى تحسين خياط بشخصها وابراهيم الأمين بالصفة الشخصية أيضاً، وكممثليْن لمؤسستيْن إعلاميتيْن، لا يشكل عرقلة لسير عمل «المحكمة الخاصّة» ولا خرقاً لقاعدة سريّة التحقيق كما هو مزعوم ولا إهانة للمحكمة الخاصّة، ولا تحقيراً لها.

عندما تتراكم أخطاء هذه المحكمة منذ عهد تقارير «المحققين المستقلين»، مروراً بمستوى الأداء في جلسات المحاكمة حتى هذا التاريخ، على الأقل وصولاً الى الادّعاء، انتقاماً وانتقاءً، على كرمى وابراهيم، فإنّ هذه الأخطاء هي ما يعرقل مسار العدالة أي عدالة ؟ ويعرّض المسؤولين فيها للمساءلة، فهم ليسوا فوق الطبيعة البشريّة، على ما كتب في «الأخبار» صديقي وزميلي المحامي أشرف عاصم صفي الدين.

اختارت «المحكمة الخاصة» أن تسلك طريق المداعاة من «لايسندام» الى بيروت… وهذا الطريق غير سالك، ومسدود بقوة الحق وحرمته وحصانته، ولا يسقط هذه الحرمات والحقوق التذرّع بمصلحة العدالة!

أخطأت «المحكمة» بسلوكها وأخطأت في اختيار خصومها، بعد تغاضيها المزمن عن وسائل إعلاميّة وإعلاميين كثر نشروا وثائق ومحاضر وقرارات كانت لتشكّل فعلاً عرقلة لمسار المحاكمة، لكن المحكمة لم تشعر بأنّها حقّرت بذلك، ولم تلاحق، ولم تدّع على أحد.

كرمى خياط وابراهيم الأمين ليسا لقمة سائغة، ولا مجرّد شخصين طبيعيين أو معنويين تسهل مخاصمتهما! إنهما عنوانان مشرقان ومشرّفان لحريّة الإعلام في لبنان، إحدى الخصوصيّات الرائعات لهذا الوطن، والتي لا تواجه بالقمع والترهيب، بل تفتدى بلا حساب ومهما كان الثمن.