كشف مطارنة شاركوا في "العشاء السري" الذي جمعهم ليل الإثنين – الثلثاء في بكركي مع النائب الجنرال ميشال عون أنهم سمعوا منه مضمون مقابلته للمحطة البرتقالية ليل الثلثاء، لا سيما نصف الساعة الأخير منها. كان عشاء بكركي "بروفة" إذاً للمقابلة . أضافوا أن الحوار بين البطريرك الماروني بشارة الراعي والجنرال عون كان عاصفاً عند تناولهما بعض النقاط.
يتبين من الكلام، المنقول على ذمة الرواة عن لقاء بكركي، والذي لا أسهل من نفيه، أن عون أبلغ الراعي صراحة قرار عدم السير في تأييد أي مرشح غيره هو. قال للبطريرك ما مفاده: "حتى لو رشحت غبطتك أحد الأشخاص، اياً يكن، فلن يكون ممكناً إيصاله إلى الرئاسة لأنني سأظل أمنع اكتمال النصاب. هذا موقف نهائي". كان الراعي يحاول إقناعه بآلية لإخراج لبنان من الدوامة، كأن توضع لائحة من ثلاثة أو أربعة أسماء ينتقي منها عون واحداً ويسوّق ترشيحه البطريرك. أو أن يسمّي عون مرشحه ويتولى البطريرك إقناع الدكتور سمير جعجع وسائر أركان وشخصيات قوى 14 آذار والنواب به. رفض عون: "أنا أكبر ممثل للمسيحيين لماذا أجيّر لغيري هذه الوكالة وهذه الثقة؟ جيّرت الوكالة والثقة عام 2008 ( للرئيس السابق ميشال سليمان) ورأينا النتيجة".
قال البطريرك ما مفاده: "إذا افترضنا أننا جاريناك في هذا الموقف فإلى أين يقودنا؟ إلى الفراغ". كان جواب عون أنه لا يخشى الفراغ وأنه يعرف إلى أين يأخذ لبنان والطائفة. ولا يجوز أن تتمثل بقية الطوائف بأقوى زعمائها فيما المسيحيون يتمثلون بالأضعف. وقال : "إذا كنا لا نستطيع إنتخاب رئيس الجمهورية الذي نريد ولا إيصال ممثلينا الحقيقيين إلى مجلس النواب، فلماذا نتمسك بهذا النظام، وعلى ماذا نخاف؟ فلنذهب إلى شيء آخر". الكلام هذا وغيره كرره عون في مقابلته التلفزيونية. أما البطريرك فكان رد فعله التمسك بالدستور وبتسوية الطائف وعدم القفز في المجهول.
هكذا توّج الجنرال عون، بحسب سياسيين تابعوا من بعيد حركة الإتصالات والمفاوضات بينه وبين الرئيس سعد الحريري، نهاية هذه الحركة الإنفتاحية التي حرص الحريري على أن تقطف البلاد انعكاساتها الإيجابية، من خلال تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام وإطفاء البؤر الأمنية الملتهبة في طرابلس والبقاع الشمالي وملء الشواغر في الإدارات وتسيير عجلة الحياة الطبيعية ما أمكن في لبنان على رغم الإنفجارات الضخمة والمخيفة من حوله. يؤكد هؤلاء السياسيين أن المفاوضات والإتصالات منذ نحو شهر بين الرئيس الحريري والنائب عون توقفت بحسب روايتهم لأن الجنرال لم يقدم أجوبة عن الأسئلة التي طرحها عليه رئيس "المستقبل"، وقد باتت معروفة : موقفه من سلاح "حزب الله" والقرارات الدولية في شكل خاص، ورؤيته إلى الإقتصاد وطريقة تنميته. من زاوية عون الأجوبة التي لم تأت تتعلق بالموقف من تأييده كمرشح توافقي للرئاسة. لكن النتيجة نفسها وهي توقف الحوار، ولعلّ أكثر ما كان يمكن القيام به في هذه الحال هو الذي تولاه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في زيارته الأخيرة للرابية، وهو منع تحوّل الحوار صداماً سياسياً يكون أحد تجلياته طرح الجنرال عون من جديد قانون "اللقاء الأرثوذكسي" للإنتخابات النيابية في هذه الأجواء غير الملائمة حالياً لمجادلات علنية من هذا النوع.
إلا أن قيادات قوى 14 آذار وشخصياتها اتفقت خلال لقاء جمعها في "بيت الوسط" ليل أول من أمس على موقف واحد مما ذهب إليه الجنرال عون هو رفض إجراء الإنتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية مهما كلف الأمر. وقد تبلغ هذا الموقف الرئيس نبيه بري على هامش التفاوض حول قانون سلسلة الرتب والرواتب، باعتبار أن مجلساً للنواب جديداً من دون انتخاب رئيس للجمهورية سيكون أقرب ما يكون إلى مجلس تأسيسي، ومجازياً أقرب إلى جسد بلا رأس. هذه المسألة ستكون خط التماس السياسي في الأسابيع والأشهر المقبلة.
ولا تقتصر الحركة على بيروت، ففي باريس ستجري خلال الساعات المقبلة للإتفاق على خريطة طرق بين قوى 14 آذار ورئيس "جبهة النضال الوطني" وليد جنبلاط، على أن يكون الرئيس بري في أجوائها سعياً إلى انتخاب رئيس بضغط داخلي ومواكبة خارجية. وثمة من يراهن على أن "حزب الله" يحتمل أن يوافق على هذا السيناريو ويتولى إقناع حليفه الجنرال عون بالسير فيه على قاعدة أن الحزب حقق مكتسبات في لبنان تهمه المحافظة عليها وعدم ترك البلاد عرضة للمفاجآت، في حين تعصف الأعاصير بسوريا والعراق والمنطقة بأكملها.