وضعت مقاطعة الجلسات التشريعية النيابية لبنان على مفترق خطير. الحجة السياسية للغياب هي الشغور في الرئاسة الاولى، بإعتبار "انه لا يجوز عقد الجلسات أو استكمال عمل المؤسسات بشكل طبيعي في حالة الفراغ". قيل إنّ "الجلسات فقط هي لانتخاب رئيس الجمهورية للمحافظة على الميثاقية وعدم خرقها".
فقهاء الدستور بحثوا عن مواد تُفسّر تلك الحجّة، لم يجدوا ما يمنع عمل المؤسسات. الدستور أعطى الحكومة الصلاحية لملء شغور الرئاسة، والمجلس النيابي يملأ غياب الحكومة. وحده الفراغ يتحقق في لبنان بإنتهاء عمر البرلمان. هو أب المؤسسات ومشرّع قوانينها.
اجتماع الحكومة أو المجلس النيابي لا يشكل خرقاً للميثاقية لأنّ المجلسين يتشكلان على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. والادعاء أنّ شغور الرئاسة يفرض وقف عمل المؤسسات الاخرى هو خرق للدستور الذي يتحدث عن فصل السلطات.
من هنا جرى استكمال الدعوات للتشريع. لكن جرت المقاطعة لأسباب سياسية بعد انتفاء الحسابات المالية حول سلسلة الرتب والرواتب.
فماذا جرى في اليومين الماضيين؟
حصلت اجتماعات مكثفة نهار الأربعاء في مكتب رئيس المجلس النيابي نبيه بري جمعت رؤساء او ممثلي كتل نيابية ووزراء معنيين بالسلسلة. نقاش مستفيض جرى حول الإيرادات والنفقات. قدم وزير المال علي حسن خليل ملفه كاملاً بالأرقام. بدا تقرير خليل متوازناً "يحفظ مالية الدولة وحقوق المواطنين" من دون زيادة الضريبة على القيمة المضافة. طرح رئيس كتلة "المستقبل" فؤاد السنيورة زيادة واحد في المئة على ضريبة القيمة المضافة. كان الإستفسار سريعاً: لماذا؟ الإيرادات تأمّنت، كما تضمّن تقرير وزير المالية. لكنّ السنيورة أجاب: لا بد من الزيادة.
تدخل رئيس مجلس النواب مرّاتٍ عديدة محاولاً التوفيق بين الطروحات للوصول لقرار مشترك إلى حدّ فاجأ به بري الحاضرين.
خلال الاجتماع بدا عدم الانسجام في المواقف بين نواب "المستقبل"، وظهر تناقضٌ بين رئيس الكتلة النائب فؤاد السنيورة وبين النائب بهية الحريري التي كادت أن تغادر الإجتماع مرتين. الحريري انحازت الى جانب وزيري المال والتربية وأيدت طرح الست درجات للمعلمين. السنيورة أصر على طرحه بزيادة الضرائب.
قال بري للمجتمعين في مكتبه إنّ الهيئات النقابية لديها ثلاث لاءات: ضد تخفيض السلسلة، وضد تقسيطها، وضد فرض زيادة 1% في الضريبة على القيمة المضافة.
وأضاف بري: "أنا أخذتُ على عاتقي ان يتم التخفيض والتقسيط، لكنّي ضد زيادة 1% في الضريبة على القيمة المضافة لأنه لا يجوز اعطاء الناس مِن يَد و"تشليحهم" مِن يد أخرى".
كانت إحدى حجج السنيورة ان يُصار الى التصويت على السلسلة بمادة وحيدة، فأصرّ على تضمينها زيادة الـ1% على TVA، لكنّ بري رفض وقال انه يطرح الـ1% على التصويت وليكن القرار في يد الهيئة العامة للمجلس، رغم انّ هذا الخيار المبني على هذه الزيادة سيحصل على موافقة الاكثرية، لأنّ كتلة "اللقاء الديمقراطي" تؤيد موقف "المستقبل" في هذا الطرح.
بري قال لزوار عين التينة إنّ الاتفاق في اجتماع ساحة النجمة حصل حول أدق التفاصيل على الورقة والقلم. لكن تبين ان الامر بالنهاية سياسي ولا يرتبط بالأرقام المالية حول السلسلة.
كتلة "المستقبل" لم تدخل الى الجلسة التشريعية الخميس بسبب ارتباطها في الموقف من الشغور في سدّة الرئاسة مع حزبي "الكتائب" و"القوات"اللبنانية. ساعات الخميس لم تُسجل أي تواصل بين الفريقين. وحده بري كان يجري لقاءات مع الهيئات النقابية.
رغم عدم الحضور الى الجلسة والتمترس خلف عناوين مالية لأسباب سياسية، الا ان بري أبقى الجلسات مفتوحة.
بالنسبة الى رئيس المجلس، يجب ان لا تُسجّل سابقة في تعطيل الانعقاد، مشيراً الى انّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي حضر الى المجلس وأبلغه انه يؤيد انعقاد جلسات تشريعية في هذه الظروف وحتى في ظل حكومة مستقيلة، وذلك خلافاً لِما كان عليه موقفه سابقا وايضا عندما كانت حكومته.
وبدا أنّ بري لديه أسباب جوهرية نتيجة تركه الجلسات مفتوحةـ أوّلها ابقاء التشاور مستمراً لإقرار السلسلة، وثانيها الحفاظ على الحكومة لأنّ عمل ونشاط المجلس يعتبر حجر الزاوية في دستورية الحكومة وهو محاسبتها ومراقبتها ومثولها امام المجلس، فعدم وجود مجلس يعني ان الحكومة تصبح اقرب الى المستقيلة والى حكومة تصريف اعمال ما يؤدي الى شلّ كل المؤسسات الدستورية. عندها يصل البلد الى الفراغ. هل تعطيل الجلسات النيابية سيشل الحكومة؟
الإتفاق جرى حول عقد جلسة لمجلس الوزراء بعد عودة رئيس الحكومة تمام سلام من الكويت بناء على مسألتين:
ـ الاولى أن يُعدّ سلام جدول الاعمال ويطلع الوزراء قبل 72 ساعة من موعد انعقاد الجلسة، بحيث يشطب من الجدول اي بند يلقى معارضة او تحفظاً.
ـ الثانية، توقيع القرارات يتمّ بالتفاهم.