كان لافتاً خلال الأيّام القليلة الماضية إعلان رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح"، العماد ميشال عون، أنّه، بما يُمثّل، "الأقوى والأحقّ" لمنصب رئاسة الجمهورية، وأنّه لن يُجيّر بعد اليوم الثقة التي منحه إيّاها الشعب اللبناني، وكذلك إعلان رئيس "تيّار المردة"، سليمان فرنجيّة، أنّ لا رئيس في لبنان إذا لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد راضياً عنه، وقوله: "لننتظر قليلاً ونأتي برئيس قوي". فعلى أيّ تغيّرات يُراهن فريق تحالف "8 آذار" مع "التيار الوطني الحرّ" للوصول إلى الرئاسة؟
حُكِيَ الكثير منذ أشهر عن أن لا إنتخابات في لبنان قبل تبلور الكثير من الملفّات الحسّاسة والمؤثّرة في كل من مصر والعراق وسوريا وإيران، نظراً إلى إرتداداتها على مجمل التوازنات السياسية في لبنان والمنطقة. لكن أغلبيّة هذه الإستحقاقات تمّت ولم يتغيّر شيء. وفي هذا السياق، جرت الإنتخابات المصريّة وتمّ تنصيب عبد الفتّاح السيسي رئيساً، لكن مصر اليوم المُنهكة بمشاكلها السياسية والإقتصادية الداخلية والتي تُحاول الحفاظ على توازنات علاقاتها مع روسيا كما مع الولايات المتحدة الأميركية، ومع دول الخليج كما مع إيران، هي غير مصر في فترة حكم الرئيس حسني مبارك الذي لعب دوراً مُساهماً في إيصال الرئيس السابق ميشال سليمان إلى سدّة الحكم. وجرت الإنتخابات العراقية، وفاز إئتلاف رئيس الوزراء العراقي نور المالكي، لكن التطوّرات العسكرية الأخيرة في العراق جعلت هذا الأخير في موقع الضعيف الذي يسعى جاهداً للحفاظ على سلطته من دون أيّ تأثير على ملفّات دول الجوار. وتمّ تنظيم انتخابات رئاسية في سوريا، بغضّ النظر عن الإعتراضات والإنتقادات التي طالتها، وفاز الرئيس السوري بشار الأسد بولاية ثالثة، لكن دمشق اليوم هي غير دمشق في فترة الإحتلال والوصاية التامة على لبنان، حيث لها عبر الحلفاء قدرة على وضع "فيتو" وعلى تفضيل رئيس على آخر، لكنّها غير قادرة على إعتماد سياسة الترغيب والتهديد على النواب، كما في السابق، لإنتخاب إلياس الهراوي رئيساً ثم التمديد له لنصف ولاية، ولإنتخاب إميل لحود رئيساً ثم التمديد له لنصف ولاية أيضاً. وبالتالي، إنّ إعلان الرئيس الأسد أخيراً ترحيبه بإنتخاب العماد عون رئيساً "لما فيه مصلحة لبنان أوّلاً ومصالح علاقات الأخوّة"، لا يَتجاوز مسألة تسجيل الموقف، من دون قدرة على ترجمة هذا التفضيل على أرض الواقع.
وبالتالي، ومع إنقضاء المحطّات المهمّة في كلّ من مصر والعراق وسوريا، لم يبقَ من رهان سوى على إيران، وتحديداً على المفاوضات الغربيّة-الإيرانيّة والتي صارت حالياً في مرحلةٍ متقدّمةٍ جداً. ورهان فريق تحالف "8 آذار" و"التيار الوطني الحرّ" أنّ مفاوضات المرحلة الأخيرة على الملفّ النووي الإيراني، ستتجاوز مسألة سلاح الدمار الشامل، وستشمل العديد من الملفّات الساخنة، والأهمّ أنها ستُسفر عن ضغط من جانب الإدارة الأميركيّة على القيادات في المملكة العربيّة السعودية، لدفعها لتسوية الكثير من المشاكل العالقة، وذلك في إطار عمليّة تسوية شاملة وموسّعة تطال العديد من المواضيع العالقة. وعندها تكون الظروف مُؤاتية لتمرير مسألة ملفّ الرئاسة في لبنان، بشكل يُمهّد الطريق لوصول "الجنرال" إلى منصب الرئاسة. وفي الإنتظار، سيُعيد "التيّار" تحريك ملفّ الإنتخابات النيابيّة، وموضوع قانون "اللقاء الأرثوذكسي"، بهدف السعي لإحراج خصومه السياسيّين على الساحة الداخلية أمام الناخبين كمرحلةٍ أولى، على أمل تعزيز حصّته النيابية على حسابهم في مرحلة ثانية، في حال نجح في تنظيم هذه الإنتخابات أوّلاً، وفي حال نجح فيها ثانياً.
هذه هي خطّة العمل، مع ما تتضمّنه من رهانات هي في النهاية حقّ لأيّ فريق سياسي، بغضّ النظر عن مدى ترحيب أو عدم ترحيب الأغلبيّة الشعبيّة بها. لكن النتائج غير مضمونة إطلاقاً، حيث أنّ التغييرات السريعة الحاصلة في المنطقة، تجعل من الرهانات البعيدة المدى نوعاً من الآمال المنشودة أكثر منه تحوّلات حتميّة مُنتظرة. أكثر من ذلك، يَعتبر الكثير من المراقبين أنّ فشل التقارب الغربي – الإيراني سيُؤدّي إلى تسعير عمليّة شدّ الحبال في الشرق الأوسط ككل، ونجاح هذا التقارب لن يدفع المملكة العربيّة السعوديّة إلا لمزيد من التشدّد والمُعارضة إزاء ملفّات المنطقة وليس العكس. وفي الحالين، النتائج لن تصبّ في صالح "الجنرال"، لكن مع بقاء قدرته على عرقلة الإنتخابات الرئاسية لفترة طويلة.