أصابت شرارة تفجير ضهر البيدر أمس كل لبنان، واستنفرت قواه الأمنية والسياسية في هذا اليوم الذي كان سيجري فيه نهر من الدم لولا تدارك الأجهزة الأمنية والاحتياطات التي اتخذتها في المناطق، وخصوصاً في بيروت حيث شلّت الحركة.
ونجحت الأيدي الإرهابية في تنفيذ هذه "اللوحة الدموية" على طريق البقاع. لقد شكّل يوم أمس تحدياً كبيراً للخطة الأمنية والغطاء السياسي الذي يظلل حكومة الرئيس تمام سلام وعدم قدرة الأفرقاء حتى الآن على انتخاب رئيس للجمهورية.
ووسعت كل هذه التطورات مساحة الأسئلة الداخلية والخارجية وما إذا كان لبنان سيكون جزءاً من "الرسالة العراقية" أم أنه سيبقى محيّداً عن هذا البركان الذي يضرب في بلدان المنطقة.
كيف استفاق اللبنانيون أمس على الأخبار والمعلومات الأمنية؟ وماذا دار بين عين التينة ووزارة الداخلية وغرفها الأمنية؟
في السادسة والدقيقة العاشرة صباح أمس، تلقى المسؤول عن مكتب شؤون البلديات والمخاتير في حركة "أمل" بسام طليس اتصالاً من وزير الداخلية نهاد المشنوق، يطلب منه تأجيل المؤتمر الاختياري الذي كانت ستقيمه الحركة في قصر الأونيسكو بعد نحو 4 ساعات من الاتصال.
واتفق الاثنان على عدم متابعة التواصل هاتفياً. وتوجه طليس للقائه والاطلاع على آخر المعلومات الأمنية. وكان قد أبلغ قيادة حركة "أمل" التي قامت بدورها بالاعلان عن تأجيل المؤتمر والطلب من نحو 600 مختار عدم التوجه الى بيروت، فضلاً عن شخصيات سياسية من 8 و14 آذار.
وكان من المــــؤكد في حدود نسبة الـ99 في المئة أن راعي المؤتمر رئيس مجلس النواب نبيه بري سيلقي كلمة، ولا سيما أن المئات من عناصر شرطة المجلس وقوى الأمن الداخلي يرابطون في قصر الأونيسكو ومحيطه منذ ثلاثة أيام، الأمر الذي أوحى لعناصر إرهابية بإمكان حضور بري.
وكان المشنوق يعقد اجتماعاً فجر اليوم (أمس) مع الضباط الكبار، فيما توجهت مجموعات من رجال الأمن لتفرض طوقاً أمنياً في الحمراء، وتحاصر عدداً من الفنادق وخصوصاً "نابليون" الذي تنزل فيه شخصيات من أعضاء المؤتمر القومي العربي وسواها.
وتفيد المعلومات أنه جرى الاشتباه في وجود سوريين وخليجيين لا علاقة لهم بالمؤتمر، عمل الأمنيون على توقيفهم فوراً ومباشرة التحقيق معهم وثمة نزلاء كانوا قد أتموا معاملاتهم وباشروا الاستعداد للمغادرة، الأمر الذي أثار شبهات عند القوى الأمنية.
وبعيد السابعة، جرى اتصال بين بري والمشنوق، وقدّم الثاني شرحاً سريعاً عن كل ما يحصل. وأيّد الاثنان فكرة تأجيل المؤتمر تخوفاً من أي خرق أمني يستهدف قصر الأونيسكو.
وكشف وزير الداخلية لرئيس المجلس عن مصدر المعلومات الأمنية الأخيرة التي تلقتها الوزارة، وتفيد أن ثمة مجموعات إرهابية تحضّر لأعمال تخريبية وتفجيرية تستهدف مقار سياسية وأمنية.
ولم يكشف بري عن هذا المصدر، ولكن يرجّح أنه الولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا الوقت، كانت الحمراء وفنادقها مسرحاً لأعمال تفتيش وبحث عن مشبوهين وجرى إقفال عدد من الشوارع والطرق في أكثر من محلة، لأن ثمة معلومات وصلت الى بري وقوى سياسية أخرى تفيد عن تمكن شاحنتين مفخختين و3 سيارات، فضلاً عن مجموعة من الشبان الذين زنّروا أنفسهم بأحزمة ناسفة، وقد تمكنوا من الوصول الى بيروت وضواحيها.
كان بري مساء امس يتلقى عشرات الاتصالات التي هنأته بالسلامة، ومنها اتصال من السيدة نازك الحريري، وردّ على الجميع بأن "لبنان هو المستهدف قبل شخصي".
وأبدى ارتياحه الى خطوة المشنوق وطلبه تأجيل مؤتمر المخاتير لأن ثمة خطة لم يكشف عن كل تفاصيلها كانت تقضي بتوجّه شبان يحملون أحزمة ناسفة بين الجموع الى المؤتمر ويقدمون في التوقيت الذي يناسبهم على تفجير أنفسهم، الأمر الذي يحدث بلبلة في قصر الأونيسكو ويسمح لسيارة أو شاحنة مفخخة بالاقتراب منه ومتابعة هذا المسلسل التدميري.
ويوضح بري لـ"النهار" أن الخشية كانت من إمكان إقدام هؤلاء على التسلل الى المؤتمر وتفجير أنفسهم بين المخاتير والشخصيات المشاركة و"لبنان لا يستطيع تحمل هذه الكارثة لو وقعت لا سمح الله".
ووفق قراءته أن السيارة التي انفجرت في ضهر البيدر كان سائقها متوجهاً الى بيروت، ومن دون أن يحـدد بري الهدف الذي كان يعمل على تحقيقه.
هذا في الأمن، أما في السياسة فإن بري يرى أن الموسم السياحي الذي استبشر فيه اللبنانيون خيراً في بيروت والمناطق من خلال أرقام الحجوزات في الفنادق "هو أول ضحايا موجة الإرهاب هذه التي عادت الى الظهور والتغلغل في لبنان بعد التطورات الأخيرة في العراق".
وأمام هذا التحدي الذي يهدد البلد، يقول بري عند سؤاله عن المطلوب من مجلسي النواب والوزراء بجبه هذه الأعمال، "ان المواطن العادي يعرف انه مطلوب من الجميع أولاً الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ووقف تعطيل مجلس الوزراء وأعمال التشريع، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب وسواها من مشاريع بدل التفرّج على هذه المأساة والتهديدات التي تطوّق لبنان، وإن حفلات التباكي وإصدار بيانات الاستنكار والبكاء على الأطلال لا تكفي ولا تنفع".
ويضيف أن "دعم الأجهزة الأمنية لا يكفي بالكلام، وكان الله في عون ضباطها وعناصرها، لأن المطلوب توفير مظلة سياسية لهؤلاء ليستطيعوا القيام بواجباتهم في أجواء طبيعية لمواجهة الأخطار المقبلة من "داعش" وغيرها".
وفي اعتقاد بري أن اللبنانيين، ولا سيما المسؤولين والسياسيين والنواب منهم "إذا لم يتعلموا من هذا الدرس فإن بلدنا يتجه نحو المجهول في ظل ما يحصل في الدول المجاورة، وتبقى إسرائيل المستفيدة الأولى من كل ما يجري".