ما أقدم عليه عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، سرق الأضواء الخاصة بالأحداث الخطيرة التي تجتاز المنطقة، ولبنان في مقدمها.
... وفجأه برز تنظيم «داعش» وكأنه «الفيروس» الذي يخشى كثيرون من الإصابة به. والسؤال: كيف يمكن تأمين الحماية من الإصابة بعدوى هذا الداء القاتل؟
إن أول ما طرح من هواجس: هل لدى لبنان واللبنانيين المناعة الكافية لمقاومة هذا «الفيروس» الذي أخذ العراق كما سورية من قبل على حين غرة.
وفيما يسعى لبنان لتأمين الحماية لنفسه، لا بد من التوقف عند بعض التفاصيل المتصلة بما يشهده في هذه الفترة الدقيقة والعصيبة من تاريخه المعاصر.
تتواصل حالة «الشغور» السائدة مع انقضاء الشهر الأول من دون التوصل إلى تفاهم على رئيس جديد للجمهورية، ولدينا تسمية جديدة من وحي المرحلة القائمة وهي:
«فخامة - دولة رئيس مجلس الوزراء تمام سلام».
واستناداً إلى منطوق الدستور اللبناني في مادته الـ62، نجد ما حرفيته: «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء».
والملاحظة الأولى حول هذه المادة الدستورية، أنها لا تتضمن عبارة «مجلس الوزراء مجتمعاً» كما يسوق البعض لهذا النص في إشارة إلى مشاركة سائر أعضاء الحكومة رئيسَها في تقاسم مسؤولية إدارة شؤون الدولة طالما استمرت حالة شغور منصب رئيس الجمهورية.
وكان يمكن أن تكون هذه الصيغة مقبولة لو أن المجموعة الوزارية القائمة يسودها التناغم الوطني والسياسي وتمارس المسؤوليات بصورة مجردة أو منزهة عن الأهواء والطموحات الشخصية لدى بعض أعضائها.
وقد تجمعت لدى «الحياة» مجموعة من الملاحظات على سير أعمال الحكومة نسوقها من قبيل العلم بالشيء، واستدراك ما يمكن استدراكه من تحصين للموقف الوزاري المتضامن فعلاً لا قولاً، وفي مرحلة استباقية لما مقبل لبنان عليه من تطورات. وإننا نعرض للواقع الحكومي بكل دقة وأمانة في النقاط الرئيسية الآتية:
أولاً: الرئيس تمام سلام الموجود على رأس الحكومة هو آخر المسؤولين المعتمدين في الجمهورية اللبنانية. بمعنى أنه لو أن منصب رئيس الحكومة أصبح شاغراً لأي سبب من الأسباب عندها يسقط لبنان في حالة الشلل والعجز التامّين، حيث لا يعود هناك من وجود لأي مسؤول دستوري في البلاد.
ثانياً: من وحي ما تقدم تجب المحافظة على الحكومة السلامية الحالية، وأن يساهم جميع الأطراف إلى أي تيار سياسي انتموا في العمل الحكومي كوحدة متجانسة ومتوافقة على التصور العام. فهل واقع الأمر هو كذلك؟
والجواب: ليس كذلك، فبين أعضاء الحكومة من يعمل على استعجالها لبناء طموح سياسي شخصي، وكان لهذا الأمر أن يكون مشروعاً لو أنه يحدث بالحد الأدنى من «الانسجام الوزاري العام»، لكن تفرد البعض بدافع استعجال الوصول إلى الهدف الوزاري الأرقى والأعلى ينعكس من الناحية السلبية على التوجه العام للحكومة. بل وأبعد من ذلك، فإن بعض الوزراء لا يتردد في أداء دوره ومهامه بـ «استقلالية» بمعزل عن رأس الحكومة ورئيسها وبتصرف بسلطة ذاتية بعيدة من الانسجام الوزاري المطلوب بإلحاح في هذه الفترة الدقيقة والحساسة من الواقع اللبناني.
ثالثاً: إن رئيس الحكومة تمام سلام يتصرف بكل الأساليب الحضارية والراقية، والتي من شأنها أن تسهل العمل الحكومي، على أن الأمر الذي لا يجوز هو وضع رئيس الحكومة في موقع المطالب بالاعتراف بدوره الفعلي والدستوري على رأس «حكومة المصلحة الوطنية» كما أطلق عليها بنفسه. وإذا كان الرجل يؤمن بالديموقراطية الفعلية في إدارة عملية البلاد المتوقفة في بعض المجالات، والسعي إلى تحريك العمل الوزراء قدر المستطاع، فإن هذا الأمر يتطلب حالة من الانسجام الوزاري لا تشوبها شائبة، وليس هذا هو القائم من الناحية التطبيقية والعملية.
رابعاً: يقتضي واجب الإنصاف الاعتراف بأن الحكومة الحالية أنجزت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، الكثير من الخطوات التي عجزت حكومات سابقة عن التصدي لها، ومن هذا المنطلق يجب الإبقاء على الزخم الذي تتمتع به الحكومة الحالية، وتحقيق المزيد مما يحتاج إليه لبنان. أما أن تتحول المناقشات الخاصة بكيفية تيسير شؤون الحكم مع استمرار غياب وجود رأس ورئيس للجمهورية، إلى سعي إلى «تقاسم» الحكم ومشاركة رئيس الحكومة في كل شاردة وواردة، فإن هذا «المنطق التشكيكي» لا يساعد على خلق الأجواء المريحة التي يجب أن تسود البلاد والعباد في هذه الفترة العصيبة التي نجتاز، وحيال كل ما يجري في ما يعلم وما لا يعلم عن عمل الحكومة الحالية، وكأن المطلوب إقامة «صيغة فيديرالية» بين أعضاء الحكومة الأربعة والعشرين، ويكون رأس الحكومة ورئيسها هو الناظم إيقاع عمل الوزراء، حيث يجب أن يلتقي عمل الوزراء مع رئيسهم كتعبير عن الحد الأدنى من الاحترام والتقدير لدور رئيس الحكومة، وهو المنصب الأعلى في غياب وجود رئيس للجمهورية، والذي لا يجب استجداء الاحترام لممارسة الحكم.
لذا، فالمطلوب في ضوء كل ما يحدث قيام «صيغة فيديرالية» بين مناطق الجمهورية على اختلافها، بعيداً من قناعة البعض بنظرية «المؤامرة» للقول إن أي اقتراح فيديرالي يعني تلقائياً «التقسيم».
وكي لا نبقى في الأوهام، فإننا نطرح التساؤل الملم من جديد: هل لبنان بواقعه الحالي هو وطن موحد فعلياً ويجب العمل على منع تقسيمه؟ أم إن لبنان بواقعه الحالي هو مقسم فعلاً ويجب العمل على استعادة وحدته؟
وفي كل مرة يطرح السؤال المحوري، يأتي الجواب بعيداً من الواقع كالتعبير عن الخوف على العيش المشترك في لبنان الواحد الموحد!
إن لبنان يا سادة، ليس موحداً إلا في الشعر وفي قصائد المديح لوحدة الوطن، وطالما أن نفي حدوث واقع تقسيمي في لبنان هو السائد، فلن يتوصل اللبنانيون إلى العمل الجديد والجاد للعمل على استعادة وحدة الوطن قبل الانزلاق نحو المزيد من الخطوات التقسيمية!
وحول ما طرحناه عن واقع الحال السائد لدى الحكومة الحالية فالمطلوب إطلاق الصرخة الآتية: لا تحرجوا رئيس الحكومة تمام سلام كي لا تخرجوه! وذلك حرصاً على الإبقاء على آخر الرجال المسؤولين في الجمهورية وإن المزيد من المصارحة يستوجب قول ما يأتي:
إن تمام صائب سلام هو حاجة وطنية للبنان ولكل اللبنانيين على اختلاف اتجاهاتهم وتوجهاتهم، ولم يعرف عن الرجل العمل من أجل فريق لبناني، دون فريق آخر. لذا، فإن استمراره قوياً في السلطة فيه قوة لجميع الأفرقاء. أما الطامحون إلى مناصب أعلى فبإمكانهم التمهل بعض الوقت من دون استعجال المراحل وإيقاع البلاد في المزيد من حالات «الشغور» والفراغ!
وبعد وفي جانب آخر...
نحن نتحدث عن لبنان، ومقاتلو تنظيم «داعش» يزرعون الرعب في العراق، وحتى في سورية من قبل ومن بعد.
لقد كانت المشاهد مقززة تلك التي أظهرت مجموعة مقاتلي «داعش» تنفذ حكم الإعدام بحق بعض العراقيين المدنيين والعسكريين. فهل هذا هو النضال الذي يريد تنظيم «داعش» أن يقدمه على أنه النموذج الجديد للنضال في طول بلاد العرب وعرضها؟
وفي درس معمق لتنامي ظاهرة «داعش» يجب القول إن ما نشهده اليوم هو «ثمره» من ثمار الغزو الأميركي للعراق، حيث غادرت القوات الأميركية هذا البلد بعد غزوه وهو في حال من التمزق والتفتيت والتقسيم... وما لم يتمكن الأميركيون من صنعه، فعله رئيس الحكومة نوري المالكي الذي يتمتع بـ «الحاضنة الإيرانية».
إن الخطوة الاقتحامية التي أقدم عليها «داعش» قربت العراق أكثر فأكثر من إعلان التقسيم الفعلي لمحافظاته ولتكريس التوزيع الطائفي الآتي: الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب والسنّة في الوسط والسؤال: هل سياسة القبضة الحديد، وإقصاء السنّة التي اعتمدها نوري المالكي طوال هذه السنوات ستبقى صالحة للفترة الآتية على العراق وفي ظل أوضاع جديدة سيفرضها تنظيم «داعش» غير انتشار مقاتليه في مناطق التماس القائمة من العراق!
وفي كل يوم يمضي يتأكد أن الحاجة ضرورية وماسة لبناء استراتيجية جديدة لمواجهة الإرهاب بشتى أشكاله وبتعدد مذاهبه وطوائفه، لأنه كارثة الكوارث التي حلت بالمنطقة التي طبقت سمعتها الآفاق بتخريج الكثير من الإرهابيين من أهل الداخل والخارج، وإرسالهم الى شتى بقاع الأرض. وقد اكتشف عدد من رؤساء الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، عودة عدد من الذين قاتلوا في سورية في الأشهر الأخيرة، وإن عودة هؤلاء «الإرهابيين» يشكل هاجساً مؤرقاً لأمن الدول الداخلي. وكانت فرنسا أول الدول الأوروبية التي سارع رئيسها فرنسوا هولاند للإعلان عن سقوط عدد من القتلى من المقاتلين الذين يحملون الجنسية الفرنسية.
وقد تم اعتقال بعضهم وتجريدهم من جنسيتهم، وسيشكل المقاتلون الذين تدربوا على أعمال الإرهاب في بعض دول المنطقة، قنابل موقوتة يمكن أن تؤلف قوة تفجيرية في كل لحظة في هذا البلد أو ذاك.
وفي الكلام الأخير:
سمعت البعض - ومنهم رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ينعى قبل أيام قليلة «تفاهمات سايكس - بيكو»، وفي هذا النعي انتهاء مرحلة وقيام أخرى قد نراهن فيها من جديد على التفاهمات التي يجري العمل على عقدها والتداول في شأنها في هذه الأيام.
ونحن في الذكرى المئوية لقيام سايكس – بيكو، فأي نوع من التفاهمات يجرى العمل على بنائه والاتفاق عليه؟
الصورة ضبابية وقاتمة، أي عالم عربي جديد سيولد من رحم الإرهاب المدمر مهما اختلفت أشكاله وتبدلت ألوانه وتنوعت مذاهبه وطوائفه؟
وأخيراً، هذه المعلومة.
سألني البعض: ما معنى سايكس – بيكو؟
الجواب بسيط: إنه اختصار لاسمي وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا مارك سايكس، وفرنسوا جورج بيكو.
فاقتضى الإيضاح.
والآن ماذا بعد؟
هل ننتظر قيام «ظريف - كيري»، تيمناً بوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، وجون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة؟ ويصدق مع ذلك قيام حلف «ألف – ألف» قياساً على إيران وأميركا؟