عندما اجتمع سعد الحريري ووليد جنبلاط – مع حفظ الألقاب - في دارة رئيس الحكومة السابق في باريس الجمعة الماضي، كانت مضت شهور طويلة لم يلتقيا وجهاً لوجه. "من كتر ما طلع العشب بيناتنا بيرعى الغزال"، يقول طلال حيدر في قصيدته. صُدم الحريري عندما سار حليفه السابق جنبلاط بحكومة نجيب ميقاتي ومسار "حزب الله" مطلع 2011، وسارا متباعدين حيناً متقاربين حيناً. يحصل ما يُشبه ذلك في العلاقات العادية بين أناس عاديين، يعاودون الإلتقاء ولكن يتغير شيء ما، يعتري خدش لوح الزجاج. في مرحلة ما كان موقع جنبلاط عند عائلة الحريري لا يُطال، لا ينسى أحد أفضاله، توليه القيادة فور اغتيال الرئيس الوالد الشهيد. ظروف قاسية وحسابات مختلفة ستدخل على الخط لاحقاً وتؤرجح العلاقة بين الرجلين. لكنهما عادا والتقيا مادياً وسياسياً في باريس، والنقاش كان "جيدا وإيجابياً"، بحسب معلومات "رسمية" وزعها جانباً "تيار المستقبل" والحزب التقدمي الإشتراكي.

الباقي يستلزم استقصاء للحصول على معلومات أقرب إلى أجواء، وبالقطارة: اللطف واللياقات طبعاً كانت حاضرة مع مواضيع البحث، المتفرقة والمركزية: مثالاً "السلسلة" التي تؤرق اللبنانيين منذ سنوات اتفقا على أن مواردها يجب أن تكون مؤمنة ولا مشكلة. "مكب الناعمة" الذي يسعى جنبلاط إلى نقله ويعترض "المستقبل" على الوجهة المقترحة له في إقليم الخروب. شلل مجلس النواب وسعي ميشال عون إلى انتخابات نيابية قبل الرئاسية. العمل الحكومي الذي يبدو أنه سيصاب بالتثاقل أكثر فأكثر في الأيام والأسابيع المقبلة، نظراً إلى محاولة "وضع يد" على صلاحيات رئيس الجمهورية الغائب. محاولة يُحتمل أن تشمل صلاحيات رئاسة الحكومة أيضاً. هذه أيضاً قد تخلق أزمة. شرح الحريري وجهة نظره من الحوار مع ميشال عون وما الذي جرى ولماذا. جنبلاط في المقابل عرض رؤيته، وقد باتت معروفة. مختصرها أن الوضوح في هذه المسألة قد يكون أفضل، فبعضهم يتعلق بهذا الحوار وحوله ليعرقل انتخاب رئيس للجمهورية، والفراغ خطر، والتمادي فيه أخطر وسط الزوابع المحيطة بلبنان. اتفقا على أهمية أن يكون للبنان رئيس جمهورية في أقرب وقت.

مرّ الحديث بأسماء بعض المرشحين والمواقف منهم. لا يحبذ جنبلاط من يعتبرهم مرشحي "كسر العظم"، ثم أنهم لن يصلوا فموازين القوى لا تسمح. لا يحبذ أيضاً، وفي المبدأ، تكرار الإنتقال من العسكر إلى القصر رغم أن الرئيس ميشال سليمان بأدائه وشخصيته هو الأقرب إلى عقله وقلبه هذه الأيام. رفع صورته بعد انتهاء ولايته في قصر المختارة.

سأل - لا بد - عن رأي مضيفه في نائب عاليه هنري حلو، مرشح الوسطيين الذي نال 16 صوتاً مفاجئاً في الجلسة الإنتخابية اليتيمة. كان الجواب أن لا موقف سلبيا من حلو كشخص، إنما يحرص الحريري جدا في هذه المسألة على عدم اتخاذ قرار أو وجهة نيابة عن المسيحيين ولا سيما حلفاؤه، ثم أن مرشح قوى 14 آذار هو سمير جعجع. لا يمكن في هذه المسألة تجاوز رأي المسيحيين.

يقول ناقلو هذه الأجواء، إن جنبلاط ذكّر على الأرجح بأن حلو انضم إلى حركة 14 آذار منذ اللحظة الأولى فهو منها، وحتى عندما ابتعد عنها رئيس "اللقاء الديموقراطي" بقي فيها وشارك في كل أعمالها واجتماعاتها ولم يرجع إلى التجمع النيابي الذي يترأسه جنبلاط إلا قبل أشهر قليلة. وعلى علمه أنه أقدم على هذا الموقف لعدم اقتناع بسياسة المراوحة وغياب الرؤية الواضحة، وليس لأسباب تتعلق بالإقتناعات. هنري حلو فوق أنه أخلاقي ودمث، هو رجل مبادئ وحوار وانفتاح يعرفه الجميع. بتركيبته توافقي، يعني معركته أسهل ويمكن أن نجري معه محاولة لخرق الجدار. ألم يعلن سمير جعجع أنه منفتح على تأييد ترشيح من يتبنى برنامجه السياسي؟ هل يظن أحد أن هنري حلو لا يتبنى "وثيقة بكركي الوطنية" و"إعلان بعبدا"؟

ألا يمكن البناء على هذه المعطيات؟ يمكن ولكن يتطلب الأمر جولة "جس نبض" على القيادات والمراجع المسيحيين، لعلّ وعسى. اتفق الرجلان على أن تقوم بهذه المهمة شخصية سياسية محترمة في الأيام الآتية. وأصلاً كان المفترض أن يزور النائب حلو معراب في الأيام الماضية، ووفاة والده جعجع جعلت لقاءهما للتعزية.

لكن العقدة في أي حال تكمن في مكان آخر. يحتاج انتخاب رئيس، أي رئيس، إلى نصاب في مجلس النواب يمتلكه "حزب الله". سيحاول جنبلاط بحسب أجواء باريس استطلاع استعدادات الحزب للمساهمة في جهد مشترك لإخراج لبنان - عبر انتخاب رئيس - من دوامة يظهر أنها قابلة للتحوّل خطيرة جداً على الجميع، بمن فيهم الحزب وجمهوره أيضاً.