تلقّى "حزب الله" ضربة قاسية في منطقة رنكوس هذا الشهر حيث سَقَطَ له عددٌ كبيرٌ من القتلى في عمليّات لمسلّحي المعارضة السورية، شبيهة بتكتيكات "حرب العصابات"، الأمر الذي استوجب ردًّا سريعاً من "الحزب" والجيش السوري لوقف هذه الظاهرة، فما الذي حصل؟
بداية لا بُدّ من التذكير أنّ "حزب الله" يُحاول أن يكون تدخّله في سوريا مُفيداً للنظام إلى أقصى درجة، بأقلّ قدر ممكن من الخسائر البشريّة. لذلك، هو لم يُوزّع قواته عشوائياً على الجبهات الكثيرة، ولا دَخَل في معارك إستنزاف مُتبادَل، بل ركّز مشاركته الفعّالة وتدخّله الوازن في معارك بأهمّية إستراتيجية. صحيح أنّ معركة القصير التي إنتهت لصالح النظام السوري والحزب في 5 حزيران من العام 2013، كانت مُكلفة من حيث الخسائر في صفوف الوحدات المُهاجمة، شأنها شأن معركة القلمون التي إنتهت بدورها لصالح النظام والحزب في 14 نيسان الماضي، لكنّ الأصحّ أنّ هاتين المعركتين لعبتا دوراً حاسماً في قلب موازين القوى في مجمل الصراع العسكري على الساحة السورية.
من هنا، قرّر مُقاتلو المعارضة السورية الذين تعرّضوا إلى خسائر كبيرة مُتَتالية وفشلوا في إيجاد توازن ميداني، الإنتقال إلى خطّة رديفة تتمثّل في محاولة توريط "حزب الله" بحرب عصابات، من خلال وضع عبوة ناسفة هنا، وتفجير مقرّ هناك، وكذلك عبر شنّ هجوم إنتحاري هنا والقيام بكمين مسلّح هنالك. وكانت لافتة مُحاولة المعارضة السورية أخيراً الإنطلاق من الجيوب الأمنيّة التي لم تتمّ السيطرة عليها في القلمون، وكذلك على طول الخط الحدودي بين لبنان وسوريا في سلسلة الجبال الشرقيّة، لتنفيذ ضربات خاطفة ضدّ مواقع ونقاط تفتيش تابعة للجيش السوري وضدّ دوريات ونقاط مراقبة تابعة لـ"حزب الله"، وذلك في أماكن مختلفة منها مثلاً الطفيل و"مزارع رنكوس" و"عسال الورد"، قبل الفرار والإنسحاب إلى أماكن آمنة في مناطق جردية وعرة. وإستفاد مقاتلو المعارضة في ضرباتهم الموجعة هذه، من وعورة المنطقة ومن المساحات الجغرافية الشاسعة للإختباء، خاصة وأنّ العديد من المقاتلين هم من أبناء قرى القلمون ويعرفون المنطقة بكامل تفاصيل وممرّات أحراشها ومواقع مغاورها. كما جرى أيضاً زيادة أعمال القنص من مسافات بعيدة بواسطة بنادق قنص متطوّرة، لإيقاع أكبر عدد ممكن من الإصابات.
في المقابل، وَجد "حزب الله" الذي خسر في سوريا حتى تاريخه، ما لا يقلّ عن 370 من مقاتليه، بحسب مصادر صحافية مستقلّة أحصت أسماء المقاتلين الذين نعاهم الحزب رسمياً منذ بدء تدخّله في سوريا حتى اليوم، أنّ "حرب العصابات" التي تستدرجه إليها المعارضة السورية تُمثّل حرب إستنزاف لشبابه من دون أيّ نتائج تُذكر على الأرض. من هنا، إتخذ الحزب والجيش السوري، قراراً سريعاً بوجوب إطلاق هجمات ساحقة على الجيوب التي لا تزال تُقاوم في القلمون وعلى طول الحدود الشاسعة في سلسلة الجبال الشرقية بين لبنان وسوريا. وعلى الرغم من أنّ المهمّة صعبة وتتطلّب وقتاً، بسبب كبر المساحة الجغرافية ووعورتها، لكن نتائج الهجمات في الأيّام القليلة الماضية جاءت أكثر من مُرضية. والهم الأساسي للجيش السوري وللحزب حالياً يتركّز على إقفال كل الممرّات التي تُستخدم للتسلّل وعلى منع عودة المسلّحين إلى القرى والبلدات التي يتمّ تأمينها عسكرياً.
ويبدو أنّ "حزب الله" يُفضّل أنّ يشنّ هجمات خطيرة في مواقع صعبة ووعرة، على أمل فرض سيطرته عليها، بدلاً من ترك المنطقة الجرديّة الفاصلة بين لبنان وسوريا مَوطئاً لمسلّحي المعارضة، ينطلقون منه في هجمات وفق تكتيك "حرب العصابات" الإستنزافي، لأنّ فاتورة الدم خلال الهجمات، على إرتفاعها، تبقى أقلّ من تلك التي سيدفعها الحزب في حال بقي في مواقعه منتظراً ضربات مسلّحي المعارضة الخاطفة!