لماذا الكتابة عن المياه؟
سألني صديق لي، عن أسباب إكثاري في الكتابة عن الثروة المائية. فأجبته بجملة من هذه الأسباب، مستعارة من عدد من المستندات المتوفرة في الأرشيف العربي – الإسرائيلي، مع التشديد على كونها حصرية.
فلو أعدنا قراءة إعلان "هرتزل" في المؤتمر الصهيوني الثاني، سنة 1897، والذي جاء فيه: «أن اليهود سيحولون صحاري فلسطين إلى أرض يكسوها الاخضرار» (هو مع ما يتفق نظرية «آرنولد توينبي» القائلة «بأن نشاط الحضارة يتضاعف بتضاعف عداء الطبيعة»).
ولو بحثنا في السبب الذي دفع الرواد اليهود الأوائل إلى التوجه نحو شمالي فلسطين حيث 85% من ثروتها المائية الحالية، وإلى التمسك بسفوح جبل الشيخ الغني بالمصادر المائية المتنوعة...
ولو تمحَّصنا في أهداف "حرب الخامس من حزيران" غير المعلنة، والتي كانت ترمي إلى الاستيلاء على مصادر مائية جديدة..
ولو استعرضنا أسباب تردد إسرائيل في الانسحاب من الجولان ومنطقة الليطاني في الجنوب اللبناني، والمشاريع الإسرائيلية المعدة للري بمقتضى القرار الذي إشتركت في إعداده خلال "مؤتمر مدريد"، أربعون دولة.
ولو استعرضنا أسباب تردد إسرائيل في الانسحاب من الجولان، ومنطقة الليطاني في الجنوب اللبناني، والمشاريع الإسرائيلية المعدة للري من مياه الليطاني ومرتفعات الجولان.
ولو عرفنا بأن 67% من المياه التي تستخدمها إسرائيل تأتي من خارج حدودها.
أو حاولنا تفسير إصرار المفاوضين الإسرائيليين على استمرار إشراف إسرائيل على إدارة المصادر المائية في مناطق الحكم الذاتي، معطوفاً على تصريح وزير الزراعة الإسرائيلي لجريدة معاريف سنة 1990، بأن «التخلي عن السيطرة على مصادر المياه الرئيسية في الضفة، مسألة غير واردة على الإطلاق. ولا بد من ترسيخ هذا المبدأ في وعي الجماهير»...
ولو قرأنا ما قاله «زئيف شيف» المحلل العسكري الإسرائيلي في كتابه «الأمن من أجل السلام» من «أن المياه لا تعرف حدوداً، ولا ينبغي لإسرائيل التسليم بأي انسحاب من الضفة والقطاع، دون ضمان تعاون. وإحداث تعديلات نوعية على حدودها تسمح بالاحتفاظ بجزء من مصادرهما المائية».
ولو اطلعنا على تقرير وزارة الخارجية الإسرائيلية منذ سنوات، والذي ورد فيه: «إن التنافس على مصادر المياه في الشرق الأوسط سيشعل حرباً جديدة في المنطقة خلال فترة تقل على عشر سنوات»...
ولو علمنا بأن العجز المائي الذي حاولت إسرائيل عبثاً التعويض عنه باستمطار الغيوم الاصطناعية، وتحلية مياه البحر، والاستفادة من مياه الصرف، تجاوزته بعد العزم على اللجوء إلى مياه الجوار..
ولو أضفنا إلى ذلك بأن أطماع إسرائيل بالمياه لا تقتصر على المياه المجاورة لحدودها، بل تتعداها إلى مياه المنطقة العربية بكاملها، بما فيها المياه العربية التركية المشتركة، فراحت تستفرد الدول العربية الواحدة تلو الأخرى، وتعقد المعاهدات والاتفاقيات مع الجمهورية التركية. وها هي، وبعد أن عقدت اتفاقية مائية مع الأردن تكتفي منها بالبنود التي تخدم مصالحها وتحجم عن تسهيل تنفيذها ما يخدم مصالح الأردن، بدليل أن إفادة المملكة الهاشمية الأردنية من المياه المشتركة اقتصرت على 50 مليون من أصل 215 مليون متر مكعبن، ما دفع وزير الري الأردني إلى الاحتجاج على رفض إسرائيل الموافقة على دخول الخبراء والمهندسين إلى أراضيها لإجراء الدراسات الضرورية لإنشاء سد «العدسية» تنفيذا لبنود الاتفاقية...
ولو... ولو... ولو...
ولو جمعنا كل هذه «اللوّات» وعطفنا عليها صرخة المدير العام لمصلحة مياه الليطاني، وقبلها تحذيرات رئيس مجلس إدارة هذه المصلحة، بأن لبنان على موعد مع العطش والجفاف اعتباراً من سنة 2010... وأضفنا إلى ذلك تصريح مدير معهد بحوث توزيع المياه وطرق الري في مصر بأنه «خلال السنوات الخمس المقبلة سوف تشغل المياه النيران في الشرق الأوسط، بعد أن كانت في الماضي الوسيلة الوحيدة لإخماد كل النيران»...
لأدركنا، يا صديقي، أنت والقارئ، مدى خطورة الحديث عن الثروة المائية، وضرورة الحضّ على القيام بالمستحيل لمواجهة الأزمات الناتجة عنها، «ولطرحنا الصوت» نحن معاً، مطالبين لبنان والدول العربية بأن تسارع إلى وضع خطة قومية متكاملة للمحافظة على المياه اللبنانية والعربية، ولمواجهة حقيقة، لا نفع من التهرب من مواجهتها، وهي أننا سنكون يوماً، ونأمل بألا يكون قريباً، في حاجة ملحة إلى كل نقطة ماء، وأمام واقع، تغدو معه المياه، السلعة الأعز والأغلى، والأندر لارتباطها باستمرار الحياة...
منذ فجر الخليقة، واهتمام الإنسان مشدود إلى المياه.
لقد نظرت إليها الحضارات الغابرة ككتلة من الأسرار – تحيط بها الأساطير، وتتصل برموز الطبيعة، وما وراءها، بالأرضيّات والسّماويّات في آنٍ معاً، تمتطيها في حلّها وترحالها من خلال أمواجها التي لا تستكين...
وبعد ذلك
ألم يكن المصريّون واليونانيون يتصوَّرون العالم خضَّماً من مياه تسبح فوقها كرتنا الصغيرة المحاطة بغلافٍ من هواء؟..
والأشوريون والبابليّون، أما كانوا يعتقدون بأن الكائنات بما فيها الآلهة هي خلاصة تمازج المياه الحلوة (Apson) بالمياه المالحة (Tiamat)؟...
ولئن سقط هذا المفهوم للمياه الذي كان سائداً في الماضي السحيق، فإن دورها الأرضي لم يفقد من أهميته في عصرنا الحاضر، بالرغم من تبدّل الصورة، والتصاقها بحاجاتنا الدنيوية بحيث أصبحت إحدى أهمّ المواد الأولية التي يستخدمها الإنسان، والتي جعل الله منها كل شيئ حيًّا. واقترنت بأحبّ مظاهر الحياة: الماء والخضرة والشكل الحسن....
ومع ازدياد حاجة الإنسان إلى هذه المادة واستقرار حجمها وكمياتها باتت عزيزة جدًّا واشتدَّ ارتباطها بالتقدم البشري والتنمية الاقتصادية. ما يفسّر قلق المسؤولين في العالم (ومنه لبنان)، حول تأمينها في المستقبل.
ذلك أن المشاكل التي تطرحها المياه هي مشاكل معقَّدة – سواء لجهة الضبط، أو لجهة التوزيع، خصوصاً في محيطنا المتوسطي، حيث تتراوح كمية الأمطار السنوية بين /250م و/1000/ مليمتر، ويخضع ازدهار الزراعة – وبالتالي الثروة الغذائية والنمو الاقتصادي لتوفّر المياه بمختلف مصادرها وباتت الحاجة ملحّةً للمؤتمرات المتتالية في العقود الماضية من الزمن لحفظ المياه وتوزيعها واستخدامها، طبقاً لأحدث الطرق وأكثرها عقلانيَّة، وانطباقاً مع الحاجة إليها، والوسائل المالية والتقنيَّة المتوفرة.
سيشمل بحثنا في ما يلي الثروة المائية في العالم والشرق العربي، ولبنان:
أولاً: الموارد المائية في العالم.
ثانياً: الموارد المائية في العالم العربي.
ثالثاً: الموارد المائية في لبنان.
رابعاً: أهمّ النزاعات المالية بين الدول العربية وجيرانها.
خامساً: إدارة الموارد المائية.
ملحق: الأرقام التقريبية حول الموارد الطبيعية في لبنان والدول العربية والعالم.
أولاً: الموارد المائية في العالم
تقدر كمية المياه الكلّية في العالم بحوالي 1386 مليون مليار متر مكعب، 97.5% منها مياه مالحة، و2.5% فقط مياه عذبة تنقسم هي بدورها إلى مياه متجمّدة (68.9%) ومياه جوفية (29.9%) ومياه متجدّدة (أنهر وبحيرات 0.3%)، ورطوبة تربة ورطوبة جو ومستنقعات (0.9%).
وهكذا فإن كمية المياه العذبة المتجددة سنوياً في العالم هي قرابة 42700 مليار متر مكعب، موزعة على آسيا (13500 مليار متر مكعب) وأميركا الجنوبية (12000 مليار متر مكعب) وأوروبا (2900 متر مكعب)، الخ...
وإذا ما أردنا احتساب هذه الكمية بالنسبة للكيلو متر مربع الواحد، فإنها في حدود 311000 م3 في آسيا، و277000 م3 في أوروبا، و134000 م3 في أفريقيا.
أما نصيب الفرد من هذه الملكية، فهو 83000 م3 في أوستراليا، و5700 م3 في آسيا، و3970 م3 في أفريقيا، 4240 م3 في أوروبا، و17900 م3 في أميركا الشمالية، و38300 م3 في أميركا الجنوبية.
ويعتبر المتوسط العام لنصيب الفرد في العالم في انخفاض مستمر. فلقد كان في حدود 12300 م3 سنة 1970، وأصبح سنة 1974 في حدود 7600 م3. وذلك بسبب ظاهرة التفجر السكاني، خصوصاً في المناطق النامية، حيث انخفض المعدل 2.8 مرة في أفريقيا، ومرتين في آسيا، و1.7 مرة في أميركا الجنوبية بمقابل 1.6% في أوروبا.
وذلك بالطبع، إذا ما استثنينا دورات الجفاف المتعاقبة في العالم، وأهمها سنة 1940 في جميع القارات، وسنة 1972 في أوروبا.
وينتظر بأن يتدهور الوضع المائي بعد ربع قرن، بحيث يتوقع أن يواجه حوالي 305% من العالم كارثة حقيقية بالنسبة للمياه العذبة المتجدّدة.
1- أين يقع العالم العربي من هذه الموارد المائية؟
إن حجم الموارد المائية المتجدّدة في العالم العربي هو في حدود 245 مليار متر مكعب (0.57% من الموارد المائية في العالم).
وبالنسبة للمساحة، فإن هذه الموارد هي في حدود 17000 م3 للكيلو متر المربع الواحد. (217000 م3 في العالم)، وذلك بسبب المساحات الواسعة والصحراوية وتدنّي نسبة الأمطار السنوية.
أما بالنسبة للفرد العربي، فإن نصيبه السنوي من المياه العذبة المتجدّدة يبلغ 970 م3 فقط.
2- المصادر المائية العذبة المتجدّدة:
هناك مصدران رئيسيان هما: المياه السطحية، والمياه الجوفية.
(1) المياه السطحية:
تشمل المياه السطحية مياه الأنهر والبحيرات العذبة والبرك، والأودية، والسواقي...
وهي الدورة الهيدرولوجية العالمية الشاملة لهطول الأمطار والثلوج ولذوبان الثلوج ولذوبان الجليد، إضافة إلى المياه شبه السطحية، أي المياه الجوفية التي تساهم في إيراد الأنهر السنوية بنسبة 37%، والمقدرة بحوالي 16000 مليار م3.
وتشتمل الدورة الهيدرولوجية العالمية السنوية على تبخّر البحار والمحيطات (503000 مليار م3) وهطول الأمطار فوق المحيطات (458000 مليار م3) وهطول الأمطار فوق اليابسة (110000 مليار م3)، والتبخر من اليابسة (65000 مليار م3) والمياه المتجدّدة (الجريان السطحي والجوفي: 42600 مليار م3).
وهذه الأرقام خاضعة للذبذبة، إما بسبب تبدل معدلات هطول الأمطار بين سنة وأخرى، وإما بسبب التفاوت السنوي بين منطقة وأخرى، وبين موسم وآخر، وفي ضوء حجم وتوزع الفيضانات، وبفعل تفاوت الإيرادات العالمية للمياه السطحية في بعض الأحواض المائية الكبيرة (متوسط إيراد نهر الأمازون هو في حدود 16% من الإيرادات المائية العالمية).
(2)- المياه الجوفية:
ليس من السهل معرفة حجم المياه الجوفية لصعوبة وتكلفة المسوحات الجيوفيزيائية لتقويمها ولاستحالة جمع المعلومات الدقيقة لمعرفة تغذيتها السنوية.
وهكذا، فإن التقديرات الأولية للمياه الجوفية تشير إلى كمية 410000 مليار م3 أي عشرة أضعاف المياه السطحية تقريباً فيما تقدر التغذية السنوية بحوالي 2200 مليار م3 سنوياً، وهذه التغذية تشكل الحجم المتاح الذي لا يصح تجاوزه سنوياً.
(3)- ما هي الاستخدامات المائية السنوية في العالم؟
تستخدم الموارد المائية في ثلاثة اتجاهات. الاستخدام الزراعي، والاستخدام المنزلي، والاستخدام الصناعي.
ومن الطبيعي بأن تكون نسبة الاستخدام الزراعي غالبة في الدول النامية فيما ترتفع نسبة الاستخدام المنزلي والصناعي في الدول المتقدمة.
كذلك، فإن نصيب الفرد من هذا الاستخدام يختلف حسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية السائدة في كل من البلدان.
وبصورة عامة، فإن استهلاك الموارد المائية العالمية، يقدر بـ 3225 مليار متر مكعب، تأتي آسيا في طليعة القارات المستهلكة للمياه الكلية سنة 1995 (1770 مليار م3)، وبعدها أميركا الشمالية والوسطى (608 مليار م3) وأوروبا الغربية (297.3 مليار م3)، وأوروبا الشرقية (289 مليار م3).
أما بالنسبة للاستهلاك الفردي، فتأتي أمريكا الشمالية والوسطى في الطليعة (1319 م3/ سنة).. فيما أفريقيا (206 م3) وأميركا الجنوبية (330 م3) وهما أقل القارات استهلاكاً للمياه، وتعتبر معدلاتها دون خط الفقر المائي المحدد بـ 500 م3 للفرد في السنة.
وحول المؤشرات العامة لاستهلاك المياه، فإن الاستهلاك الصناعي مرتفع في أميركا الشمالية وأوروبا، بالمقارنة مع أفريقيا وآسيا (بما فيها الدول العربية). وهذا طبيعي بالنظر للتقدم الصناعي المتفاوت بين هذه القارات.
وعلى نقيض ذلك، فإن الاستهلاك الزراعي مرتفع في أفريقيا وآسيا بما فيها العالم العربي، ومنخفض في أميركا الشمالية والوسطى وأوروبا.
أما نسبة الاستهلاك المنزلي، فهو في أدنى مستوياته في آسيا والدول العربية، بسبب تدني مستوى الحياة العامة الذي يتأثر به بصورة مباشرة.
ويبلغ متوسط استهلاك الفرد السنوي في البلاد العربية من المياه قرابة 618 متر مكعب (وهو أعلى من خط الفقر المائي) 4% منه للاستخدام الصناعي، وهي نسبة منخفضة بالمقارنة مع نظيرتها في الدول المتقدة، فيما نسبة الاستخدام الزراعي هي الأعلى بسبب انخفاض الهطول المطري، وارتفاع الحرارة.
والملاحظ أن الزراعة هي دائماً المستخدم الأول للمياه حيث يبلغ معدل الاستخدام فيها 70% من جملة المياه العذبة، وهي نسبة قد ترتفع مع بدء القرن الواحد والعشرين لتبلغ 90% في المناطق الجافة، ذلك أن الزراعة هي مصدر الغذاء الأساسي، وقد ساهمت الزراعة المروية التي لا تغطي أكثر من 20% من الأراضي المزروعة بـ 40% من مجموع الغذاء العالمي، ما يعني بأن إنتاج الوحدة المروية يعادل عشرة أضعاف الإنتاج من الوحدة في الزراعات المطرية.
ثانياً: الموارد المائية العربية
تبلغ كمية المياه المتجدّدة في العالم العربي حوالي 250 مليار متر مكعب، تستأثر ست دول منها بـ 85% وهي مصر والسودان (35%)، العراق (24%)، المغرب (12 %) وكل من الجزائر وسوريا (7.5%)، مع الإشارة إلى أن 40% من هذه الكمية يأتيها من أنهر مشتركة هي بني هذه الدول ودول أخرى غير عربية وهي أنهر النيل، ودجلة، والفرات، إضافة إلى أنهر الأردن، والحاصباني والوزاني.
إن هذه الكمية تبلغ نسبتها بالكاد 0.7% تقريباً من الموارد المائية النهرية، في العالم و2.1% من الأمطار.
وتعتبر هذه الحصة ضئيلة جداً إذا ما قيست بمساحة الدول العربية (10.4% من مساحة اليابسة) وبعدد سكانها (4.25% من سكان العالم). كما تعتبر قليلة نسبياً، إذا ما قيست بالثروة المائية في دول الشرق الأوسط غير العربية (244 مليار متر مكعب)، لتركيا منها 51%، ولإيران 48% و0.7% لإسرائيل.
وهكذا فإن تركيا هي الدولة الشرق الأوسطية الأغنى من الوجهة المائية، إلى درجة أنها تعرض بيع قسم من مياهها إلى الدول العربية في الخليج وإلى إسرائيل. عبر ما يسمّى بأنابيب مياه السلام، التي يخطط لها أن تنقل مليارين ونصف مليار متر مكعب من المياه، من بحيرة سد أتاتورك عبر خط يمرّ بسوريا والأردن والضفة الغربية، وصولاً إلى إسرائيل، ويمتد إلى السعودية، فيتفرع إلى فرعين، أحدهما إلى تخوم مكة المكرمة، والثاني إلى شبه الجزيرة العربية ليصل إلى الكويت، ماراً بالبحرين وقطر، ممتداً الى الإمارات ومنتهياً في مدينة مسقط.
وتقدر كلفة هذه الأنابيب وحسب تقدير المعهد الأميركي الدولي «براون روش» بحوالي 20 مليار دولار أميركي، كما تقدر كلفة «الجالون» المكعب من هذه المياه بثلث تكلفة تحلية البحر بحسب الوسائل المتاحة في الوقت الحاضر.
وهكذا فإن المنطقة العربية تتصف بشح الموارد المائية، ولا يتجاوز نصيبها من معدل الأمطار ربع نظيره في العالم.
ويقدر متوسط نصيب الفرد من الجريان السطحي بـ 1345 متر مكعب بالسنة مقابل 7840 م3 بالنسبة إلى المستوى العالي مع الإشارة إلى أن النصيب العربي من المياه يتدهور سنة بعد أخرى بدليل أن معدل نصيب الفرد في مصر تراجع من 3421 م3/ سنة 1927 إلى 1050 م3 سنة 1992، ومن المتوقع أن يكون في حدود 825 م3 مع بدايات القرن الواحد والعشرين.
أما عن مصادر المياه العربية فهي خمسة، ثلاثة منها تقليدية وهي الأمطار، والمياه السطحية، والمياه الجوفية، واثنان منها جديدان وهما مياه التحلية ومياه التنقية.
وتتميز مياه الأمطار بتفاوت معدلاتها بين سنة وأخرى، وبين دولة عربية وأخرى، وفي داخلها بين منطقة وأخرى مجاورة بحيث تتراوح بين 300 ميلمتر/ سنة في مساحات شاسعة، ما يبقيها محدودة الفائدة الزراعية، و300 إلى 1000 ميلمتر في مساحات محدودة حيث تكون اقتصادية ومفيدة من الناحية الزراعية.
أما المياه السطحية، فهي حصيلة عشرات الأنهار والسواقي والسيول الموسمية، وتقدر بحوالي 248 متر مكعب سنوياً يشكل النيل منها 84 مليار م3، ودجلة 48 مليار م3، والفرات 29 م3. مع الإشارة إلى أن هذه المياه السطحية تواجه المشكلات التالية.
(1) الأنهار الثلاثة الكبرى. تنبع في دول غير عربية، ما يجعل أمنها المائي متأثراً إلى حد بعيد بهذه الدول. وهذا ما يستوجب وضع استراتيجية مائية عربية تحفظ الحقوق المائية العربية، من خلال الحوار والتنسيق وإبرام المعاهدات العادلة مع دول الجوار، وهو أمر يقتضي أن يبدأ بالتنسيق والتعاون بين الدول العربية نفسها لتدعيم مواقفها التفاوضية.
(2) تتعرض المياه السطحية لأطماع وتعديات خارجية، كما هو الحال في لبنان والجولان والأردن والضفة الغربية، وهنا أيضاً يتعيّن التصدي لهذه الأطماع بصورة جماعية ومن منطلق الأمن المائي العربي الذي يحدد إلى درجة كبيرة التنمية الزراعية العربية الحالية والمستدامة.
(3) تتعرض المياه السطحية العربية لمخاطر التلوث، وهذا ما يستدعي التعاون الوطني والإقليمي لاستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة، واعتماد السياسات والتشريعات المناسبة والفعالة لدفع أكبر حجم ممكن من هذه المخاطر.
وأما المياه الجوفية العربية، فيقدر حجم مخزونها، ضمن ما هو ممكن تقديره، بحوالي 7000 مليار متر مكعب، مع الإشارة إلى أن تجدد هذا المخزون يبقى ضعيفاً بسبب شح الأمطار فوق الأراضي العربية بصورة عامة. ويتسم هذا المخزون ببعض المعوقات ومنها رداءة نوعية المياه، وعمق الطبقات الجوفية وبعدها عن المناطق المأهولة، كما يتعرض لمشكلات عديدة، كالسحب العشوائي، والمتجاوز لحدود الأمان. وبخاصة في المناطق الساحلية حيث تتسرب مياه البحر المالحة إلى المياه الجوفيّة فتفسدها وتلوثها.
ويبقى هذا الموضوع خاضعاً للتقدير كما ذكرنا، وموجباً لإجراء مزيد من الدراسات التقنية والمتطورة، لرصد الطبقات المائية الجوفية، وتقدير مخزوناتها، وتحديد أعماقها، ونوعيتها، ودرجة تجددها إلخ...
ولا بد من الإشارة لماماً إلى المصادر الجديدة، والناتجة عن تحلية مياه البحر، وتنقية المياه المستعملة والملوثة لإعادة استخدامها. ولكنها مصادر، لا تزال حتى الآن محدودة الكمية لارتفاع تكلفتها، والتعقيدات العائدة للحصول على المعدات والآلات والطرق التقنية التي تستلزمها.
كيف يجري استغلال الموارد المائية العربية:
1- يقدر حجم الموارد المائية السطحية المتاحة للاستهلاك بـ 248 مليار متر مكعب.
2- ويقدر حجم هذه المواد المستغلّة بـ 162 مليار م3، أي 68% من الموارد المتاحة.
3- إن كفاءة الجزء المستغل لجهة طرق الري، والهدر والضياع هي في حدود 50% فقط.
مع الإشارة ووفقاً لبعض الدراسات، إلى إمكانية تحسين هذه الكفاءة ورفعها إلى 70 – 80% ما يكفل زيادة المساحة المروية بنسبة 40- 50%.
أما عن أسباب ضعف كفاءة استغلال المياه العربية فهي متأتية من رداءة أنظمة الزراعة، والدورات الزراعية غير المناسبة، واتباع الزراعات الأكثر نهماً للمياه. ويشكل هذا الموضوع نقطة بحث يقتضي تخصيصها بالأبحاث والدراسات والتجارب للحفاظ على المياه، كعنصر نادر ومعرّض للفقدان التدريجي، كما يوجب على الدول العربية التعاون فيما بينها من الوجهات العلمية والبحثية والعمليّة من ضمن ضرورة الاهتمام بمختلف وجوه الأمن، الوطني، والاقتصادية، والغذائية، والبيئية إلخ...
ثالثاً: الموارد المائية اللبنانية
لا يعتبر لبنان فقيراً بالمياه، ولكنه ليس قصراً مائياً كما درجوا على وصفه في الأدبيات السياسية والصحفية.
الواقع أن لبنان يتلقى سنوياً كمية من المتساقطات المطرية والثلجية تتراوح بين 4 و9 مليارات متر مكعب من المياه.
وإذا ما أخذنا الحدّ الأعلى من هذه الكمية، فإن نصفها تقريباً يذهب هدراً من طريق التبخر، والنصف الثاني يتسرب إلى الطبقات الجوفية أو يجري في المياه السطحية عبر الأنهر والينابيع وعددها 15 نهراً منها:
- 12 نهراً تنبع من السفوح الغربية تتّجه نحو الغرب، ولا يزيد طولها عن 40 كيلومتراً.
- 3 أنهر داخلية هي العاصي والليطاني والحاصباني.
ومن الجدير ذكره أن ثلاثة من الأنهر الخمسة عشرة تعتبر دولية وهي العاص والنهر الكبير والحاصباني، وأن مياه المجاري الخمسة عشرة هذه تشكل 27 – 30% من الموارد المائية اللبنانية.
وقد دلت الدراسات، وهي هنا أيضاً تقديرية، بأن المياه التي تتسرب إلى الطبقات الجوفية تقدر بثلاثة مليارات متر مكعب والباقي أي مليار ونصف المليار من الأمتار المكعبة تشكل المياه السطحية التي تغذي الأنهر والينابيع، ويتسلّل من خلال أنهر العاصي والحاصباني والوزاني إلى الدول المجاورة حوالي نصف مليار متر مكعب، كما يتسلّل نصف مليار متر مكعب إلى البحر الأبيض المتوسط.
هذا هو واقع الثروة المائية اللبنانية المتجددة التي يبلغ جريانها ذروته خلال شهري نيسان وأيار، ثم ينخفض تدريجياً بسبب الأنهر والسواقي والينابيع الموسمية التي تتوقف بين شهري تموز وأيلول، ما يحدّ من الاستفادة القصوى منها بصورة طبيعية، ما لم يتم التحكم بها من خلال خزنها عبر سدود وبحيرات بدأ مسحها ودراسة بعضها، ولا تزال وزارة الموارد المائية والكهربائية تدرس بعضها الآخر إلى أن جمعها المدير العام الحالي للتجهيز المائي والكهربائي الدكتور فادي قمير، وقدّمها تحت عنوان الخطة العشريّة للبحيرات والسدود (2000 – 2009)...
ثم عاد وأطلقها بموافقة «منظمة الأغذية والزراعة الدولية» (FAO) لتأمين موارد مائية إضافية وتنفيذ معالجة مياه الصرف الصحي القديمة، إضافة إلى مشاريع جديدة، وتحسين النظام الحالي لمياه الشرب، وتغذية طبقة المياه. وقد قدرت تكلفة هذه الخطة بمليار وأربعماية مليون دولار.
ولقد شددت هذه الخطة على تأمين موارد مائية إضافية من خلال بناء سدود وبرك مائية إضافية عند سفوح التلال بالإضافة إلى تغذية المياه الجوفية، وتأمين مياه الشرب للقرى غير المجهّزة، ولإعادة تأهيل مشاريع الريّ القديمة، وتنفيذ مشاريع جديدة وتطوير عمليات تصنيف وتقويم الأنهر مع الإشارة إلى أنّ هناك عناصر أساسية وراء مبادرة إدارة حوض كل من هذه الأنهر، وهي تختصر برديَّة بعيدة المدى لحوض النهر، وتكامل استفادة القطاعات المختلفة كالصناعة والزراعة وإدارة مصائد الأسماك. واتخاذ قرارات استراتيجية على نطاق حوض النهر،و التدقيق الفعال والمشاركة الناشطة للمعنيين من خلال التخطيط واتخاذ القرارات بطريقة شفافة حول الاستثمار المناسب لجميع ما يخدم المصالح الريفية والزراعية.
مع الإشارة إلى أنه سيكون تنفيذ هذه الخطة بعهدة وزارة الطاقة والمياه بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، من خلال لجنة توجيهية تضم مختلف الوكالات التي لها صلة مباشرة بنشاطات المشروع، وتكون مهامها مراجعة تقدم المشروع ومراقبته وتقديم التوصيات لجميع المعنيين بالزراعة والبيئة والتغذية.
أما عن الاحتياجات المائية للبنان فإنها تتوزع، على النحو التالي:
(1) الحاجات الزراعية الحالية في حدود 800 مليون متر مكعب. أما الحاجات الزراعية المتوقعة فتقدر حسبما هو ممكن، وما هو مخطط للمساحات الزراعية خلال العشر سنوات المقبلة والمقدرة بـ 200 ألف هكتار، بحوالي ملياري متر مكعب.
(2) الحاجات المنزلية الحالية وهي تقدر بـ 400 مليون م3 أما الحاجات المقدرة للعشر سنوات المقبلة فتقدر بحوالي 500 مليون متر مكعب على أساس 1000 متر مكعب للفرد، وقد يرتفع هذا التقدير إلى 600 أو 700 مليون متر مكعب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النمو السكاني والأجانب المتواجدين فوق الأرض اللبنانية.
(3) والحاجات الصناعية الحالية المقدرة بحوالي 200 مليون متر مكعب، قد ترتفع في المستقبل إلى 250 أو 300 مليون متر مكعب بسبب النموّ الصناعي المتوقع.
وهكذا فإن مجموع الاحتياجات المائية المتوقعة للعشر سنوات المقبلة، يقدر بحوالي 3 مليارات متر مكعب.
بمقابل كمية المياه الجوفية والسطحية المتبقية ضمن الحدود اللبنانية، من معدل المتساقطات خلال السنوات الفائضة، والتي يصعب استغلالها بصورة كاملة، خصوصاً فيما يتعلق منها بالمياه الجوفية التي نجهل عمقها، وامتدادها، والتوازن بين ما هو متجدد ومستثمر منها في الوقت الراهن.
وهذا الأمر يفسّر أهمية الخطة التي وضعتها وزارة الموارد المائية والكهربائية، سواء في إطار مشروع السدود العشري، الذي تحدثنا عنه، أو في إطار المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وتوحيد المصالح القيمة على المياه في المناطق اللبنانية والتي يبلغ عددها 19 مصلحة إضافية إلى 209 لجنة مياه صغيرة موزعة هنا وهناك في المدن والقرى اللبنانية المختلفة.
1- في إطار خطة البحيرات والسدود العشرية كانت المديرية العامة للتجهيز المائي والكهربائي وقد وضعت في الماضي خطة متكاملة لعشر سنوات، تشمل كافة المحافظات (12 في لبنان الشمالي، و11 في جبل لبنان، و4 في البقاع و5 في لبنان الجنوبي)، ليبدأ تنفيذها سنة 2000، بتمويل داخلي يبلغ 1300 مليار ليرة تقريباً، (بمعدل 130 مليار ليرة سنوياً)، وتبلغ السعة المتوقعة لكامل ما تتضمنه من بحيرات وسدود حوالي 550 مليون متر مكعب.
2- في المشاريع التي أنيطت شؤون تنفيذها إلى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني:
ينبع نهر الليطاني في منطقة حوش بردى في بعلبك وينساب عبر سهل البقاع ليصب في البحر المتوسط بعد منطقة القاسمية قرب مدينة صور وهو أهم وأطول الأنهر اللبنانية بحيث تزيد كمية مياهه على 700 مليون متر مكعب سنوياً وتشمل مساحة حوصه 2160 كليومتراً مربعاً أي حوالي 27% من مساحة لبنان الإجمالية.
وقد جاء في قانون إنشاء المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ما يحدد الغاية من إنشائه على الوجه التالي: «تنفيذ مشروع تطوير حوض الليطاني في مشاريع الري والتجفيف ومياه الشفة وتوليد الكهرباء في نطاق تصميم شامل للمياه».
وبهذا، فلقد تضمن الجانب المائي ضرورة وضع تصميم مائي عام لاستغلال الثروة المائية، والحد من الهدر الحاصل، بالإضافة إلى إقامة شبكة السدود التي تكلمنا عنها في إطار تفعيل المياه السطحية، والاستفادة منها للري والشفة فإن المشاريع التي تدخل في خطة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني والتي ترتدي أهمية اقتصادية وزراعية واجتماعية كبيرة هي التالي:
(1) مشروع إعادة تأهيل شبكة الري في القاسمية بما في ذلك محطة الضخ الموجودة وإنشاء 40 كيلومتراً من القنوات المبطنة المكشوفة و6 كيلومترات من الأنفاق والمجاري وغيرها، ويهدف إلى استخدام المياه وتحسين الإنتاج في المنطقة الساحلية أصبح إنجازه في مراحله النهائية.
(2) مشروع ري البقاع الجنوبي (21500 هكتار) تشمل منطقة هذا المشروع على ثلاث مناطق:
(أ) شمالي طريق الشام (تربل – بر الياس – عنجر).
(ب) جنوبي طريق الشام (بر الياس – تل الأخضر – عميق – تل ذنوب)
(ج) الضفة اليُسرى من نهر الليطاني جنوبي طريق الشام (المرج – الخيارة – غزة – حتى القرعون).
وخلال الفترة الممتدة بين 1965 و1975، وبصورة متوازية مع دراسة الجدوى الاقتصادية، نفذت المصلحة بالتمويل الذاتي محطة ضخ القرعون الرئيسية والقناة 900 (القسم الأول) ومحطتي القرعون 1 و2، والشبكات الثابتة للتوزيع بالرش لقطاعي القرعون 1 و2 (حوالي 700 هكتار)، وتقديم وتوسيع مجرى الليطاني بين منطقة الشبرقية وبحيرة القرعون بطول 14.5 كليومتراً.
إلّا أن الدراسات والإنجازات التي تمتّ حتى ذلك التاريخ ومحاولات إعادة الترميم التي عقبتها خلال الحرب أجهضتها جميعاً الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت المنشآت والمخضات فتوقف العمل حتى انتهاء الحرب.
وبعد استقرار الوضع في البلاد، بدأ العمل من جديد. فوضع مشروع تأهيل شبكة الري في البقاع الغربي، بحيث قسم المشروع إلى ثلاث مراحل.
المرحلة الأولى وتشتمل 2000 هكتار، وقد تمّ تلزيمها سنة 1998، لتنتهي سنة 2000 وتجري الآن مفاوضات مع البنك الدولي الذي موّل المرحلة الأولى، ليموّل المرحلة الثانية التي تشمل 8000 هكتار، وتبقى المرحلة الثالثة التي تبلغ بنهايتها المساحة المروية 21000 هكتار، بكلفة إجمالية بحدود 9 ملايين دولار أميركي.
وفيما يعود إلى تنفيذ مياه الري في الجنوب، على منسوب 800 متر لري 30 ألف هكتار، بدءاً بمرحلة أولى تشمل 12000 هكتار، فهنالك دراسة تعد الآن لتمويل تنفيذ شبكات الريّ العائدة.
أما مشروع إعادة تأهيل شبكة ري القاسمية الذي يتضمن إنشاء 40 كيلومتراً من القنوات المبطنة والمكشوفة و6 كيلومترات من الأنفاق والمجاري وغيرها، فقد تم تنفيذه خلال هذه السنة، بعد أن كان قد لزم سنة 1997 بسبعة ملايين دولار، ويشمل 4000 هكتار من الأراضي في الساحل الجنوبي.
وأخيراً فهنالك مشروع سدّ الخردلي الذي تبلغ سعته 100 مليون متر مكعب يقع في منطقة الحزام الأمني، ومشروع سد «بسري» فهو يمكن بأن يخزن بعد تعديله في ضوء الدراسات البيرولوجية التي أجريت بعد وضع دراسته الأولى، حوالي 100 مليون متر مكعب، 10% منه للري والباقي لتأمين جزء من حاجة مدينتي بيروت وصيدا لمياه الشفة (الحاجة الكاملة 250 مليون متر مكعب، 50 م3 متوفرة من مياه جعيتا و30 م3 من آبار الدامور الارتوازية.
وخلال سنة 2001، حصلت الحكومة على قرضين بقيمة /165/ مليون دولار للبدء المرحلة الأولى من مشروع نقل مياه الليطاني إلى الجنوب المعروف باسم «مشروع ري الليطاني على منسوب /800/ متر وظنَّ الجنوبيون أن هذا المشروع قد انطلق بعد انتظار عقود طويلة، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب تلكُّؤ المعنيني عن تأمين الشروط اللازمة للانطلاقة ولا سيما لجهة الاستملاكات.
وقد قدّرت كلفة المرحلة الأساسية بنحو /265/ مليون دولار (من أصل كلفة المشروع الإجمالية البالغة نحو /500/ مليون دولار) وجاء التمويل المتاح من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بـ /165/ مليون دولار على أن تبلغ حصة الدولة اللبنانية بحوالي /100/ مليون دولار منها /52/ مليون دولار لتنفيذ الاستملاكات.
ولقد حصل هذا التطور الإيجابي بعد وقت قصير من إنجاز تحرير الجنوب عام 2000، وبدا أنّ الحكومة ستكون متحمِّسة للقيام باستثمارات مهمة على حوض الليطاني تساهم في تنمية المناطق المحرّرة، إذ أن مشروع القناة /800/ متر يمكن بأن يروي حوالي /13225/ دلم، وتحتوي على 12 منطقة زراعية موزعة على أقضية البقاع الغربي ومرجعيون، وحاصبيا، وبنت جبيل وصور، وذلك من طريق نقل نحو /110/ ملايين متر مكعب سنوياً من النهر عبر مآخذ على نفق الري، والشرب، والاستهلاك الصناعي.
ولكن سرعان ما تبين بأن الحقيقة كانت غير هذه الخطة، إذ لم يجر إنجاز أية خطة عملية إلا في عام /2005/ أي بعد أربع سنوات من توفير التمويل المطلوب وهكذا، وفي عام /2006/ تمت الدعوة إلى مناقصة لتنفيذ الخطة ولم تبتّ نتائجها حتى الآن، علماً بأنه كان يحب الانتهاء من تنفيذ الأشغال المشمولة بها عبد أربع سنوات والتي تتضمن (1) مآخذ المياه من سدّ القرعون، ونفق يحمر وطوله حوالي 5.5 كيلومتر، إضافة إلى محطة صغيرة لتوليد الطاقة الكهربائية (1.7 ميغاوات). كمنا تتضمن (2) بالإضافة إلى ذلك نقل المياه من كوكبا، إلى شقرا، ومن ضمنها إنشاء قناة قليا بطول /7.5/ كيلومترات وعرض حوالي /7/ أمتار إضافة إلى خطوط أنابيب تتراوح أقطارها بين /1400 و1700/ ميلمتر، وإنشاء نفقين بطول إجمالي يقدر بـ /1.2/ كيلومتر، وخطوط أنابيب فرعية تتراوح أقطارها بين /300 و400 ملمتر بطول حوالي 19 كيلومتر، وإنشاء /9/ خزانات خرسانية و/5/ خزانات ترابية. إضافة إلى عدد من محطات الضخ. وتتضمن أخيراً: (3) خطوط نقل المياه من «شقرا» إلى «يارين»، تتراوح أقطارها بين /300 و900/ ميلمتر وتبلغ أطوالها حوالي /20.5/ كيلومتر، وإنشاء نفق يبلغ قطره حوالي مترين وطوله حوالي كيلومترين، ومدّ خطوط أنابيب فرعية تتراوح أقطارها بين /300 و900/ ملمتر، وأطوالها حوالي /11.5/ كيلومتر، إضافة إلى إنشاء خمسة خزانات خرسانية وخزانين ترابيين، وعدد من محطات الضّخ.
ومع نهاية عام /2008/ المهلة المحدّدة لسحب القرضين اللذين منحهما الصندوق العربي والصندوق الكويتي للحكومة، كاد لبنان أن يخسر هذا التمويل. إلا أن الصندوق العربي قرر أن يرسل بعثة للاطلاع على أسباب تأخير التنفيذ، فأعدّت تقريراً شاملاً تسلّمه رئيس الحكومة، وهو يتضمن جملة توصيات يمكن أن تؤدّي إلى استمرار التمويل، ومنها أن التأهيل المسبق لسبعة إئتلافات من المقاولين وتم توجيه الدعوة لهم بتقديم عروضهم في 15/3/2006، وكان من المتوقع أن يتم فتح العروض في 14/7/2006، إلا أن ذلك لم يتمّ بسبب حرب تموز في لبنان ليتأجل إلى 15/1/2007، حيث تقدَّمت ثلاثة «إئتلافات« تقدمت بعرض تراوحت قيمته بين /408/ و/467/ و/475/ مليون دولار أميركي، وكان أحدهما الذي به تقدمت به مجموعة «الخرافي» هي الأقل /408/ مليون دولار أميركي، فحاول مجلس إدارة الإنماء والإعمار تكليف رئيسه بالتفاوض مع هذه المجموعة التي بررت ارتفاع قيمة عرضها بزيادة الأسعار (20 من 243 بنداً) وتمّ الاتفاق على رفع قيمة العرض إلى /300/ مليون دولار أميركي وهو ما يفوق تقديرات الاستشاري (265 مليون دولار) ما اعتبر مرتفعاً نسبياً.
وبقي استملاك الأراضي متعذراً، إضافة إلى وجود مشكلة أخرى وهي مشكلة الألغام التي لم تُحَل كذلك إضافة إلى تأخير كبير في أعمال المرحلة الثانية من المشروع التي تشمل الدراسات، واستصلاح الأراضي، وتنفيذ أعمال شبكات الري للاستفادة من مياه المشروع، ولو جزئياً، وهي كلها غير مموَّلة من القرض.
واستناداً إلى كل ما تقدم رأى الصندوق العربي ضرورة إعادة المناقصة وفتح باب المنافسة من جديد، على أمل انخفاض أسعار مواد الإنشاء والنفط، لما يساهم في تقليص العجز المتوقع في تمويل المشروع حيث أن التمويل المتوفر من قرضي الصندوقين العربي والكويتي لا يتعدى 170 مليون دولار.
ويتبين من هذه المشاريع والأرقام أن الميزان المائي في لبنان سيكون عاجزاً في المستقبل غير البعيد مما يوجب الإسراع في تنفيذ المشاريع التي هي من مسؤولية المصلحة الوطنية لنهر الليطاني إضافة إلى خطة المشاريع المائية التي وضعتها المديرية العامة للتجهيز المائي في وزارة الموارد المائية والكهربائية.
إن لبنان لن يستطيع اللجوء إلى تحلية مياه البحر، بعد أن أظهرت هذه الطريقة عدم جدواها الاقتصادية بسبب ارتفاع كلفتها، أو إلى المياه المستوردة سواء كانت معبأة، أو المياه المجلدة المستوردة من أحد القطبين بهدف تذويبها وتكريرها محلياً، وكلاهما مكلف للغاية كما لا يستطيع الذهاب بعيداً في استخدام الطبقات المائية الجوفية، بعد أن أصبح خطراً، وأكثر كلفة من الماضي فضلاً عن ظاهرة التلوث المتفاقمة سنة بعد أخرى.
وتبقى الأنظار مشدودة إلى مياه أنهر الليطاني والحاصباني والوزاني، وهي محط أطماع إسرائيل، تماماً كما هو الحال بالنسبة لمياه نهري الأردن واليرموك. مع فارق أساسي بالنسبة لنهر الليطاني، الذي هو لبناني مئة بالمئة. ومن منبعه إلى مصبه، ما يلقي على الدولة مسؤولية تبرير الحاجة الوطنية إليه والإسراع في استثمار كامل مياهه، كحاجة ملحة للتنمية المستدامة، ولأمن لبناني المائي والغذائي في المستقبل.
رابعاً: أهم النزاعات المائية بين الدول العربية وجيرانها
تتناول هذه النزاعات أنهر دجلة والفرات بين سوريا والعراق وتركيا، ومن جهة ثانية أنهر الأردن واليرموك والوزاني والحاصباني وبانياس والدان والاردن واسرائيل، ونهر النيل بين مصر وأثيوبيا.
وقبل استعراض هذه النزاعات نتوقف عند المطامع الإسرائيلية في:
1- مياه الليطاني اللبنانية:
ما من شك بأن إسرائيل تستهدف مياه نهر الليطاني بشكل خاص، انطلاقاً من أن لبنان هو الحلقة الأضعف بين جيرانها. وقد أكّد ذلك بن غوريون سنة 1948، عندما اقترح إقامة دولة مسيحية باستطاعتها أن توقع معاهدة تحالف مع إسرائيل، شرط أن تكون حدودها نهر الليطاني.
وعندما احتلت إسرائيل الجنوب اللبناني سنة 1982 قامت بدراسة جيولوجية على أرض الجنوب، ووضعت سنة 1985 مشروع مد أنابيب ضخمة يتم عبرها سحب مياه الوزاني وهو من روافد نهر الليطاني قرب مرجعيون إلى بحيرة طبريا.
2 - مياه دجلة والفرات:
1) ينبع نهر الفرات من تركيا التي تساهم بـ 94% من تدفقاته يضاف إليها 4% في سوريا من دون أن يكون هنالك كميات تذكر في العراق. فيما يتلقى نهر دجلة 40% من تدفقاته من تركيا و50% من العراق و10% من إيران.
ويلتقي النهران ليشكلا معاً شط العرب قبل أن يصبا في الخليج العربي.
ويعتبر سحب المياه لأغراض الري الاستعمال السائد لمياه هذين النهرين وهذا السحب هو في أساس 80% من المشاكل الحاصلة بين سوريا والعراق من جهة وتركيا من جهة ثانية.
ويروي العراق حوالي مليون هكتار من نهر الفرات ومليوني هكتار من نهر دجلة، مقابل مساحة أقل في كل من تركيا وسوريا اللتين تعدان منذ مدة برامج طموح لاستصلاح أراضيها وريها من مياه هذين النهرين مما يهدد بانخفاض التدفقات في شط العرب الأمر الذي يستدعي تكثيف المفاوضات للتوفيق بين المصالح المتعارضة قبل أن يتطور تعارض هذه المصالح إلى نزاعات خطيرة وغير مأمونة الجوانب.
2) وآخر مظاهر هذا النزاع يتمثل «بمشروع أنطاكية الكبرى» الذي تعمل من خلاله تركيا على تحويل المنطقة المتاخمة للحدود السورية، إلى أهراءات لتموين منطقة الشرق الأوسط بالقمح، من خلال 21 سدًّا مائياً على نهري دجلة والفرات وفروعهما.
وبسبب هذا المشروع أوقفت الحكومة التركية سنة 1995 ضخ المياه عن سوريا لمدة شهر واحد لتخزينها في سد جيد أطلقت عليه اسم «سد أتاتورك».
واعتقدت الحكومتان السورية والعراقية بادئ ذي بدء بأن هذه العملية مناورة سياسية لتدعيم دورها الشرق أوسطي بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، فصرح وزير الري السوري آنذاك عبد الرحمن المدني: «أنه قطع مياه الفرات وهو سابقة لا مثيل لها في العالم»، خصوصاً وأن مشاريع الري المتنامية حول هذا النهر في الدول الثلاثة تتجاوز طاقة النهر الحقيقية؟
وهذا ما تسبب سنة 1973 بأزمة سياسية بين سوريا والعراق، عندما أقدمت الأولى على تخزين المياه خلف «سدّ طبقه» السوري، فانخفض منسوب مياه الفرات في الأراضي العراقية إلى الربع، عملت الحكومتان السورية والعراقية على معالجتها بتبادل المعلومات والتعاون بالرغم من تمويل الحكومة السورية سدود «طبقة» و«البعث» و«تشرين» لمواجهة طلبها المتزايد من الماء والكهرباء.
إلا أن ملف المياه عاد إلى الواجهة السورية التركية، بدءاً بمؤتمر قمة مياه الشرق الأوسط الذي أفشلته سوريا، وصولاً إلى مؤتمر «مياه العالم لتمويل مشاريع المستقبل» والمحاولات التركية المتلاحقة لربط مسألة المياه بالنزاع العربي الإسرائيلي عبر مشاريع أنابيب المياه، انطلاقاً من التحالف الإسرائيلي التركي برعاية الولايات المتحدة الأميركية.
(2)- مياه وادي الأردن
يبنع نهر الأردن وروافده في أعالي لبنان وسوريا وإسرائيل. ويعتبر "نهر الحاصباني" اللبناني الرافد الشمالي الذي يتغذى من ينابيع لبنانية، فيما تغذي "نهر بانياس" ينابيع مرتفعات الجولان السورية، كما تغذي "نهر دان" ينابيع وتدفقات إسرائيلية مختلفة.
وتصب هذه الأنهر تدفقاتها في بحيرة «طبريا» التي تعتبر الخزّان الرئيسي داخل حوض نهر الأردن والذي تميل إسرائيل إلى اعتباره في صلب ثروتها المائية.
ويبقى نهر اليرموك الذي يمر بين سوريا والأردن بطول أربعين كلم الرافد الرئيسي لنهر الأردن قبل أن يصبّ في بحيرة طبريا فتحسب سوريا والأردن جزءاً من مياهه لري 27 ألف هكتار (15000 في سوريا و12000 في الأردن).
ومن المشاكل الرئيسية لحوض الأردن بصورة عامة، التنازع حول الحقوق التي تدعيها كل من إسرائيل من جهة ولبنان وسوريا والأردن من جهة ثانية، إضافة إلى ملوحة المياه وتلوثها وارتفاع معدلات استهلاكها في إسرائيل والأردن بسبب التوسع الزراعي وارتفاع النمو السكاني.
تبدأ مؤامرة استثمار مياه الأردن وروافده عندما منحت وزارة المستعمرات البريطانية عام 1921 امتيازات هامة للمهندس اليهودي الروسي «بنحاس روتنبرغ» لاستثمار مياه الأردن وروافده، واحتكار توليد الكهرباء منها لمدة 70 سنة.
وبذلك حرم الأردن من الاستفادة من مياه النهر إلا باذن من «روتنبرغ».
وبرزت بعد ذلك عدة مشاريع لاستثمار وادي الأردن منها:
- مشروع استصلاح الحولة
- مشروع تنقية اليرموك
- مشروع Lowder Milk وادي الأردن
- مشروع سافيج Savage
وجميع هذه المشاريع من مبادرات الوكالة اليهودية التي استقدمت المهندسين الأميركيين للدرس مصادر المياه لري فلسطين.
- مشروع إدارر «تانسي فالي» Tennessey Valley بتكليف من وكالة غوص اللاجئين بحيث يكون مجرداً عن الحدود السياسية ويقتصر على الاعتبارات الفنية البحتة.
اولاً: مشروع جونستون:
سنتوقف عنده لأنه الأهم فلقد وضعته إدارة Tennessey Valley وسمّي باسم إيريك جونستون مبعوث الرئيس الأميركي أيزنهاور.
بدأ البحث به سنة 1953، واستمر حتى سنة 1955، واعتمد على الوثائق التالي:
- مصدر بريطاني: تقرير ايونيرس وماكدونالد
- مصدر يهودي: سافيج وهايز
- مصدر من الأمم المتحدة: تقرير بعثة الشرق الأوسط.
وتقوم أسسه على أحد فرعين ضخمين:
(1) المشروع الأول: ويتناول موضوع الري ويقوم على إنشاء ثلاث قنوات.
القناة الأولى: تجمع المياه المنحدرة من نهر الحاصباني في لبنان ونهري بانياس والدّان في سوريا، وتل القاضي لتسقي منطقة الخليل وبيسان ويبلغ طولها 120 كيلومتراً، ويبلبغ استيعابها 14 متر مكعب في الثانية.
القناة الثانية: وتنشأ على الضفة اليسرى من نهر الأردن بطول 120 كيلومتراً وبتصريف 16 م3 بالثانية. وتأخذ المياه من نهر اليرموك ومن بحيرة طبريا.
القناة الثالثة: تنشأ على الضفة اليمنى من نهر الأردن وتمتد من بحيرة طبريا إلى أريحا بطول 100 كيلومتر وتصريف 13 م3 بالثانية.
أما سهل الحولة، فيجفّف ويروى من ينابيع عديدة تقع على الجهتين الشرقية والغربية من منخفض الأردن ولا يغفل مشروع جونستون الأودية الثانوية لتخزين مياه الشتاء، كما يذكر إرواء 30 ألف دونم من مياه اليرموك في منطقة مزيريب في سوريا حيث البحيرة الشهيرة بتربية الأسماك.
(2) المشروع الثاني: مشروع القوى الكهربائية:
يشير هذا المشروع إلى إنشاء سدّين كبيرين لتخزين المياه الشتوية/ الأول على نهر الحاصباني، والثاني على نهر اليرموك في محلة المقارن.
كما ويشير المشروع، إلى وجوب موافقة وتعاون جميع الدول صاحبة العلاقة ليصبح جاهزاً للتنفيذ.
ليس للبنان من مشروع جونستون أية فائدة. كذلك سوريا التي رفضت المشروع لأنه يأخذ مياه بانياس بكاملها لتصب في قناة الري الإسرائيلية.
وحده الأردن يستفيد من المشروع لري 490 ألف دونم من الأراضي الزراعية.
أما خطورة المشروع على البلدان العربية، فهي وإن كان الأردن وإسرائيل يستفيدان بالتساوي منه فإنه يقضي باقتصار استعمال المياه على الأراضي الواقعة ضمن الحوض الطبيعي للنهر، كما يقضي بأن تكون بحيرة طبريا الخزان المنظم لمياه نهري الأردن واليرموك تحت إشراف الدول العربية.
إلا أن جونستون لم يراع هذين الشطرين، وبقي مشروعه يتعرض للضغط الأميركي والصهيوني إلى أن عدّل عدة مرات تصبّ كلها في صالح إسرائيل. وليزيد بمجمله في قدرة الكيان الصهيوني من الوجهات الصناعية والزراعية والاجتماعية.
ثانياً - المشروع اليهودي وخطوطه الرئيسية:
رفضت إسرائيل مشروع جونستون وتقدمت سنة 1954 بمشروع جديد لاستثمار موارد المياه، عرف بمشروع «كوتون» نسبة لواضعه المهندس الأميركي جون كوتون مستشار الحكومة الإسرائيلية.
ويشير هذا المشروع إلى وجوب إدخال فائض مياه الليطاني. ضمن موارد حوض الأردن، وفي ذلك ما يفسر أطماع إسرائيل بالجنوب اللبناني. كما يشير إلى إعطاء أولوية المياه لتلك المناطق من سوريا ولبنان والأردن التي تقع ضمن مدى نهر الليطاني، علماً بأن كمية هذه المياه تقدر بـ 2345 مليون متر مكعب، تأمل إسرائيل حسب مشروعها بالاستيلاء على 1290 مليون متر مكعب منها. وعلى أن تشرف هي على مجرى نهر الأردن، مقابل أن يشرف الأردن على مجرى نهر اليرموك، حيث يبنى على القسم الأعلى منه خزان لجمع مياه الشتاء وما زاد عنه يذهب إلى بحيرة طبريا التي تشرف عليها السلطات الإسرائيلية.
ثالثاً - المشروع العربي لاستغلال موارد نهر الأردن:
يستند هذا المشروع إلى استحالة استغلال موارد المياه في حوض الأردن وروافده على أساس إغفال الحدود السياسية بين البلدان المتصلة به.
ولقد رأت اللجنة الفنيّة العربية أن يكون:
1- استغلال نهر اليرموك لأغراض الريّ وتوليد الكهرباء لصالح الأردن وسوريا حسب الاتفاقية المبرمة بينهما سنة 1953، وعدم التخزين في بحيرة طبريا، كي لا يبقى الأردن تحت رحمة إسرائيل.
إضافة إلى ذلك فإن واقع ملوحة بحيرة طبريا تبلغ 300 جزء من المليون بمقابل ملوحة مياه نهر اليرموك البالغة 88 جزء من المليون، من شأنه أن يزيد ملوحة المياه المختزنة في البحيرة، وأن يؤدي إلى ضياع 300 مليون متر مكعب بالتبخر فيما لا يتجاوز هذا الضياع في حال تخزين مياه اليرموك في منطقة المقارن أو وادي خالد، في حوض النهر، عن 15 مليون متر مكعب.
وبمراجعة تصريف مياه نهر اليرموك في مدى عشرين سنة، تبين بأن هذه المياه قد فاضت ثلاث مرات عن سعة تخزين بحيرة طبريا البالغة 830 مليون متر مكعب، وفي كل مرة كانت الكميات الفائضة والضائعة من المياه تزيد على 150 مليون متر مكعب.
وعليه فقد رأت اللجنة بأن ينشأ سدّ تخزيني في حوض النهر (المقارن أو وادي خالد) بسعة 475 مليون متر مكعب، 100 مليون منها ثابتة لتوليد الكهرباء، و375 مليون للسحب السنوي من الخزان بعد احتساب رسوب السطحي في حوض الخزان (25 مليون متر مكعب)
وإضافة إلى ذلك ينشأ سدّ تخزين آخر بالقرب من بلدة العديسة بسعة 60 مليون متر مكعب، وبذلك يكون مقدار ما يمكن سحبه سنوياً من السدّين في حدود 435 مليون متر مكعب. يمكن الانتفاع منه على النحو التالي:
(1) 80 مليون متر مكعب سنوياً لسوريا. لري 80 ألف دونم من الأراضي الزراعية بمحاذاة خزان المقارن (حوران – مزيرب – تل شهاب).
و100 مليون متر مكعب بمحاذاة العديسّة.
(2) 330 مليون متر مكعب سنوياً للأردن.
إضافة إلى إنشاء محطة توليد كهرباء عند موقع سدّ المقارن أو وادي خالد، مع إمكانية إنشاء قناة تجرّ المياه باتجاه الغرب حتى العديسّة ، حيث تنشأ محطة توليد كهرباء ثانية.
2- استغلال مياه الأردن وروافده شمال بحيرة طبريا:
وذلك يسمح بريّ الأراضي الصالحة للزراعة في أحواض الأنهار المذكورة في لبنان وسوريا والأردن.
(1) 35 مليون متر مكعب في حوض الحاصباني في لبنان ومن مياهه تكفي لري ما لا يقل عن 35 ألف دونم، إضافة إلى توليد الكهرباء نتيجة لانحدار مجرى مياه النهر.
(2) 30 مليون متر مكعب من نهر بانياس، لري 30 ألف دونم تقريباً في سوريا.
- 22 مليون متر مكعب لري 22 ألف دونم تقريباً شمالي شرقي بحيرة طبريا في سوريا.
(3) أما حصة إسرائيل فهي التالية:
- 66 مليون متر مكعب لري 78000 دونم في منطقة الحولة.
- 30 مليون متر مكعب في منطقة إيليت لري 30 ألف دونم.
- ري 22 ألف دونم من الآبار الموجود في منطقة وادي دافئيل.
وهكذا ترى اللجنة القيام بالأعمال التالية:
- إنشاء سدّ تخزيني على الحاصباني عند التقاء نهر الأردن.
- إنشاء قناة تجر المياه أمام سد الحاصباني لري الأراضي اللبنانية الزراعية.
- إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على نهر الحاصباني عند قرية «الغجر».
- إنشاء قناة تستمد مياهها من نهر بانياس بغرض ري الأراضي الزراعية، وقد بدأت سوريا في إنشاء هذه القناة.
- إنشاء قناة من مياه نهر بانياس، بغرض ري الأراضي السورية الصالحة للزراعة على يسار نهر بانياس، بمقدار 8 آلاف دونم (8 ملايين متر مكعب).
- تجميع التصريفات الباقية من أنهر بانياس، والدّان، والحاصباني، بعد استقطاع احتياجات لبنان من نهر الحاصباني، وسوريا من نهر بانياس، في قناة تذهب شمالي منطقة الحولة، لتصب مياهها في نهر الأردن، بعد أن تأخذ منها قنوات الري اللازمة لري أراضي إسرائيل بمنطقة الحولة، وهي 78000 دونم (66 مليون متر مكعب كما ذكر أعلاه)، وفي منطقة إيليت (30 مليون متر مكعب كما ذكر أعلاه) وفي منطقة والدي بافنئيل (30 مليون متر مكعب كما ذكر أعلاه).
3- استغلال مياه نهر الأردن وروافده جنوبي بحيرة طبريا:
بعد استقطاع 173 مليون متر مكعب للبنان وسوريا، كما رأينا أعلاه، تذهب باقي مياه النهر إلى بحيرة طبرياً حيث تؤمن ما يلي:
(1) لإسرائيل: 84 مليون متر مكعب لري 114 ألف دونم.
- مساحة 36 ألف دونم في منطقة اليرموك (45 مليون متر مكعب).
- ومساحة 68 ألف دونم من منطقة الغور الغربي (39 مليون متر مكعب).
(2) للأردن:
- استكمال ري أراضي الغور الشرقي (395 مليون متر مكعب) وذلك من خلال سحب 330 مليون م3 من نهر اليرموك للري، والباقي أي 65 مليون م3 من بحيرة طبريا.
وعلى هذا الأساس تكون الكميات اللازم سحبها خلف خزان طبريا:
84 مليون م3 لإسرائيل + 370 م3 للأردن = 545 متر مكعب.
وأخيراً فإن المشروع العربي يطالب باستغلال مياه الوديان والآبار على النحو التالي:
(1) التصرف المستمر بالوديان وهو مستعمل فعلاً للري: 268 مليون م3.
(2) تصرف بالآبار ويقدر بنحو 40 مليون م3.
(3) التصرف بمياه الفيضانات: 74 مليون م3.
أي بما مجموعه 382 مليون متر مكعب سنوياً.
ويقتضي المشروع العربي يتسنّى استغلال الكميات المذكورة باستثناء الفاقد من انسياب نهر الأردن إلى النهر الميت، والتبخر في الخزانات المقترحة والبالغ 75 مليون م3. ما يجعل صافي المياه التي يمكن استغلالها في حدود 1047 مليون متر مكعب سنوياً.
3- حوض نهر النيل:
نهر النيل هو المصدر الغالب للمياه في مصر. وهو ينبع بنسبة 85% من المرتفعات الأثيوبية، فيما ينبع الباقي من وسط القارة الأفريقية.
ولأنه المصدر المائي الغالب فيها فلقد سعت مصر ومن أجل ضمان إمداداتها من المياه إلى الدخول في اتفاقات مع البلدان المعنية بمصادر النيل، فأبرمت سنة 1959 اتفاقاً مع السودان، حدد بموجبه حصتيهما السنويتين منه، كما تضمن تقاسم الخسائر والمكاسب بالتساوي بين البلدين عن طريق مشاريع تنمية المياه ومعالجتها بصورة مشتركة أو عن الاعتراضات والدواعي التي قد تثيرها البلدان الأخرى المعنية بالنهر وتحمل نتائجها مناصفة.
ورفضت أثيوبيا الاعتراف بهذا الاتفاق واعتبرته مخالفاً لمصالحها وعقدت مع الدولتين الموقعتين له عدة اجتماعات لم تسفر حتى الآن عن أية نتيجة إيجابية، بالرغم من ظهور وعي متزايد لضرورة التعاون في مياه النيل المشتركة والحفاظ عليها والاستفادة القصوى من مساهمتها في عملية تنمية اقتصادات الدول المحيطة بها.
أما إسرائيل فلقد توضحت مطامعها بمياه النيل عندما حاولت أن تقنع مصر خلال مفاوضات كامب دافيد بعقد اتفاقية تستطيع من خلالها الاستفادة من نهر النيل وعندما رفض المصريون التجاوب مع هذه المحاولة، توجهت إلى منابع النيل، فأقنعت أثيوبيا بإقامة ثلاثة سدود على «نهر آباي»، أحد روافد نهر النيل، بحة تطوير الزراعة الأثيوبية، فيما الحقيقة هي السيطرة على مجرى مياه النيل باتجاه السودان ومصر علماً بأن حوالي 85% من مياه النيل الأزرق والذي يمرّ في أثيوبيا تذهب للري والزراعة في مصر هذا والمعروف بأن ثماني دول على ضفاف مجرى النيل تطمع في مياهه، ما ينذر بنزاعات سياسية، وربما عسكرية لتحقيق هذه المطامع ويؤكد المطلعون، بأن هنالك طوقاً مائياً يتوقع قيامه بين تركيا وإسرائيل وأثيوبيا، للاستيلاء على المياه العربية التي ستكون في المستقبل أغلى وأعز من البترول.
خامساً: إدارة المياه
يقتضي النظر إلى إدارة المياه، من خلال عنوانين أساسيين، إدارة الإمداد، أي الأنشطة اللازمة لتحديد المصادر المائية، وتنميتها وإدارتها، وإدارة الطلب أي تحديد آليات تعزيز أفضل مستويات وأنماط استعمال المياه إلى جانب الاهتمامات البيئية والطرق التحليلية للتمكن من الاختيار بين البدائل.
وتعكس الحاجة إلى التخطيط المنظم الخصائص الفردية للمياه، لا سيّما طبيعتها المتبدلة والمتكاملة وضرورة التدخل الحكومي في إدارتها بسبب المشاكل الحالية والعلمية والعملية التي تثيرها.
على أن ذلك لا يجوز بأن يعني استفراد الحكومة لكافة جوانب إدارة المياه. فالمفضّل ألا تتسم كافة الأنشطة المهمة بالطابع المركزي. وأن يعهد ببعضها إلى الجماعات المحلية أو الهيئات الخاصة، أو تجمعات المستهلكين التي تتصرف بها على نحو مستقل، كما أنه لا يعني وجوب أن تتولى الحكومة وحدها مسؤولية تحديد الأهداف والآليات، بل على العكس من ذلك، فإن مشاركة أصحاب المصلحة في صنع القرار تعزز المصداقية والشفافية، وتفضي إلى حلول أكثر كفاءة ومرونة وقبولاً شعبيًّا...
1- إدارة الإمداد:
تشدّد الحكومة عادة على هذه الإدارة بوسائلها الذاتية، غير أن الصعوبة المتزايدة في الحصول على مصادر المياه، وتصاعد تكاليف المشاريع الرامية إلى زيادة الإمدادات، أو تخزينها، أو تحويلها، أظهرت عجز الحكومة عن التغلب على مشاكل التمويل والتنفيذ الضخمة ما جعلها تلجأ إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية العامة والخاصة، بآجال طويلة، وبفوائد منخفضة، ويشمل ذلك إضافة إلى التخزين والتحويل البحث عن المياه الجوفية، واستغلالها، بالرغم من عمق مستودعاتها وتكاليفها الباهظة، واحتمالات نضوبها المفاجئ، كما يشمل المصادر غير التقليدية ومنها معالجة المياه المستعملة وإعادة استخدامها، وتحلية مياه البحر، واستيراد المياه المعبأة أو المستقدمة بأنابيب خاصة، إلخ... وهي دائماً أكثر تكلفة من المصادر التقليدية. ولو كان لبعضها، كمعالجة المياه المستعملة، جوانب بيئية يجب أخذها بالحسبان.
أما بدائل الاستثمارات الجدية في حال عدم وجودها، أو تعاظم تكلفتها، فهي الحفاظ على الإمدادات المائية القائمة، وتحسين إدارتها، مهما كانت تكلفتها، وإعادة توزيع الحصص بين الاستعمالات المختلفة (الزراعة – المنازل – الصناعة) تكيّفاً مع شح المياه وفقدان التوازن بين العرض والطلب سيّما وأن تقدير العرض والطلب ممارسة مشكوك بدقتها ومعرضة للتبدل بصورة دائمة، بما يعني أن تحويلات حصة الري الصغيرة يمكن أن تلبي احتياجات القطاعات الأخرى. مع التأكيد على وجوب زيادة الكفاءة في استخدام هذه المياه التقليدية، بحيث يعوّض عن كمية المياه بطرق استخدامها في ضوء التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة، أو بالاستعانة باستخدام المياه المستعملة، ولو كانت مكلفة، في الريّ.
2- إدارة الطلب:
في ضوء صعوبة الحصول على إمدادات مائية جديدة، على الحكومة بأن تركز على نحوٍ أكبر، على إدارة الطلب.
وتشمل إدارة الطلب إجراءات مباشرة، بمراقبة استعمال المياه كالتنظيم والتكنولوجيا، وإجراءات غير مباشرة كتلك التي تؤثر على السلوك الطوعي مثل آليات السوق، والجوائز المالية، والتوعية العامة إلخ...
وتهدف إجراءات إدارة الطلب، مباشرة كانت، أو غير مباشرة، إلى الحفاظ على المياه المتوفرة من طريق زيادة الكفاءة، وفي بعض الأحيان، الإنصاف والعدالة في استعمال هذه المياه.
ومن الطبيعي أن تكون الإجراءات المباشرة صعبة التحقيق، رغم أن إعادة تنظيم الحصص يمكن أن يكون ضرورياً للاستجابة إلى المتغيرات، وكذلك تنظيم نوعية المياه، كما أن التداخلات الفنية مهمة وضرورية جداً لتخفيض هدر المياه أو تبخرها أو تسرّبها بصورة يمكن تفاديها من خلال تحديث أنظمة التوزيع المنزلي والصناعي وشبكات الري.
أما الإجراءات غير المباشرة، ومنها بصورة رئيسية الرسوم المفروضة على المياه والأساليب المالية الأخرى، فإنها ستكون محتمة بسبب ارتفاع تكلفة الفرض البديلة الذي سيحفز على تحسين كفاءة استعمال المياه.
ويقتضي العمل، تدريجياً، على تقريب تسعير المياه من مستويات تكلفتها الحقيقية، واستخدام طريقة الرسوم على أساس حجم المياه المستعملة، ما يؤثر بدوره على تحديد حجم الطلب الحقيقي. ذلك أنه كلما كان من الممكن للمستهلك أن يستخدم المياه مجاناً، أو بكلفة زهيدة، كلما لجأ إلى التبذير والهدر في هذه المادة النادرة، والتي ستغدو عزيزة في المستقبل.
ومن الطبيعي أن تواجه مثل هذه الإجراءات مقاومة شديدة من قبل المستهلكين، إلا أن أهمية إدارة الطلب هي في عدم الرضوخ إلى هذه المقاومة، والتصرف على نحو يقود إلى توازن العرض مع الطلب، تحقيقاً لمصلحة الجميع، ولتوفير المياه لأكبر نسبة ممكنة من المواطنين، مع الاعتراف بأنه سيكون من الصعب توزيع حصص الإمدادات عن طريق آليات السوق، عبر مسافات أطول أو بين القطاعات الرئيسية في المستقبل المنظور على الأقل، وريثما يكون الجميع قد اقتنع بأن مثل هذه الإجراءات هي الوحيدة التي من شأنها توفير إحدى أهم مقومات الحياة وهي المياه.
وكيما تنجح الحكومة، والهيئات المحلية، سواء في إدارة الإمدادات أو إدارة الطلب، لا بد من إيجاد الحلول لبعض القضايا المؤسسية.
وتشتمل هذه القضايا، القوانين والمراسيم، والضرائب، والأسواق وجميع المسائل المتعلقة بها، وهي تحدد، بصورة عامة، ما إذا كان ممكناً تحقيق الأهداف العملية من هذه الإدارة.
ولا شك بأن معالجة هذه القضايا يتعيّن بأن تتم على الصعيد الوطني، مع الأخذ بالاعتبار المعاهدات الدولية المتعلقة بموارد المياه المشتركة كي تكون إدارتها نافذة ومستمرة الفعالية.
وعلى الحكومة مستعينة بهيئات المجتمع الأهلي وأصحاب الخبرة والاختصاص. وجماعات المستهلكين أن تضع جدول أولويات بتحديد الحصص، والحقوق، والمعايير، ورفع وتعزيز الكفاءة الإدارية، بعيداً عن الترتيبات المجتزأة، في ظل بيئة تسودها الاستعمالات المتنافسة، والحلول المعقدة، بحيث يجب النظر إليها من خلال إدارة الموارد، وتوصيل خدمات المياه.
وتشمل إدارة الموارد، جوانب السياسة وتحديد الحصص، والجوانب البيئية، وهي أصلاً من مهام الحكومة، على ألّا تكون مركزية الطابع باستثناء قدرات التخطيط التي يجب أن تبقى مركزية، إذ أنه من المستحبّ تخويل تنفيذ جوانب كثيرة للمستويات الإقليمية والمحلية والأهلية.
أما توصيل خدمات المياه، فيشتمل بعضها بالجملة، أو للمستعملين النهائيين، في إطار الري، والمنازل والبلديات والمصانع، ويمكن ذلك من طريق الهيئات العامة أو الخاصة، لكنه ينبغي السعي بفعالية لزيادة المشاركة الخاصة، نظراً لما تمثله من حوافز، لملكية أو الإدارة الخاصة التي توفر الخدمة الفعالة، ذات الجودة، والتكلفة المنخفضة.
ينصح بأن يوكل توصيل الخدمات إلى وكالات مستقلة، أو مرافق تقوم بعملها على صعيد محلي وتوصل خدمات محددة لعملائها مقابل رسم محدد بموافقة الإدارة الحكومية المختصة.
ويجب أن يرتبط كل ذلك بتدريب الموظفين وإخضاعهم إلى دورات علمية ومهنية وتنمية قدراتهم بالحوافز التشجيعية وسواء كانوا في المرافق الحكومية أو في القطاع الخاص.
ويمكن اختصار الاعتبارات الرئيسية التي ترعى مسألة إدارة المياه كالآتي:
1) لا بد من تخطيط منظم يعكس تنمية المياه الكاملة، كمورد هام ومتكامل.
2) يجب وضع الخطط المدروسة والضرورية لتوعية كافة شرائح المجتمع حول أهمية المياه من الوجهتين، الكمية والنوعية.
3) لا بد من اتخاذ الإجراءات التنظيمية لتحديد حصص المياه، وإعادة النظر بذلك في ضوء الشح والتوازن بين العرض والطلب، وذلك مهما كانت الصعوبات الناجمة عن توزيع هذه الحصص.
4) يقضي إشراك أصحاب المصلحة من المجتمع الأهلي في تحديد الأهداف والأولويات ونزع الصفة المركزية عن خدمات توصيل المياه وتوزيعها وإيلاء هذه المهام إلى مرافق مستقلة أو هيئات من القطاع الخاص.
5) ينبغي إيلاء إدارة الطلب دوراً رئيسياً لجهة الإجراءات المباشرة وغير المباشرة، ولجهة الإصلاحات المؤسسية.
6) وفيما يختص بتوزيع الحصص بين القطاعات، يقتضي الأخذ بالاعتبار الميزان المائي بين العرض والطلب، والضرورات الغذائية والصحية والاقتصادية.
7) واستكمالاً لذلك، يتعين تحسين كفاءة استخدام المياه بضبط هذا الاستخدام، وإدخال التكنولوجيا الحديثة في لجم الهدر والتبذير واللجوء عند الحاجة لمعالجة المياه المستعملة وإعادة استخدامها.
8) بذل الجهود اللازمة بغية التوصل إلى اتفاقات دولية عادلة وثابتة بشأن المياه المشتركة بين أكثر من دولة، لإضفاء طابع الجديّة والثبات والاستمرار على أية سياسة تقدم عليها الحكومة في إدارة مصادر المياه سواء كانت ذاتية، أو بالمشاركة مع دول أخرى.
9) لا يجوز قصر النظر إلى المياه على الجانب الكمّي ويقضي إيلاء الجانب النوعي الأهمية الكلية، بعد أن احتل الموضوع البيئي أهمية كونية لا يجوز إغفالها مع العلم المسبق بضخامة متطلباته التقنية والمالية.
ذلك أن المياه هي وسط بيئي حيوي بالنسبة لصحة الإنسان ورفاهيته، تدهورت نوعيته وبات يمثل مشكلة خطيرة في معظم بلدان العالم، بعد أن تعرض لشتى أنواع التلوث الناجم عن المصادر التالية، سرداً، لا حصراً.
أ- المياه البلدية غير المعالجة الناتجة عن المراحيض والمجارير، والمياه المستعملة في غسيل المواد البرازية والنفايات المتسربة إلى المجاري المائية.
ب- المياه الصناعية المستعملة وغير المعالجة التي يتم تصريفها في شبكات المجاري البلدية أو في المجاري المائية مباشرة.
ج- التسرب من مواقع طمر النفايات.
د- التسرب والجريان السطحي للمواد الكيمياوية الزراعية غير القابلة للتحلل البيولوجي إلى المجاري والمياه الجوفية.
هـ- اقتحام مياه البحر لمخزونات المياه الجوفية الساحلية.
هذه هي الثروة المائية في واقعها وإدارتها ومرتجاها.
لقد حاولنا أن نجمع الشمول إلى التبسيط، ونأمل في أن نكون قد بلغنا الهدف، معترفين بأن الإحاطة بهذه الثروة، وتنظيمها، واستثمارها، وفقاً للطرق والأساليب الحديثة، وبما يتّفق مع مصلحة لبنان الزراعية والوطنية مستحيلة على الفرد، مهما بلغ طموحه، وتنوَّعت ثقافته..
والواقع الذي لا مجال للتهرّب منه أن ندرة المياه والحاجة المتعاظمة إليها في المستقبل، وهمّ لبنان في انتهاج سياسة أمنٍ غذائية تقيه من عسر الحصول على حاجته إليها وارتفاع نفقاتها، وتجعل من لبنان، كما باقي بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط أمام استحقاقات خطيرة تستأهل الانكباب على دراسة موضوع المياه من جميع جوانبه الفنّية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية... وذلك على الصعيدين الوطني والإقليمي لما هناك من تكامل وفرص تعاون.
ومن هذه الزاوية، أرجو أن تكون محاولتي مؤذنةً بولوج باب عريض، وإيقاظ أهل الهمم من أهل العلم والخبرة والمعرفة ليتكاتفوا ويتعاونوا للاهتداء إلى أفضل سياسة مائية في هذا البلد الذي يحتاج إلى جهود الجميع لإيجاد الحلول لمشاكله الكثيرة والمزمنة.
ملحق:
الأرقام التقريبية المتوفرة حول الموارد المائية في لبنان والدول العربية، والعالم
أولاً: في العالم
1- تقدر كمية المياه في العالم بـ
1386 مليون مليار متر مكعب
97% منها مالحة
2.5% عذبة، وتنقسم إلى
28.9% جوفية
68.8% مجمّدة
0.3% متجردة
0.9% مستنقعات
- حصة المياه الجوفية في العالم 410000 مليار متر مكعب (10 أضعاف المياه السطحية)
- وتغذيتها السنوية: 2200 مليار متر مكعب.
2- وكمية المياه المتجردة هي قرابة 24700 مليار متر مكعب.
3500 منها في آسيا
12000 في أميركا الجنوبية
3000 في أوروبا....
أما استهلاك الموارد المائية العالمية فهو 3225 مليار متر مكعب.
3- أما نصيب الفرد فهو: 83000 م3 في أوستراليا
57000 م3 في آسيا
179000 م3 في أميركا الشمالية
4240 م3 في أوروبا
3970 م3 في أفريقيا
متوسط نصيب الفرد في العالم هو في انخفاض مستمر بسبب الانفجار السكاني:
12300 م3 في سنة 1960
7600 م3 في سنة 1973.
ثانياً في العالم العربي:
1- حجم الموارد المائية المتجددة /245/ مليار متر مكعب
17000 م3 في الكيلومتر الواحد بمقابل
217000 م3 في العالم.
2- المياه السطحية داخل الحدود العربية (54%) - الباقي مشترك مع غير الدول العربية (46%)
3- المياه الجوفية: يبلغ مخزونها: 7734 مليار متر مكعب
أما التغذية السنوية فهي حوالي 42 مليار متر مكعب
وأما المتاح منها للاستغلال فهو حوالي 35 – 40 مليار متر مكعب
4- مصادر المياه غير التقليدية (تحلية المياه – إعادة استخدام المياه العادية...)
يقدر إجمالي هذه الموارد بـ 7.6 مليار متر مكعب.
5- توزيع مصادر المياه العربية
- 35% منها في مصر والسودان (85 مليار متر مكعب)
- 24% في العراق
- 7.5% في سوريا والجزائر.
علماً بأن 40% من الكمية يأتيها من أنهر مشتركة (النيل – دجلة – الفرات – الأردن – الحاصباني – الوزاني).
6- كيفية توزيع استعمالات المياه في العالم العربي
الاستعمالات الواقعية 157.7 ميار متر مكعب
في المجال الزراعي 143.3 مليار متر مكعب (91%)
في المجال المنزلي 8.4 مليار متر مكعب (5%)
في المجال الصناعي 6 مليار متر مكعب (4%)
إن المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية تقوم بمهام ومسؤوليات إدارة الموارد المائية العربية عبر عشرات من الندوات التدريبية بدأت سنة 1993، وتتناول:
- ترشيد استخدام المياه في الزراعة
- نشر طرق الري الحديثة
- تأهيل الخبرات البشرية العربية العاملة في مجال إدارة الري ونشر استخدام تقانيات الرصد الجوي الزراعي.
ثالثاً: في لبنان (أرقام سنة2004):
1- كمية المياه المتجددة: 4 – 9 مليارات متر مكعب
- 50% منها يذهب من طريق التبخّر.
- 50% من الباقي يتسرّب إلى الطبقة الجوفية.
والباقي إلى الأنهر والينابيع (عدد 15 – 12 منها في السفوح الغربية و3 أنهر داخلية العاصي، الليطاني، الحاصباني)
- مجموع الأنهر يشكل 27 – 30% من الموارد المائية اللبنانية.
2- استخدام المياه في لبنان:
(1) في الحاجات الزراعية 800 مليون م3 قد تصبح 2000 مليون إذا ما ارتفعت المساحات المروية إلى 200 ألف هكتار.
(2) في الحاجات المنزلية 400 مليون م3 قد ترتفع إلى 500 و600 مليون خلال عشر سنوات (معدل 1000 م3 للفرد)
(3) الحاجات الصناعية 200 – 300 مليون م3 قد ترتفع إلى 300 مليون م3 بسبب النمو الصناعي
وذلك يعني بأن المياه المستخدمة حالياً في حدود 1400 مليون م3 وقد تصبح بعد عشر سنوات 2800 – 2900 مليون
3- المساحة الحالية المروية في لبنان (إحصاءات الفاو): 118.5 ألف هكتار (48.5% أشجار مثمرة – 36% خضار – 19% نجيليات)
- المساحة المروية والمزروعة في البقاع (وفقاً للإحصاءات عينها) و56000 هكتار
- المساحة المزروعة في البقاع 98707 هكتار
في الشمال 68800 هكتار
في الجنوب والنبطية 62300 هكتار
في الجبل 31000 هكتار
4- إن هذه الأرقام تقابلها إحصاءات أخرى حيث يتبين بأ،
- المساحة المرويّة في لبنان هي 87500 هكتار، وليس 118 ألف هكتار.
- وبأن هذه المساحة تنقسم إلى فئتين.
- 67500 هكتار تروى بصورة دائمة (عشرون ألف هكتار منها بواسطة المياه الجوفية)
- 20000 هكتار تروى بصورة موسمية ربيعية
- أما المساحة المروية في البقاع فهي في حدود 28300 هكتار (10000 هكتار منها بواسطة المياه الجوفية).
5 – 10% من الأيدي العاملة اللبنانية تعمل في الزراعة
بعد أن كانت هذه النسبة تبلغ 38% سنة 1969.
6- السياسة المائية المتبعة في لبنان الآن:
- المحافظة على الموارد الطبيعية
- رفع إمكانات استثمارها بالتخزين
- ترشيد وإدارة الموارد وتسعيرها. وتأمين استمراريتها
وذلك من خلال المشاريع التالية:
(1) المشاريع الممولة من قبل الحكومة
أ- ترميم وتأهيل المنشآت سنوياً، بحيث يرفع الضرر عن المزارعين، وتراعى إمكانية التمويل الذاتي.
ب- على المدى البعيد: الخطة العشرية (36 مشروعاً)
- سد العاصي 30 – 35 مليون م3 لري 6000 هكتار بالجاذبية والضخ سنة 2007
- سد نور الكبير 60 – 70 مليون م3 لري 10000 هكتار
- سد تحويلي متحرك على نهر اسطوان 10000متر مكعب لتظيم الري في سهل عكار
- تنفيذ بحيرة اليمونة 1.5 مليون م3
تبلغ تكلفة الخطة العشرية 1100 مليار ليرة لمدة عشر سنوات. وتشتمل على 36 مشروعاً.
2- المشاريع الممولة بموجب قروض خارجية
(1) مشروع تأهيل وتحديث قطاع الري في لبنان، تمويل البنك الدولي للإنشاء والتعمير (سنة 1999)
- مشروع ري القاسمية 3800 هكتار
- مشروع ري البقاع الجنوبي 2000 هكتار
- مشروع اليمونة 5600 هكتار
- مشروع الضنيّة 5000 هكتار
- مشروع عكار البارد 800 هكتار
- 17 مشروعاً صغيراً 11000 هكتار
(2) مشروع البروتوكول الفرنسي اللبناني (5/4/96) بقيمة 500 مليون فرنك = 1200 هكتار
- نبع الفاكهة
- نبع الرعيان
- ينابيع وادي نحلة.
(7) مشاريع الري – المصلحة الوطنية لنهر الليطاني:
- مشروع ري الجنوب: 17000 هكتار
- مشروع سدّ الخردلي: 128 مليون م3: 12000 هكتار (6600 هكتار جديد)
- المناطق المروية حالياً:
مشروع ري القاسمية ورأس العين 4000 هكتار
المياه الجوفية 4000 هكتار
- مشروع ري البقاع الجنوبي
21500 هكتار
5600 شمال طريق الشام
9200 غربي جنوبي الليطاني
8600 شرقي جنوبي الليطاني.
وأخيراً الخطة الرامية إلى تأمين المياه حتى سنة 2030
سنة 2003 سنة 2030
الحاجة لمياه الري 900 مليون م3 1800 مليون م3
الحاجة لمياه الشفة 500 مليون م3 975 ميون م3
الحاجة للصناعة 150 مليون م3 293 مليون م3
إن حجم التخزين المتوقع هو 885 مليون متر مكعب بما فبه بحيرة القرعون (160 مليون متر مكعب) وان الميزان المائي لسنة 2030 هو التالي 1660 مليون م3 إضافةً الى تخزين 858 مليون م3
ولد نبيه غانم في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.
حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.
شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.
كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.
الى جانب الوظائف الادارية، عمِل غانم في مجال التدريس الجامعي، فعمل كأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية من العام 1978 حتى العام 1995، وكأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الزراعة بجامعة القديس يوسف من العام 1978 حتى تاريخه، اضافة الى تدريسه مادة الاقتصاد الزراعي في كلية الصيدلة في الجامعة اليسوعية منذ عام 2003 حتى تاريخه. كما عمِل غانم كأستاذ زائر بمادة الاقتصاد،في معاهد الدراسات الزراعية العليا في "" ايطاليا ، "" اليونان، و"" فرنسا، خلال فترة عضويته في منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر الابيض المتوسط من العام 1985 حتى العام 1993.
للدكتور نبيه غانم مؤلفات كثيرة منها، المشكلة السكرية في لبنان عام 1966، الزراعة اللبنانية وتحديات المستقبل عام 1972، التسليف الزراعي في خدمة التنمية عام 1984، الزراعة اللبنانية بين المأزق والحل عام 1998، مشروع قانون الزراعة عام 1996، خطة "التنمية الزراعية" للبناني عام 2009، و مشروع بحيرة الليطاني السياحي.