بدأت دول أوروبّية ضالعة في تدبير المؤامرة الكونية ضدّ سورية بقيادة أميركية وعربيّة الإعداد لخطة التعامل مع مواطنيها بعد عودة هؤلاء من ميادين «الجهاد» إلى الدول التي يحملون جنسيّتها.
لم يعد مفيداً القول إنه كان الأَوْلى بتلك الدول التحسّب لذيول ذهاب أدعياء الجهاد من حملة جنسياتها الى الأرض السوريّة قبل مغادرة هؤلاء أراضي أوطانهم وليس بعدها؟!
ربما يختصر مأزق البلدان المصدّرة للعصابات المسلحة بسؤال أساسي: لماذا يشارك فرنسيون، وبريطانيون، وبلجيكيون، وسويديون وآخرون في معارك لم تعلن دولهم الحرب ضدّ الجمهوريّة العربيّة السوريّة، ولم تحشد للحرب جيوشها النظاميّة؟
الجواب القاسي هو بين مدى اعتبار «الجهاديين» أنفسهم مواطنين موالين لـ»هوّيّة» وطنيّة، هي هويّة البلدان التي يحملون جنسيّتها، ومدى اعتبارهم أنه يتقدم على أي جنسيّة وهو الدين الذي ينتمون إليه بل المذهب والمعتقد؟!
ثمّة مذاهب متعدّدة ضمن الدين الواحد… وثمة مدارس دينية تعلّم نقيض ما تعلّمه مدارس أخرى، وكثيراً ما يكون بين التعاليم الإيمانية النقيّة والتعاليم «التكفيريّة» خطوة واحدة، إذا مشاها المرء يصبح في حضن أسامة بن لادن، أي في حضن الإرهاب المروّع، حيث لا يعود للحرية مكان، ولا للسلام، أو للتكامل، أو للتنوّع، أو للآخر، والآخر هو كلّ من ليس مبايعاً لـ»شريعة» أو لـ»لخلافة» معينة.
باسم الدين يرتكب «خوارج» هذا العصر الفظاعات، وباسم «المعتقد» و»المدرسة» يُراد للعالم أن يعود الى ما قبل الديانات السماوية، ما قبل المسيحية والإسلام، الى ظلمة كهوف الجهل، حيث لا يوجد فكر، ولا علم، ولا وعي، ولا حضارة، ولا إنسانيّة، بل وحشيّة مطلقة.
ما ينبغي للعالم أن يفهمه هو أنّ الإرهاب التكفيري لا يعترف إلا بمن كان مطابقاً له. وأنّ كلّ من لا يتطابق معه بالكامل دمه مهدور ويحلّ قتله مرضاة للايمان «البدعة» الذي يعتبر الآخر عدوّاً كافراً!
ما يجب أن تفهمه الدول الخائفة من مواطنيها المقاتلين في سورية هو أنّ هؤلاء لا يشعرون بانتمائهم إليها، ولا يقيمون وزناً لجنسيّة البلدان التي انطلقوا منها، ولا لهويّتها الوطنية، لأنّ هويتهم الوحيدة هي الإرهاب، ولا شيء إلاّ هذه الهوية التي عبّرت عن نفسها عبر مسلسل الحوادث المأسويّة، والفاجعة التي بدأت في مطلع هذا العصر.
يوم تعرّض برجا التجارة في نيويورك للعمل الإرهابي الذي دبّرته «قاعدة» بن لادن، اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية أنها ليست قلعة أمنيّة محصّنة وبعيدة عن الجغرافيا المضطربة في عدد من أنحاء العالم. فوجئت إدارة السيّئ الذكر جورج بوش الإبن بأنّ أفغانستان جوار ملاصق وليست إحدى دول القارة الآسيوية البعيدة، وبأنّ الأمن القومي الأميركي هو في متناول يد نظام طالبان وتنظيم «القاعدة».
على سبيل الانتقام للكبرياء الأميركية والصحيح استكبارها شنّت اميركا مدعومة بحلف «الناتو» الهجوم على أفغانستان فقاتلت «التنظيم والنظام» لـ»أجل عالم أفضل وأكثر أمناً» الكلمة الشعارية، بل الكذبة الكبرى التي ردّدها جورج بوش مئات المرات.
مشهد الأمن في العالم بات شديد الوضوح بصيغته المتفجرة، ممتدّة من أقاصي آسيا حتى المغرب العربي مروراً بالقارة الأفريقيّة الآخذة في الاشتعال، حيث «القاعدة» متفرّعة الى مسمّيات حركية إرهابية عديدة تضرم نار الفتنة الطائفية والمذهبية في كلّ مكان متاح، وسط آفاق مفتوحة وحدود «سيادية» هشّة سريعة الانهيار.
بالأمس القريب شاهدنا في العراق غزوة «داعش» لعدد من محافظاته غزوة وحشيّة برّرها أصحابها بذريعة الجهاد، فقال أحدهم وهو غير عراقي وغير عربي: «إن الجهاد مطلوب في كلّ مكان وزمان، ويجب تحرير بلاد المسلمين من المحتلين الغزاة حيثما كان هؤلاء».
أين تبدأ بلاد المسلمين وأين تنتهي؟ إنّ العالم كلّه أصبح قرية تضمّ أبناء الديانات السماوية جمعاء؟ فَمنْ هم الغزاة المحتلّون؟ هل هم مثلاً أهل الأرض السورية وأبناؤها وحماة ثغورها وعضد المقاومة النقية، أم أولئك الذين ليس بينهم وبين الحرية والحضارة أي سلام وكلام، ولا سابق معرفة على الإطلاق؟!
قد لا يتمّ غداً القضاء على الإرهاب بمختلف مظاهره ومسمّياته، وبالوسائل كلّها! وقد تطول عملية اجتثاث جذوره، غير أنّ العالم يبدو الآن مقتنعاً بحتمية هذا الخيار لحماية مصالحه وحضاراته وأمنه وسلامه، فإذا ما لم يفعل فإنّ قيَم السماء جميعاً وشرائع الإنسان وحضاراته ستظلّ مهدّدة بأخطار أبشع وحش عرفه التاريخ، هذا الذي توافق مجتمع الإنسان على تعريفه باسمه المرعب: الإرهاب…