دقّ الإرهاب باب الضاحية الجنوبية مجدّدًا بعد غيابه لأشهر ودخل كعادته دون استئذان ليعيد الى الاذهان مشاهد "قرف" اللبنانيون منها وتعبوا. هي مشاهد الدماء والاشلاء والدمار والفوضى نفسها في كل مرة، والتي يسببها أصحاب فكر شيطاني مقيت في محاولة منهم لافتعال الفتن المذهبية، أو ربما إشباعًا لرغبتهم المريضة بسفك دماء الابرياء.
هذه المرة تمّ اختيار منطقة الشياح لتكون مسرحًا لاجرام الارهابيين، الامر الذي يذكرنا بما أدلى به الموقوف نعيم عباس منذ فترة عن وجود مخطط لاستهداف هذه المنطقة تحديدا لجر اهلها نحو رد فعل يؤدي الى احداث مذهبية.
وقع التفجير الانتحاري منتصف الليلة الماضية قرب حاجز للجيش اللبناني على المدخل الشمالي لجادة هادي نصر الله، ومقابل مقهى "ابو عساف" الغني عن التعريف في تلك المنطقة، ونتج عنه سقوط شهيد واحد هو العنصر في الامن العام اللبناني عبد الكريم حدرج، و20 جريحا خرج معظمهم من المستشفيات التي نُقلوا اليها بالاضافة إلى تضرّر أكثر من 30 سيارة و6 مبانٍ سكنية وعدد من المحال التجارية.
نام اللبنانيون على خبر تفجير لم يحقق هدفه، لا بخلق فتنة ولا بقتل ابرياء، ولكنهم استيقظوا على خبر استشهاد عبد الكريم حدرج صاحب الواحد والعشرين عاما، وهنا تشير المعلومات إلى أنّ حدرج هو من اشتبه بالسيارة المفخخة وأوقفها برفقة زميله في الامن العام علي جابر، وبقي برفقة السائق بعدما أرسل جابر نحو حاجز الجيش اللبناني لابلاغه بالاشتباه بالسيارة لاجراء المقتضى، إلا أنّ الانتحاري كان أسرع وفجّر نفسه فاستشهد حدرج على الفور بينما أصيب جابر بشظية دخلت فخذه.
بعد اقل من 12 ساعة على التفجير، ورغم رائحة الدماء التي ما زالت تعبق في المكان، عاد رواد مقهى ابو عساف إلى طاولاتهم لشرب القهوة. وهنا يقول صاحب المقهى عباس عساف لـ"النشرة": "الحمد الله ان الاضرار اقتصرت على الماديات وكما يشاهد الجميع، عاد الزبائن الى المقهى رغم عدم الانتهاء من اصلاح ما تضرر وهذا دليل على محبة الناس وارادتهم القوية". ومن جهته يشير قاسم وهو احد رواد المقهى الى "ان ارادة الحياة اقوى من ارادة الموت ولن يخيفنا ارهابهم ولن يمنعنا من الخروج من المنزل".
اما بالنسبة للمحال التجارية القريبة فبدأ اصحابها بعملية رفع الانقاض، تماما كما يفعل اصحاب الشقق المتضررة. وفي هذا السياق يقول ابو أحمد: "لن ينجحوا بافتعال فتنة فنحن لن نفرق بين مسلم واخر وبين لبناني واخر، وكل ما اريد قوله هو الله لا يوفق المجرمين". اما محمد الموسوي فيؤكد على متانة العلاقة بين ابناء المدينة الواحدة ويشدد على ان ابناء منطقة الشياح افشلوا مخطط الارهابيين بافتعال فتنة.
ساهم الشهيد عبد الكريم حدرج بفضل وعيه ويقظته، بإنقاذ الضاحية الجنوبية من مأساة كادت ان تقع لو استطاع الانتحاري الدخول الى قلب منطقة الشياح، ويبقى ان تساهم الاجهزة الامنية اللبنانية ايضا عبر التنسيق فيما بينها، بمنع الارهابيين قدر المستطاع من تنفيذ مشروعهم، وبحماية لبنان من اي مخطط شيطاني رُسم او قد يُرسم له في المستقبل القريب.
تقرير محمد علوش
تصوير فوتوغرافي محمد سلمان (الألبوم الكاملهنا)
تصوير تلفزيوني علاء كنعان