عاد الأمن المتفجّر ليطغى على سائر الاهتمامات على كثرتها وخطورتها في ظلّ تفشي ظاهرة الخلايا المستيقظة حديثًا بعد ركود دام لفترةٍ من الزمن، وبالتزامن مع هجمة "الدولة الإسلامية في العراق والشام - داعش" في العراق ونجاحها في إعادة الحياة إلى شرايين التنظيم التكفيري.
وبمعزل عن المواقف والبيانات الداعمة والتبريرات الباطلة التي تشرّع الارهاب وتبيح دماء اللبنانيين وأرزاقهم وحياتهم اليومية، يطرح مصدر متابع علامة استفهام كبيرة حول التداعيات التي يمكن أن تحدث في حال تمكّن أيّ إرهابي من تفجير هدف استراتيجي أو تحقيق مجزرة وسط تجمع شعبي أو شبابي، فهل عندها سيتمكن أحد من الحؤول دون الانزلاق الخطير؟ وهل يمكن بعدها ضبط الامور والتداعيات؟
سؤالٌ مشروعٌ، بحسب المصدر، خصوصًا أنّ مؤشراتٍ خطيرة بدأت تلوح في أفق المنطقة تدلّ على أنّ اللعبة وصلت إلى مرحلةٍ خطيرةٍ للغاية، حيث سقطت المحظورات وأصبحت اللعبة مشرعة على الاحتمالات كافة بما بسقط مقولة المظلة الامنية الدولية او الخارجية فالخلايا فقدت الكثير من حنكتها المعروفة بفعل الضغط عليها وهذا يعود بحسب القراءة الاستراتيجية إلى عدّة أسباب أبرزها ضغط الوقت والتوقيت لربط الأزمة اللبنانية بتداعيات العراق وسوريا في محاولة جادة ومستميتة لكسر الطوق الإيراني الممتدّ من طهران مرورًا ببغداد وانتهاءً بلبنان استباقا لما ستحققه إيران من اتفاقها مع الغرب وأميركا على ملفها النووي، وهذا ما يبرّر حدوث ثلاثة انفجارات في غضون خمسة أيام، وكلها جاءت عرضية وبأضرار محدودة نسبيًا بفعل ضغط السرعة والتنسيق، مرورًا بالأثمان الدولية المطلوبة لوقف زحف "داعش" باتجاه المملكة العربية السعودية والأردن وسائر الدول العربية والخليجية، وليس انتهاءً بعدم القدرة على التراجع في المواقف بعد أن تحوّلت إلى سياسات شخصية بعيدة كلّ البعد عن المنطق السياسي أو الاقتصادي المتحكم بخيوط اللعبة الاقليمية التي تستند بأساسها إلى منظومة الطاقة ومردودها المادي.
في هذا السياق، يصحّ توصيف الوضع الراهن بالسباق المحموم بين التفجير والقضاء على الخلايا الارهابية، فصحيحٌ أنّ الظروف تلعب دورها في الحرب على الارهاب، ولكن فشل المحاولات الثلاث الاخيرة ليس من باب الصدفة إنما هو حصيلة تنسيق بين الأجهزة الأمنية من جهة وبينها وبين أجهزة مخابرات خارجية من جهة ثانية أدّت إلى التضييق وعليها ودفعها إلى التسرّع والكشف عن ذاتها، فعلم مكافحة الارهاب يقوم على قاعدة معلومات مشتركة أولاً ومراقبة حثيثة تبدأ من معلومات أولية وتتطوّر باتجاهاتها المتشعّبة، وأخيرًا ضبط الحدود من خلال تبادل معلومات بين الدول التي ينطلق منها هؤلاء، وتلك المنوي تنفيذ عمليات فيها.
ما يعزز هذا الاعتقاد ويؤكده هو لجوء الخلايا إلى الفنادق والشقق المفروشة دون سواها ما يعني بأنّ إقامتهم في لبنان لم تكن منذ فترة طويلة، كما أنّ هذه الخلايا متصلة بأخرى مشغلة في الداخل وهي تعتمد على سرعة التواصل والحركة والربط بين الهدف والمستهدف خصوصًا أنّ تنفيذ عمليات انتحارية يحتاج أولا إلى متطوّعين عقائديين وملتزمين بعقيدة فكرية أو دينية تكفيرية تبيح الانتحار وهذا ما ينطبق على الانتحاريين الأخيرين أكان لجهة الانتماء الديني أو حتى الدولة المصدرة وهي قادرة على الحد من الظاهرة لو أرادت فعلا لا قولا.