لم تعد الصورة غير المرئية في العلاقة بين سعد الحريري وميشال عون تخيف الكثيرين، فالقلق الذي اصاب الآذاريين منذ ان انطلقت المفاوضات بين زعيمي الرابية والمستقبل بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً ليحل محله الارتياح وبحيث عادت الابواق الآذارية تقول مصادر مقربة من التيار الوطني الحرّ الى تكرار اللازمة نفسها في «كره» عون ومحاربته سياسياً والى الترنيمة ذاتها التي طبعت مسيرتها نحو عون بعدما كانت مرت بمرحلة صمت القبور عندما كانت الرسائل الودية بين الرابية وباريس تتطاير في كل الاتجاهات، فالواضح ان الحريري في تصريحه الأخير تعقيباً على زلة اللسان العونية حول أمنه واستعداد عون لتوفير الضمانة الأمنية له فيما لو اصبح رئيساً اعاد البريق الى الحياة السياسية لـ14 آذار بعدما كانت الأعصاب والانظار شاخصة الى ما يدور بين الرابية والمستقبل في حمأة الانتخابات النيابية وبعدما استلزم الأمر والعشق الذي انطلق بين الحريري وعون زيارة شخصية من رئيس القوات الى حليفه السني في باريس في حشرة الجلسات الانتخابية وقبل ان تدخل البلاد في الفراغ والى الزيارة الأبرز لوليد جنبلاط التي كان لها سحرها القوي في بلورة الأمور وكشف القناع عن النوايا الحريرية تجاه الرابية. فزيارة جنبلاط تضيف المصادر بما لها وعليها فعلت فعلها واذا كان سمير جعجع استطاع في لقائه البرايسي ان ينتزع تجديداً له عقب الجلسة الانتخابية الخامسة فان زيارة جنبلاط حسمت الخيارات الحريرية بتأكيد الحريري للزعيم الدرزي انه لن يقبل بميشال عون مرشحاً توافقياً بعدما رفضه السعوديون وحلفاؤه المسيحيون.

حتى الساعة لا يملك العونيّون الكثير لقوله تعقيباً على موقف الحريري «لعل الجنرال» يأخذ على عاتقه توضيح المسألة وتفسيرها اكثر، ولا يملك الكثير منهم فكرة عن نتائج محادثاتهم مع زعيم المستقبل وثمارها والى اين وصلت مفاوضات رئيس الاصلاح والتغيير، والى تحديد من الرابح والخاسر في جولة المفاوضات التي بدأت قبل بضعة أشهر والتي حيرت وادهشت الرأي العام خصوصاً ان الزعيمين طويا صفحة عدائية كبيرة، فلم يعد عون ضيف الافتتاحية الاخبارية الهجومية لاعلام المستقبل، وتراجع التيار الوطني الحر عن مساءلة المستقبل لا بل كاد يعطيه صك براءة عن المرحلة الاقتصادية والمالية السابقة وربما ضاع الإبراء غير المشروع الذي استلزم تحضيره سنين طويلة اقام دراسات معقدة.

التفاصيل لما حصل في الخلوات المغلقة وخلف الجدران هي لدى الحريري وعون انفسهما، ولكن ذلك لا ينفي حالة الصدمة لدى فريق من العونيين بدا من الأساس غير مقتنع بالمحادثات بين الطرفين، فلدى هؤلاء علامات استفهام حول ما حصل وما الذي جعل عون ينفتح بهذا الشكل على سعد الحريري. فالواقع ان حواراً متشعباً يدور في الغرف العونية المغلقة حول المكاسب التي جناها زعيم الرابية حتى اليوم من علاقته الجديدة والتي انتهت مؤخراً على نتيجة ان الحريري ابلغ عون بطريقة مباشرة بانه غير قادر على تبني ترشيحه طالما لم يفعل حلفاؤه المسيحيون، وطالما ان القرار الملكي السعودي لا يصب في مصلحة ترشيح عون بعد، وطالما ان الحريري لا يحتاج الى ضمانة امنية لا من عون او اي احد آخر، بالنسبة الى المتشددين من العونين فان نتيجة المفاوضات وصلت الى مرحلة «لا شيء» حتى الآن، لا بل فان المستقبل استطاع ان يسجل «سكور» لصالحه ربما بنتيجة واحد صفر، فالجنرال اعطى الحريري كل ما يريد من الوزارات السيادية التي لطالما تمسك بها التيار الوطني الحر وخاض معارك قاسية رافضاً التنازل عنها، الى «العفو» العوني عن اخطاء وفساد المرحلة الحريرية، والى التعيينات وسلسلة الرتب والرواتب، وبان الرابية عاشت على إيقاع الانتخابات الرئاسية لأشهر خلت بدون الاخذ بالحسبان امكانية ان تنقلب الدنيا ضد ترشيح عون،

...لكن وفي الغرف العونية نفسها ثمة وجهة نظر اكثر تفاؤلاً تعطي الجنرال كامل التفويض والثقة بخياراته الجديدة، فالجنرال يعرف ماذا يريد والى اين سيصل اصاب وأحسن وفق المؤيدين للسياسة الانفتاحية العونية على المستقبل، ولا يمكن ان يخطىء في هذا المجال. يصعب بالنسبة الى هؤلاء الجزم والحسم بان معركة الجنرال الرئاسية او فرصه لن تعد موجودة، وان كانت لم تصل الى النهاية غير السعيدة بالنسبة الى زعيم الرابية بعد. فزعيم الرابية استطاع في الفترة الماضية ان يلعب باعصاب 14 آذار والإيحاء لها بان الحريري قادر على التموضع حيث يريد، بدون ان يزعزع حلفه مع حارة حريك انما ضمن اطار من التفاهم والتنسيق حيث كان الحزب على اطلاع دقيق وكامل على المفاوضان بين عون والحريري، على ان الصورة غير المرئية في العلاقة بين الحريري وعون لطالما اصابت العارفين بما يمكن ان يصل اليه عون في تكتيكاته بالهلع الشديد خوفاً من الآتي الأعظم الذي سيكون وصوله الى قصر بعبدا.