بدا واضحًا أنّ الأجهزة الأمنية المحلية أعلنت حربها على الارهاب وترجمت هذا الاعلان بمداهماتٍ متواصلةٍ في ما يصفه الأمنيون بالحرب الاستباقية، غير أنّ الامور لا تزال ضبابية بالنسبة للغطاء السياسي الممنوح لهذه القوى وما إذا كان سيتوقف عند حدود معينة أم أنه سيكون مطلقا، في وقت برزت بعض الأصوات السياسية، وإن كانت خافتة، وقد شرعت بالتشويش على الإنجازات الأمنية من خلال التخفيف من أهميتها أو انتقادها لجهة تعطيل الحركة اليومية أو السياحة المعطلة من الأساس والتي تنتظر تعليمات سياسية من الدول المعنية بالسماح لرعاياها بالقدوم الى لبنان أو لا.
الثابت الوحيد، وسط ذلك، هو أنّ البلاد دخلت عين العاصفة بعد أن تحوّلت من أرض نصرة إلى أرض جهاد وهذا ما بدا لافتا ومعلنا منذ أن نجحت "دولة الاسلام في العراق والشام - داعش" في تحقيق تقدم نوعي في العراق من شأنه أن يقلب المقاييس ليس فقط في بلاد الرافدين إنما في العالم العربي والاسلامي برمته من خلال عودة الخطاب المذهبي من جهة والتجييش من جهة ثانية لا سيما في عاصمتي الشمال والجنوب حيث يخشى قادة أمنيون من ترجمة الاقوال بأفعال قد تزجّ بالمخيمات الفلسطينية في قلب المعركة لا سيما بعد أن سرت شائعاتٌ مفادها أنّ مصدر السيارة المفخخة التي انفجرت في الطيونة هو أحد أحياء المخيمات القريبة من مكان الانفجار.
في غضون ذلك، أعربت مصادر مواكبة عن خشيتها من عدم التوازن بين الحرب الاستباقية والقرارات السياسية، خصوصًا أنّ الارهابيين يسعون إلى ضرب الاجهزة الامنية وتعطيل التنسيق القائم في ما بينها وقطع خطوط الاتصال بين الاجهزة المحلية وتلك الدولية التي تزود الامن اللبناني بمعلومات نوعية عبر التشكيك وخلق حالة من عدم الثقة بين الفريقين وذلك بحسب ما كشف تقرير صادر عن مكتب الاستشارات "ميدل ايست استراتيجيك بيرسبيكتيس"، بحيث اعتبر ان الاستثمار العالي الكفاءة للتجهيز والمعدات المتطورة التي أصبحت بحوزة الاجهزة التي اصبحت قادرة (من ناحية العنصر البشري) على استيعاب تقنيات حديثة، اضافة الى التفاعل المستمر في ما بين الوحدات المتخصّصة بمكافحة الارهاب التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية قد تغري بعض الاجهزة الاقليمية والدولية المعنية مباشرة بمكافحة الارهاب، بتقديم المزيد من الدعم والمعلومات وهذا ما قد يقضي على الخلايا الحساسة ومشغليها في آن واحد.
في هذا الوقت، تتعاظم الخشية من عودة البيئة الحاضنة للارهاب للعب على الوتر الطائفي وعلى التجاذبات السياسية المحلية وحتى التجاذبات الجيوسياسية أيضًا من أجل فك لحمة الأجهزة ووضعها مجدّدًا بمواجهة بعضها البعض وتسييس قرارات امنية لها مردود أمني مباشر على لبنان في الظرف الحالي الاستثنائي، فالمنظمات الارهابية التي لديها أجندات سياسية وجيوسياسية تريد استغلال التطورات الاقليمية والدولية، كما تسعى للافادة من مكامن الضعف في التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية من أجل إحراز بعض الخروقات على الساحة اللبنانية.
في هذا السياق، توقف المصدر عند القرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء بحيث وصفها بأنها لم تكن على قدر الاحداث والتداعيات، كما شكك بقدرته على مواكبة المرحلة من جهة التسارع اللافت في حدوث التطورات، فما يصحّ وصفه بالسباق بين الأجهزة والخلايا أصبح واقعًا لا يمكن التخفيف من أهميته ولا من أخطاره، بل على العكس فإنّه قد يحول لبنان إلى عراق ثانٍ إذا لم يواكب القرار السياسي تسريعًا للحراك الامني ليس فقط على مستوى لبنان بل على صعيد الاقليم برمته.