تعاني ريتا ابنة العشرين عاماً من شلل دماغي يجعلها غير قادرة على الحركة، ويسبّب لها مضاعفات مرضية تؤدي لدخولها المستشفى مرات عديدة كل شهر. إلا أنّ إعاقة ريتا ليست هي مشكلتها أو حتى مشكلة والدتها التي تهتم بها وتحبها ومستعدة لخدمتها حتى رحيلها عن هذه الدنيا، إنما مشكلة ريتا الأولى والأخيرة.. هي جنسيتها اللبنانية.
توفي والدها منذ 6 سنوات وذهبت أمواله لأهله عملاً بقانون إرث المذهب الذي تنتمي اليه، فبقيت مع والدتها الصحافية حنان محمود رحيمي في منزل مستأجر منذ 14 عاماً بمنطقة برج البراجنة العقارية. في شهر شباط الماضي، طالب صاحب الملك الوالدة بتسليم المنزل مع نهاية عقد الايجار في 31 اذار 2014 لأنه يريد هدم المبنى، فباشرت رحيمي بالبحث عن منزل جديد يناسب ابنتها ولم تجد حتى الساعة، إذ إنّ ريتا، حسب ما تشير رحيمي في حديثها لـ"النشرة" بحاجة لمواصفات خاصة تناسب حالتها، فهي تحتاج لمنزل قريب من مدرستها الخاصة في منطقة الكفاءات والتي تقدّم لها العلاجات، كما أنّها غير قادرة على السكن في طوابق مرتفعة، إضافة لضرورة توافر الكهرباء لصعودها ونزولها عبر المصعد.
وتضيف رحيمي: "ان البيوت التي وجدتها مناسبة لحالة ريتا يكلف إيجارها شهريًا 750 دولارًا وما فوق وهذا ما لا أستطيع تحمله خصوصًا بظلّ علاج ابنتي الذي هو بقسم منه غير مغطّى من قبل تعاونية موظفي الدولة"، وهنا تتحدث رحيمي عن علاج ريتا الفيزيائي الذي يبقيها على قيد الحياة، إذ إنّ ابنتها تحتاج الى جلسة علاج كل يومين لكي لا تتصلب ويتجمد الدم في عروقها. وتلفت رحيمي إلى أنّها تتكلم هنا بصفتها أم توجّه حديثها إلى إنسانية صاحب المبنى اولا والى الدولة اللبنانية ثانيا، إذ إنها تعلم أنّ القانون يسمح للمالك باسترداد ملكه.
في 31 اذار الماضي، استلمت حنان إنذارًا بإخلاء المنزل فكلفت محامية استطاعت تأجيل الامر وطلبت من القاضي ادخال وزارة الشؤون الإجتماعية في الدعوى، انما في 24 حزيران الجاري رفض القاضي ربط الدعوى بوزارة الشؤون وأصدر قراره بالاخلاء، وبالتالي أصبحت رحيمي وابنتها معرضتين في أيّ لحظة لإخراجهما من المنزل بالقوة، علمًا أنّ علاجات ريتا في مدرستها الخاصة لم تنته بعد.
وفي هذا الإطار، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أنّ الوزارة ستقدم كل ما يمكن لها تقديمه لمساعدة ريتا ووالدتها، ويعد في حديث لـ"النشرة" بالاهتمام بهذه القضية. اما بالنسبة للقانون رقم 220 الصادر عام 2000 والذي يُعنى بحقوق المعوقين، فيشير درباس إلى أنّ الوزارة تحاول دائمًا تطبيقه، إلا أنّ العقبات الموجودة تحول دون ذلك. ويقول: "ان وضع الموازنات ونقص الاموال من الوزارات والوضع السياسي الصعب، اضافة الى شرذمة السلطات والوضع الامني، كلها عقبات تحول دون التطبيق بشكل كامل".
هكذا إذًا، من الممكن أن تصبح ريتا عاكوم ووالدتها بلا منزل في أيّ لحظة، إلا إذا استطاعت الوالدة أن تجد ملاذا مناسبًا قريبًا. لكن بيت القصيد ليس هنا، بل يكمن في الحديث عن دور دولة الرعاية، الدولة الام، أي بالحديث عن أسس قيام الدولة، وبما أنّ الرعاية والاهتمام لا يتوافران في دولتنا فإنّ ذلك يعني انتفاء صفة الدولة عن وطننا.
نعيش في بلدٍ لا يهتم بمواطنيه القادرين على الاهتمام بأنفسهم، ولكم أن تتخيّلوا حال المواطنين غير القادرين على ذلك أصلا لسبب خارج عن ارادتهم، فإلى متى سيبقى القهر قدر اللبنانيين؟ وإلى متى ستظل ريتا ومن مثلها يعانون، لا لكونهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل لكونهم من ذوي الجنسية اللبنانية!
تقرير محمد علوش