كنت دائماً أتساءل، وأنا على مقاعد الدراسة، عن الغاية من حشو ذاكرتي بتاريخ الفرنجة وجغرافيتهم. فكان لا بد لتسلقي سلُّم الصفوف، من الإلمام بسيرة شارلمان ومجموعة "البوربونات"، والقياصرة، وقاضي برمنغهام، ونابليون، وبسمارك، وغاريبالدي، ومن الوقوف على تضاريس جغرافيات أوروبا، وأميركا، وأنهارهما، وجبالهما، وتنوع مناخاتها، فيما كان تاريخ لبنان والدول العربية وجغرافيتهما، يقتصران على ساعات قليلة من نهاية المرحلة الابتدائية.
ولم أكن المتسائل الوحيد. بل لم أكن الضحية الوحيدة لهذا البرنامج الدخيل، فلقد وجدت نفسي في أكثر من مناسبة جاهلاً لتاريخ بلادي، ولانتمائها لهذه المنطقة من العالم، التي شهدت ولادة الحضارات، فارتفعت بها كما يقول فرانكفورت، إلى ما فوق المستوى العام في الوجود البدائي.
والمنطقة العربية في مفهومها القديم، تمتد من نهر النيل، إلى نهري دجلة والفرات، بما فيها بلاد ما بين النهرين، وسوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، وسيناء، وهي التي تشكل اليوم ثلثي المنطقة العربية، وهي التي سبقت في عطائها الحضاري بلاد فارس بأكثر من ألف عام، بينما تزامنت هذه الأخيرة، أو سبقت اليونان بعدّة قرون، وفيها تشكلت أولى القناعات، والعبادات، واللغات، وعلوم وأصول الزراعة والري والعمران والطب والفلك، فأخذ عنها اليونان دروسهم الأولى وفتنوا بها، وثم أخذها عنهم الرومان.
أما العرب، وبعد المسيحية والاسلام، فلقد ورثوا حضارتهم القديمة ومزجوها بإضافات وتطويرات يونانية ورومانية، فساهموا إسهاماً عظيماً في نهضة أوروبا الحديثة والعالم.
المسيحية والاسلام، يدا الله تمتدان الى البشرية، وتمسحان عن جبينها الشقاء، والآلام، وفجران من نور، انبلجا ليضيئا أمامها الصراط المستقيم، وكوثران من محبة وحنان وعدل بعثا فيها الأمل بأنها من الله واليه لا بد عائدة...
أين تنبع المسيحية والاسلام؟
أديب نصر الدين، في بحثه العميق الشائك والمضيء، ينبش الماضي بحذرٍ، وخفر، وتقوى، ويزيح عنه الغبار، وصولاً إلى إرث ثقافي واجد، فيحمل إلينا، مشكورا، الجواب...
سكان المنطقة العربية، الذي يرقى تاريخهم المعلوم إلى تسعة آلاف سنة قبل المسيح، وبالاستناد إلى آراء الباحثين، وجدول الانساب المدوّن في العهد القديم، يثبت أنهم ينتسبون الى أصل واحد، سمّي "السامي"، وهو يضم العرب القدامى، والبابليين، والآشوريين، والأكاديين، والكنعانيين، والفينيقيين، والعرب الجدد. وان هذه الوحدة في الأصل، وبعيداً عن أية وجهة نظر عرقية أو عنصرية، وانطلاقاً من الساحة البشرية المتجانسة في الإطار الجغرافي والمناخي الواحد، سهلت التعاطي الإيجابي والتخاطب الموحد بين شعوب متقاربة، جاءت العوامل منها المختلفة فيما بعد، لتقيم منها نموذجاً ناضجاً لتجربة حضارية مبكرة.
فالساميون هم من أصل عرقي واحد على ما تؤكده الثقافة الشعبية والأكاديمية، المتأثرة عقائدياً واسطورياً بالكتّاب العرب، (كوهب بن منبّه ومحمد السائب الكلبي، وهشام ابن الكلبي والهمذاني، والأصفهاني وغيرهم) يتحدرون من سام ابن نوح، الذي كان له ولدان أحدهما "ارم" واليه ينتسب العرب.
ومجموعة الشعوب السامية هي شعوب متجانسة بروابط القربى، تعززها عوامل العيش المشترك واللغة والبيئة والجغرافيا، وهي شعوب نزحت منذ الألف العاشر قبل الميلاد من شبه الجزيرة العربية، وتوالت في هجرات متتابعة الى بلاد الشام، وبلاد ما بين النهرين، ووادي الرافدين، حيث أسست اولى الحضارات والامبراطوريات في العالم، على ما أكده المؤرخون "جواد علي"، و"ابن سوسة" و"سميث"، و"هومل" و"كلارز"، وخصوصاً "ديسو" في كتابه "ولوج العرب سوريا قبل الإسلام" و"مونتغمري" في كتابه "الجزيرة العربية والتوراة".
ولقد كانت اللغة والمصالح المشتركة والجغرافيا الأساس في عملية تناقل وتلاقح مزيج، انتج ثقافة وحضارة واحدة، فكان الأكاديون منها في الألف الرابع ق.م.، والكنعانيون، (ومن ضمنهم الأموريون والفينيقيون) في الألفين الثالث والثاني ق.م. والآراميون، في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م. والأقباط والقبائل العربية الاخرى، في القرن الثاني ق.م.
أما اللغة والكتابة، فسيَّان عرّفناهما "بذاكرة الشعوب الحافظة لتراثها الثقافي والعلمي، لتتجلى أهميتها في ما تراكم لدى الإنسان من علوم ومعارف، (خالد الاعظمي)، أو "بأنهما تولدتا من حكاية الأصوات الخارجية، كقصف الرعد، وهبوب الرياح، والقطع والكسر". "فكانت اللغة العربية ترجمة للأصوات الموجودة في الطبيعة والبيئة التي نمت في أحضانها، فإنَّ هذه اللغة كانت في الأصل لغة الأقوام العرب الواحدة، أي المعطى الثقافي الذي ينطبق عليه مقياس وحدة ثقافة المنطقة الظاهر، ويعود الى عصر واحد هو عصر ما قبل اكتشاف الكتابة والتدوين" (أحمد سوسة) قبل ان تفرعت مع النازحين الى شمال الرافدين، وبفضل ثقافتهم وبيئتهم وتقنياتهم الجديدة، الى اللغة الشمالية الغربية، وهي اللغة الفينيقية في سوريا والجزيرة العربية، ومع النازحين الى وادي الرافدين/ العراق،/ الى اللغة الشمالية الشرقية، وهي لغة البابليين والآشوريين بلهجاتها المتعددة.
ولقد انتقلت هذه اللغة فيما بعد، الى وادي النيل، وافريقيا، مترافقة مع سيادة الشعوب العربية في المناطق الجغرافية التي احتلتها. ولا شك بأن هذا التجاذب السياسي أدى إلى سيادة اللغة الآرامية، أواخر القرن السابع ق.م.، في بلاد الشام، والعراق، وبعض الجزيرة العربية، وانتشرت مع الآراميين حيثما نمت وتوسعت تجارتهم.
ولعل الاستنتاج الأقرب الى الحقيقة هو أن سيادة اللغة الآرامية، نتيجة الدور التجاري الواسع للآراميين، لم تكتب بحروف مسمارية، بل طبقت عليها أبجدية مشتقة من الأبجدية الفينقية، مما حمل الملوك الآشوريين على استخدام الكتبة الآراميين للكتابة والتدوين، فانتشر الحرف الآرامي ليصبح عالمياً. وحتى الفينقيين، فأنهم استعملوا الحرف الآرامي مما مكَّن اللغة والحرف الآراميين في أن يكونا حلقة الوصل بين الفينقية والعربية، وفي ان يلعبا دوراً توحيدياً، وأداةً للتعبير التجاري والثقافي والأدبي والسياسي.
وأما طرق المواصلات فلقد لعبت دورها، هي أيضاً، في الالتقاء والتواصل والتأثر بأنماط الحياة المجاورة، وذلك من خلال طرق بريةٍ، يذهب الأول من بلاد ما بين النهرين الى آسيا الصغرى. والثاني الى المنطقة السورية، ومنها الى مصر عبر الساحل، والثالث من اليمن الى سوريا من طريق مكة، والرابع من اليمن الى بلاد الرافدين من طريق نجد، وذلك إضافة إلى طريق بحرية ونهرية أخرى، سهلت الاتصال بين البحر الاحمر والبحر المتوسط.
وأما مناخ المنطقة العربية، فلقد تميز بالاعتدال والتجانس مما جعل هذه المنطقة ساحة عطاء ثقافي متميز ومترابط، كما يؤكد ابن خلدون، وعلماء آخرون، بأن أهل الاقاليم المتوسطة، هم أهل الاعتدال في خلقهم، ولديهم من المساكن والمعاش والصنائع والعلوم والرئاسات، فكانت فيهم النبؤات، والممالك، والدول، والشرائع، والعلوم".. وان هذا الاعتدال والتجانس شجع على قيام الهجرات الكبيرة الى الشمال ووادي النيل، مما جعل مصر أكثر ارتباطاً بآسيا الغربية، منها بافريقيا، خصوصاً وان المصريين هم ساميون انفصلوا عن مهد الساميّة قبل غيرهم.
ونأتي الآن الى العامل الثقافي والديني والعلاقة بين المسيحية والاسلام:
لقد وجدت للهِ الخالق الرحمن، إشارات أولى منذ الألف السادس ق.م. كما جاء ذلك في مخلفات الحضارة النطُّوفية، / البحر الميت/، ومع السومريين في الألفين الرابع والثالث ق.م.، وتوضحت الالوهة، وان بأسماء وصفاتٍ مختلفة النصوص البابلية والاشورية، في مرحلة لاحقة. فجاءت المسيحية والاسلام فيما بعد ذروة البناء الروحي واللاهوتي العربي، وكنضوج لتجربة طويلة من الحلقات المتممة لبعضها البعض، فشكلتا حالة تصحيحية لمعطى روحي وحضاري.
ومن هنا فإن ثروة الشرق الروحية القائمة على التوحيد والنبوة رافقت الحركة الحضارية العربية منذ بدايتها، فنهلت منها البشرية موروثها الروحي. وذلك ما نراه أفضل مدخل تاريخي للحوار المسيحي الإسلامي بل فيه أرضية تاريخية مشتركة تريحنا في معرض البحث عن القواسم المشتركة بين هاتين الديانتين، مما جعل البعض، وانطلاقاً من هذه الخلفية الواحدة، يتحدثون عن إعادة إنتاج لاهوت واحد دعى إليه في أكثر من مناسبة، المطرانان خضر (في خطبة له) وعودة في "مجلة الغدير المجلد الثاني سنة 1991).
والتوحيد في المسيحية والاسلام حقيقة واحدة.
فالمسيحية والاسلام يقرَّان بإلهٍ واحدٍ كلي المقدرة متحدر من الأزل، واسع، عليم، رحمان، رحيم. ولقد أشارت النصوص المسيحية والاسلامية الى ذلك صراحة أو ضمناً، في أكثر من آيةٍ، نكتفي بالإشارة الى بعضها.
قال السيد المسيح: "إن أولى الوصايا هي: إسمع يا اسرائيل الرب إلهُنا رب واحد".(مرقص 12/ 29)
"وأنه مكتوب للرب إلهك، تسجد له، واياه وحده تعبد" (لوقا 4/8).
إضافة الى آية العمادة: "أعمدك باسم الاب والابن والروح القدس إله واحد أمين".
وفيما يلي بعض ما جاء في القرآن الكريم:
"والهكم إله واحد. لا إله الا هو الرحمن الرحيم" (سورة البقرة 2/ 162).
إضافة الى شعار المسلمين: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله".
في هذا النتاج العلمي الذي قدمه أديب نصر الدين محاولة تاريخية وموضوعية ناجحة حول الينابيع في المسيحية والاسلام.
ففي البدء كان الشرق،
وفي البدء كانت الحضارة،
والحضارة بدأت بارتباط الدين وطقوس العبادة بالزراعة، والري، والعمران، والطب والفلك والموت، وهي مفاهيم شكّلت الهيكلية الثقافية للشعوب.
لقد عرفت هذه المنطقة السامية الاصل أقواماً عربية قديمة، انطلقت من الجزيرة، ثم توزعت أثر هجراتها شرقاً وغرباً، واتخذت تسميات مختلفة، ما لبثت ان توحدت بفعل التأثيرات الجغرافية والمناخية والاقتصادية، كما توحدت لغتها، وعرفت عقائد دينية وتراثاً روحياً هو مجموعة إشراقات تمثلت بالرسل، وبالصالحين، الى أن جاءت المسيحية والاسلام فتكامل معهما البناء الروحي القائم على التوحيد ونهلت منه البشرية في شرق وغرب عقائدها القائلة بالألوهة المطلقة والخالقة.
وهكذا، فإنَّ الجوار المسيحي الاسلامي هو حقيقة تاريخية تقدم نفسها أساساً للأخوة، والحوار، والتكامل. وتجعلنا مغتبطين بمنابعها، اثر العودة الى البدايات الصحيحة، ونزع الغبار المتراكم فوق صفحات التاريخ التي تكشف بأننا في العمق حالة واحدة قادرة على تفويت الفرص على المتربصين بنا والجاهدين لوضعنا في مواجهة، تتفق مع اهوائهم، وتخدم مصالحهم.
أيها السادة،
"لا اله الا الله"، نقولها جميعاً...
"والمسيح" ابن الله يقول المسيحيون،
اما المسلمون فيضيفون بأن "محمداً" هو رسول الله.
والمسيحيون والمسلمون حطموا الاصنام وتوجهوا في عبادتهم إلى الله الواحد الأحد، مؤمنين بجوهر الروح وبالحياة الثانية وبيوم الحساب.
وإنجيلهم وقرآنهم اتفقا على تعاليم هي غاية في السماح والطيبة ومكارم الأخلاق.
المسيحيون والمسلمون في المنطقة هم من أصل واحد.
انطلقوا من الجزيرة العربية.
وأنشأوا حضارات مختلفة.
وتوالوا في اعتناق الرسالتين المسيحية والاسلامية.
وحافظوا على سماتهم الشرقية العربية،
وبقي المسيحيون العرب مرتبطين بأوثق رباط مع تاريخهم وأبناء أمَّتهم. وقد ترجموا ذلك انحيازاً إليهم بوجه الفرس والبيزنطيين، أبان الاسترداد العربي لبلاد الشام، وبوجه الفرنجة أبان الحملة الصليبية،
وإزاء كل قضية عربية، بالرغم من الاغراءات والمداخلات الاجنبية، ولئن أصابهم الوهن في هذا الشعور الموجه في حقبات صغيرة من الزمن فلقد أصاب أيضاً، وبمقادير نسبية مماثلة، في فترات أخرى، المسلمين العرب.
ولمتسائل عن "موقع المسيحيين في المصير العربي" نقول بأن الجواب مرتبط بتوعية الحياة الروحية في الاسلام، وبقيام نهضة دينية عقليةً يحملها أناس، لهم من الايمان عمقه، وأبعاده التي تتجاوز الظروف والمحن، وردّات الفعل، الى الشهادة الكبيرة.
وبالمقابل، فإن المسيحيين مدعوون الى السير في خطى المسيح المعني بمصير الإنسانية جمعاء بدءاً بمصير العرب، وهو طريح آلامهم، وشريك عذاباتهم.
والله معنيّ بنا جميعاً كما تؤكد الكتب المقدسة، وكما يعبّر عن ذلك أحد الشعراء:
لعمرك، ما الاديان إلاّ نوافذ
ترى الله فيها مقلةَ المتعبّد
فألمحُ في القرآن عيسى بن مريم
وألمسُ بالانجيل روح محمّد...
إن قصة الله تبدأ بالخلق. يدشن الله صلته بالبشر عند دعوة ابراهيم، ويعززها بالمسيح ثم بالنبَّوه. والنبوه أكّدها العهد القديم، وليس في العهد الجديد ما يدل على أن المسيح أغلق بابها في وجه العالم.
وبالعكس، فلقد كان لبعض اللاهوتيين أن يطرحوا قضية نبوّة محمد. وها بندلي الحوزي، في رسالته عن المعتزلة باللغة الروسية، يعترف بالنبوّة، وكذلك كثيرون من الأجانب يقرّون أنّ الرسول العربيّ نور الننبوّةِ.
وإذا كان الله مخلّص العالم غير مقيد بوسائل خلاصيته، فهو قادر أن يعمّد الانسان بالماء، وهو قادر أيضاً أن يكشف لنفسه شهداء عشقه من كل صوب، بمن فهو قادر أن يعمّد الانسان بالماء، وهو قادر أيضاً أن يكشف لنفسه شهداء عشقه من كل صوب، بمن فيهم من "أقام الصلاة، وأدى الزكاة، والتمس وجه الحبيب في حجة البيت"...
بهذه الايجابية يجب أن نقيم الديانات، فلا تعالٍ، ولا احتكار روحي يحجب عن المسيحيين أن يروا عند غيرهم ومضة نور.
واذا كانت الكنيسة حيث يكون الروح، كما يقول "ايرناوس"، فالاسلام بعض كنيسته.....
ان الفصم بين ما هو عربي مسلم، وبين ما هو عربي مسيحي في حياة الروح والفكر، هو فصم لم يتعرف عليه العرب القدامى.
والتفاعل هو قدرنا، وأكثر من ذلك، فإن رسالة المسيحيين مدعوة الى أن تؤدى في الاطار العربي، وفي مساعدة العرب، كل العرب، لمواكبة المسيرة العالمية، وهذا يعني ضرورة أن يرمي المسيحيون أنفسهم نهائياً وبلا تردد في هذه المغامرة التي تؤدي بهم وبأخوتهم العرب، وبخاصة المسلمين الى تحقيق مطامحهم الواحدة العظيمة.
قد تكون إحدى المخططات العالمية تهدف لانزواء العرب، والمهم ألاَّ يوافق المسيحيون، بصمتهم، وتواريهم، أو أنانيتهم، على هذه المخططات. وإنما هم مدعوون لمناصرتهم، لا لمجرد إنتمائهم وحسب، بل لأن قوة عاتية زرعت في منطقتنا وتسعى إلى تهميشنا بدون استثناء، ولأن الصراع هو في جوهره، بين الخير والشر.
فنحن معاً امام التاريخ، في انحطاط، أو في نهضة،
معاً نحن إلى مجد أو الى هوان...
وإذا كان ما يحول دون اندماج المسيحي في المصير العربي الواحد ذي الطابع الاسلامي هو الخوف الموروث، فعلينا أن نعمل إلى زواله، بالتعاون بين خيار المسلمين والمسيحيين، أو بصيغة من صيغ العلمانية. وذلك مرتبط بنوعية الحياة الروحية في الاسلام، وبقيام نهضة دينية عقلية، يحملها أناس لهم من الايمان في عمقه، وصدقه، وابعاده، التي تتجاوز الظرف والمحنة وردات الفعل، إلى الشهادة الكبيرة.
وبالمقابل فإن المسيحيين مدعوون إلى السير في خطى المسيح، والمسيح عالمي الرسالة، انساني التوجّه، والمسلمون والعرب بشكل خاص هم ممن عناهم بفدائه الخلاصي.
قد يكون ذلك بالنسبة لبعض المسيحيين مغامرة خطيرة،
ولكن أليست هذه الأرض أرضنا؟
أو لسنا متجذّرين فيها منذ ما قبل المسيحية والاسلام؟
ألم نقبلها جميعاً مهداً ولحداً؟
ثم نحن مستعدون للمناظرة في كل شيء إلاّ في وجودنا، وانتمائنا، وأصالتنا.
فالمسلمون بشر وفوق أنهم ونحن من أصل سامي واحد وأبناء أرض واحدة، والمحبة تغرينا وتغريهم وتاريخهم غاية في السماحة. ولعل سلبيتهم في بعض الحقبات التاريخية كانت ردات فعل على مواقف بعض المسيحيين خلال الحروب الصليبية وفي فترات أخرى من الاستثمار الغربي.
هذه هي مسيحيتنا المشرقية. ولدت وترعرعت في مناخ عربي ثم تعايشت مع الاسلام وهي المسيحية النموذج لقربها من المنابع، فيما مسيحية الغرب تحس بالإختناق لابتعادها عن هذه المنابع فتسعى أن تستشرق للعودة إليها.
أيها الإخوة:
الله واحد
أما الطرق اليه، فمتعددة...
ونحن في لبنان، ألا نمسك بمعظم هذه الطرق؟
فليكن في ذلك ما يوحّدنا، ويطرد الخوف من انفسنا.
ولم نخاف؟
ألسنا مؤمنين؟
ألا نحب الآخر؟
أو لم يقل يوحنا بأن المحبة الكاملة تطرد الخوف الى الخارج...؟ وبأنه "حين أتى يسوع الى الأرض، كان عصر المحبة قد بدأ"....
لقد طال زمن ارتهاننا للآلهة السياسة والمطامع الخارجية والداخلية يفرضون علينا ان نقيم في مغائر الطائفية والمذهبية.
فلننهض من هذه المغائر قبل ان تفترسنا وحوشها ولنعد الى حقيقتنا.
وإذا لم يكن لدينا هذا الشعور. فهل نقع في خطيئة التقوقع والجفاء او التصادم؟...
أخاف لو فعلنا، أن يدير المسيح وجهه عنا، لأننا نكون قد أسأنا فهمه، وتنكرنا لحقيقته، ولجوهره...
ولد نبيه غانم في بلدة صغبين بالبقاع الغربي، واتم مراحل دراسته من الابتدائية حتى الثانوية في مدرسة الفرير في الجميزة.
حاز غانم على 3 شهادات جامعية، فنال شهادة الهندسة الزراعية من المعهد الزراعي الوطني في غرينيون بفرنسا، كما نال اجازة في الحقوق من جامعة القديس يوسف في بيروت، اضافة الى شهادة دبلوم الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة القديس يوسف ايضا.
شغل غانم عددا من الوظائف الادارية في لبنان وخارجه، بحيث تسلم رئاسة ادارة الثروة الزراعية في لبنان من العام 1958 حتى العام 1964 ، ورئاسة مصلحة زراعة البقاع من العام 1964 حتى العام 1970، ومن ثم رئاسة مصلحة التعاون في البقاع من العام 1973 حتى العام 1992، واخيرا تم تعيينه مستشارا لمجلس ادارة بنك بيروت للتجارة من العام 1992 حتى العام 1997.
كما عيّن غانم مندوبا للبنان لدى منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر المتوسط من العام 1980 حتى العام 1993، ونائباً لرئيس المنظمة نفسها من العام 1984 حتى العام 1986.
الى جانب الوظائف الادارية، عمِل غانم في مجال التدريس الجامعي، فعمل كأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية من العام 1978 حتى العام 1995، وكأستاذ محاضر بمادة الاقتصاد في كلية الزراعة بجامعة القديس يوسف من العام 1978 حتى تاريخه، اضافة الى تدريسه مادة الاقتصاد الزراعي في كلية الصيدلة في الجامعة اليسوعية منذ عام 2003 حتى تاريخه. كما عمِل غانم كأستاذ زائر بمادة الاقتصاد،في معاهد الدراسات الزراعية العليا في "" ايطاليا ، "" اليونان، و"" فرنسا، خلال فترة عضويته في منظمة الدراسات الزراعية العليا لدول البحر الابيض المتوسط من العام 1985 حتى العام 1993.
للدكتور نبيه غانم مؤلفات كثيرة منها، المشكلة السكرية في لبنان عام 1966، الزراعة اللبنانية وتحديات المستقبل عام 1972، التسليف الزراعي في خدمة التنمية عام 1984، الزراعة اللبنانية بين المأزق والحل عام 1998، مشروع قانون الزراعة عام 1996، خطة "التنمية الزراعية" للبناني عام 2009، و مشروع بحيرة الليطاني السياحي.