هلل أهالي صيدا خصوصاً واللبنانيون عموماً يوم علموا بأن مشروع معالجة مكب صيدا بات حقيقة... لكنّها تخفي خلفها الكثير، زال الجبل ووحده البحر سيظلّ شاهداً على كلّ العملية التي يصفها بعض الخبراء "بالتدمير البيئي".
إستفاق السكّان ذات يوم على خبر بدء الأعمال، فبعد أن تعرقل المشروع سنوات وجد الحلّ له فجأةً، وستشهد صيدا مستقبلاً على ولادة مشروع قد يكون مشابهاً لـ"سوليدير"!
وفي السرد التاريخي لمعالجة مكب صيدا، بدأت المحاولات منذ عام 2005 على أيام وزير البيئة السابق يعقوب الصراف، عندما تقدمت بلدية صيدا بدراسة أثر بيئي الى الوزارة بعد أن وصلتها هبة من الوليد بن طلال تبلغ قيمتها حوالي خمسة ملايين دولار لمعالجة المكب، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة على الملف لـ"النشرة"، لافتةً الى أن "الدراسة تضمنت نقاطا أساسية ومنها فرز نفايات المكب بأرض مجاورة، وتجميع القابلة منها لإعادة التصنيع وذلك لتسليمها الى الشركات المرخص لها بذلك، وطمر غير القابلة منها للمعالجة بشكل سليم في مقلع مهجور في زغدريا، الّذي يبعد عن المنازل أقله 850 متراً فيما المكب الحالي يبعد 350 مترا فقط". وتشرح المصادر أن "هذا المشروع تعطل بعد أن قامت جهات سياسية نافذة في صيدا بالضغط وإيهام أهالي صيدا أن هذا التعطيل هو لحمايتهم من نقل النفايات الى منطقتهم".
"تبليط البحر"
اليوم وبعد مضي سنوات أنجز مشروع مكب صيدا، فجبل النفايات أصبح في طور الزوال لم يبق منه سوى القليل. وفي هذا السياق تصف المصادر هذا المشروع "بالعقاري الممتاز والمخطط له منذ سنوات". وتضيف: "البداية كانت مع الحائط البحري الذي أشرف على إنجازه مجلس الإنماء والإعمار بعد أن تم الترخيص له بناءً على طلبه بردم وإشغال مساحة /634640/م2 خلافاً للمرسوم 4810 تاريخ 24/1/1966 الصادر بـ6 نيسان 2011 دون أن يحصل على توقيع مجلس الوزراء".
في السياق عينه، يؤكد رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري لـ"النشرة" أن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة حصل على هبة قيمتها عشرون مليون دولار للقيام بالاشغال في مدينة صيدا، في وقت أشارت فيه مصادر الى أن "الأخير صرف الهبة على الحائط البحري"، وسعى الى أن تنتهي الاعمال قبل أيار 2011 اي موعد الانتخابات النيابية لكنه انتهى منه في تموز من نفس العام. وتشرح أن "مساحة الأرض تبلغ سبعة عشر مرة حجم المكب"، وتتساءل "أتحتاج معالجة مكب أملاكاً بحرية تبلغ مساحتها اكبر بكثير من حجم المكب؟".
بعد الهبة التي قدمت من السعودية والتي صرفت على الحائط البحري، كان المشروع أمام نقص يبلغ حوالي 20 مليون دولار من جديد ليستكمل العمل به. وهنا علمت "النشرة" عبر مصادرها أنه "وفي عام 2009 أي قبل بدء العمل بالحائط البحري كان يفترض تحويل مبلغ قدره خمسة عشر مليار ليرة (10 مليون دولار أميركي) من صندوق وزارة الداخلية والبلديات لإعادة تأهيل مكب صيدا. الا أن هذا القرار لم يُعمل به ولم يصدق من مجلس النواب مما أحدث ثغرة مالية في موازنة المشروع وحتّم تأخير تنفيذه".
تحويل أموال بظل حكومات مستقيلة!
بعد فصل قضاء صيدا عن الزهراني عاد الحديث عن معالجة المكب، بحسب ما تروي المصادر، لافتة الى أن وزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار كانا مشرفين على المشروع، وتضيف: "أراد المسؤولون من جهات مستقلة أن تشرف على الموضوع فلجأت الجهات المعنية الى طرق أخرى لتأمين العجز أبرزها ضخ الاموال من الخزينة المركزية عبر وزارة البيئة التي بدورها تقدم هبة الى برنامج الامم المتحدة UNDP الذي يطلب منه انفاق الاموال في موازنة المشروع.
أصبحت الامم المتحدة شريكة في الإشراف على المشروع، وبات على وزارة البيئة أن تؤمن لها المبلغ وقيمته عشرون مليون دولار إضافية. فأصدرت سلسلة مراسيم، أولها بتاريخ 12 تشرين الاول 2012 يحمل رقم 9099 ويقضي بنقل مبلغ قدره 5 مليارات ليرة أو 3 مليون دولار من احتياطي سلفة الخزينة الى وزارة المالية ومن ثم إلى وزارة البيئة كمساهمة في برنامج الامم المتحدة UNDP لمعالجة مكب صيدا. وتتابع المصادر ان "المرسوم الثاني صدر بتاريخ 5 تشرين الثاني 2013 وحمل رقم 10809 وفيه تم نقل مبلغ قدره 3 مليار ليرة من الموازنة العامة الى موازنة وزارة البيئة على أساس القاعدة الاثني عشرية كمساهمة في برنامج الامم المتحدة الانمائي لمعالجة المكب صيدا". وتضيف: "أما المرسوم الأخير فقد وقع بتاريخ 6 شباط 2014 ويحمل رقم 11157، بموجبه تم نقل مبلغ 14 مليار ليرة أو 9 مليون دولار من احتياطي الموازنة الى موازنة وزارة البيئة لعام 2014 على أساس القاعدة الإثني عشرية أيضًا".
الأمم المتّحدة و"شفط" الأموال!
وتشرح المصادر أن "استقالة حكومة نجيب ميقاتي والتي حصلت قبل تحويل الأموال بموجب المرسوم 11157، لم تردع تحويلها بعد أن إستلم وزير البيئة الجديد محمد المشنوق لمهامه".
وفي هذا السياق تتحدث المصادر عن هذه "المراسيم التي صدرت كلها في ظل حكومات مستقيلة"، وتتساءل "هل يمكن تصنيف هذه الأمور بالطارئة وبالتالي يجب تمريرها في ظل حكومة تصريف الأعمال وبالتالي نقل أموال من الموازنة الى الامم المتحدة عبر وزارة البيئة؟" وتضيف: "لماذا تحويل الأموال الى الامم المتحدة وهي التي تقتطع 10% كمصاريف لادارتها لتصل بعدها الى الانماء والاعمار، ولماذا لم تحوّل الأموال مباشرة الى الإنماء والإعمار؟"
مناقصة مفصّلة على قياس الشركة!
وفي ما خصّ المناقصة التي أجرتها الأمم المتحدة بخصوص هذا المشروع، يؤكد المسؤول في الأمم المتحدة ادغار شهاب أن "المناقصة شفافة وقد رست على إئتلاف الشركات الجهاد لصاحبها جهاد العرب وSuez Environment كونها كانت تحمل أفضل الشروط وهي من بين أفضل الشركات التي قدمت للمناقصة"، مؤكدا أن "العروض وضعت في عدة جرائد عالمية وتقدمت حوالي 20 شركة على المناقصة الا أن ائتلاف الجهاد وSuez فاز بالمناقصة".
مصادر مطلعة على الملف أكدت أن "المناقصة لم تكن عالمية ولم ترسُ على جهاد العرب والشركة الأخرى بل كانت مفصلة على قياسهما"، مؤكدةً أن "شركة أخرى طلب منها أن تقدم أوراقها للمناقصة الا وهي EET وبعدما عرض الملف على خبراء بيئيين من UNDP تم رفض الشركتين لأن أيًا منهما لا يحمل الشروط البيئية المطلوبة، ولكن شركة EET تبقى أفضل من الجهاد، بحسب التقييم، وبالرغم من ذلك عُدّلت الشروط بحسب مواصفات ائتلاف الجهاد وSuez ولزّم المشروع للشركتين".
لم يُدخل جهاد العرب في دفتر الشروط كيفية معالجة المواد العضوية، بحسب ما تشرح المصادر لـ"النشرة"، معتبرة أن "هذه المسألة من أهم البنود التي يجب أن تكون موجودة في العقد وعلى أساسها تقبل الشركة أو ترفض، الا أن هذه الحالة استثنائية لأنه تم إعادة تعديل الشروط وإدخال المواد اللازمة فيها من قبل جهاد العرب وSuez ليحصلا على التلزيم حتى لو لن يلتزما بهذه الشروط".
صحيح أن في هذا المشروع أمورًا كثيرة لا تُفهم، على حدّ تعبير المصادر، الا "أننا نعيش في لبنان، وهكذا تفصّل المشاريع الكبرى على قياس أشخاص معنيين"، ليقى في الختام أن عملية معالجة هذا المكب تبقى صفقة كبرى قد لا يدري أهالي صيدا واللبنانيون حجمها ووحدها الأيام المقبلة كفيلة بأن تزيل الغبار عنها..
للاطلاع على المستندات المتعلقة اضغط على الروابط الآتية