أطلق رئيس تكتّل "التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون مبادرة تهدف، من وجهة نظره، إلى حلّ أزمة ​الانتخابات الرئاسية​، وإلى تصحيح الخلل التمثيلي القائم في لبنان منذ تاريخ توقيع "​اتفاق الطائف​" حتى اليوم. لكن هذه المبادرة قُوبلت بنوع من الفتور والتردّد من حلفاء "الجنرال"، وبانتقادات واسعة من قبل خصومه الذين سلّطوا الضوء على الكثير من الثغرات، وأبرزها:

أوّلاً: بالنسبة إلى طرح إنتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من قبل الشعب اللبناني على مرحلتين، فهو يحتاج إلى تعديل دستوري يتطلّب موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه وليس مجرّد حضورهم إلى المجلس لتأمين النصاب، ما يجعل هذا الطرح بحاجة إلى توافق شامل أصعب من تأمين التوافق على إنتخاب الرئيس وفق القانون الحالي، علماً أنّ الظروف المتشنّجة غير ملائمة لتعديلات مهمّة على مستوى الدستور اللبناني.

ثانياً: إنّ إقتراح أن يُصوّت المسيحيّون دون سواهم على المُرَشّحين الرئاسيّين في المرحلة الأولى، على أن يَختار اللبنانيّون جميعهم الرئيس من بين المُرَشَحين اللذين ينالان أوسع تأييد في صفوف المسيحيّين، هو تعديل جذري للنظام البرلماني وليس تعديلاً طفيفاً كما أُعلن. وهذا التعديل، في حال إقراره، قد يفتح الباب في المستقبل أمام مطالبة السنّة بأن يصوّتوا على أفضل شخصيّتين من بينهم قبل أن يُسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النوّاب إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها، كما ينصّ الدستور حالياً. وربما يُطالب الشيعة أيضاً بحصر إنتخاب رئيس المجلس من قبل النواب، من بين أكثر شخصيّتين تحظيان بالتأييد بعد عمليّة تصويت شعبي في صفوف الشيعة.

ثالثاً: إنّ إقتراح الإنتخابات الرئاسية المباشرة من الشعب يعني إمكان أن يفوز بالرئاسة المرشّح المسيحي الضعيف نسبياً والذي حلّ بالمركز الثاني، بفعل أرجحيّة أصوات المسلمين، وذلك على حساب المرشّح المسيحي القوي الذي حلّ بالمركز الأوّل. فمثلاً، يمكن أن ينال المرشّح "ألف" 60 % من الأصوات، والمرشّح "باء" 30 % من الأصوات، ويتقاسم المرشّحون الآخرون نسبة 10 % الباقية. وتأتي إنتخابات الدورة الثانية بالثقل الإسلامي العددي الذي صار يزيد على 60 % في مقابل أقلّ من 40 % للمسيحيّين، لتحوّل المرشّح الخاسر في صفوف المسيحيّين إلى مرشّح فائز على مستوى الوطن. وهذا بالطبع لا يُعيد الحقوق المسلوبة للمسيحيّين، وإن كان يجعل من المرشّح الفائز مقبولاً أكثر على المستوى الوطني.

رابعاً: بالنسبة إلى إقتراح قانون الإنتخابات النيابيّة، فهو يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، لأنّ كل المناقشات السابقة بشأن القانون الذي يسمح لكل طائفة ومذهب بإنتخاب نوّابها، فشل في أن يحظى بالإجماع الضروري لإقراره، حتى أنه حظي بمعارضة شرسة من بعض التيّارات السياسية، وفي طليعتها "تيار المستقبل". وبالتالي إنّ إعادة تحريك هذا الملف حالياً، سيُؤدّي إلى تدهور العلاقات مجدّداً بين "التيار الوطني الحر" و"تيّار المستقبل" بشكل سيُصعّب إمكان حلحلة عقدة الرئاسة وليس العكس. إشارة إلى أنّ الهدف الفعلي من إعادة تحريك قانون "​اللقاء الأرثوذكسي​" من قبل "التيار العوني" هو الكسب الشعبي في الساحة المسيحيّة، نتيجة الإحراج الكبير الذي لحق بأحزاب قوى "14 آذار" المسيحيّة عندما ساهمت بإفشال إقرار هذا القانون في المجلس النيابي، علماً أنّ هذا القانون يُدغدغ مشاعر الكثير من المسيحيّين الذين يشعرون بسيطرة باقي الطوائف والمذاهب عليهم عددياً.

في الخلاصة، إنّ طرح الإنتخابات الرئاسية مباشرة من الشعب هو طرحٌ حالمٌ أكثر منه واقعي ولا يُعيد الحقوق المسلوبة ولا يحلّ الأزمة الحالية، بينما طرح الانتخابات النيابية يَضرب على وتر المسيحيّين الحسّاس ويُدغدغ رغباتهم بالتفلّت من السيطرة العددية لباقي شرائح المجتمع اللبناني، وإمكانية مروره محتملة لكنها ضعيفة، نتيجة عدم تغيّر الظروف التي أدّت إلى إفشال إقراره في الماضي القريب. وبالتالي لكلّ هذه الأسباب يُمكن القول إنّ مبادرة "الجنرال" الرئاسيّة وُلدت ميتة.