بغضّ النظر عمّا إذا كان لواء أحرار السنة في بعلبك موجوداً أم لا، وبغضّ النظر عمّا إذا كانت هناك مخاوف جدية لدى المعنيين من تهديداته للمسيحيين في البقاع ولبنان، يمكن القول إن التهديد الأخير دفع بالكنيسة الى التحرك على أكثر من صعيد، كلّ ذلك من باب أخذ الحيطة والحذر تجنباً لأي عمل إرهابي قد يستهدف إحدى الكنائس في البقاع أو غيره من المناطق.
تحرك الكنيسة جاء أولاً على الصعيد الأمني، إذ تشير المعلومات إلى إتصالات عدة سجلت في الساعات القليلة الماضية بين المراجع الكنسية العليا، المارونية والأرثوذكسية كما الكاثوليكية، والسلطات الأمنية المختصة كقيادة الجيش ووزارة الداخلية والبلديات، إضافة الى قيادة قوى الأمن الداخلي. وفي هذه الإتصالات كان تركيز المراجع الكنسية أولاً على مدى جدية هذه التهديدات وعن التحقيقات وعمليات التعقب الإلكترونية التي تجرى لمعرفة ما إذا كان هناك تهديد فعلي للمسيحيين أم أن هذا الحساب عبر التويتر الذي يحمل إسم لواء أحرار السنة في بعلبك مشبوه، ومن يقف وراءه أفراد يريدون إفتعال فتنة طائفية ولا قدرة لهم على إشعال نار الإرهاب. هذا ما لم تستطع السلطات الأمنية حسمه حتى اللحظة، غير أنها طمأنت سائليها من المراجع الكنسية بأن التحقيقات مع كل الموقوفين بتهم الإرهاب، وعلى سبيل المثال لا الحصر، موقوفو كتائب عبدالله عزام وجند الشام إضافة الى جبهة النصرة وفتح الإسلام، لم تأت على ذكر ما يسمى بلواء أحرار السنة في بعلبك.
ولأن تعميم السلطات الروحية على البطاركة والمطارنة والكهنة برفع المعنويات المسيحية من خلال تصاريحهم وعظاتهم ليس كافياً لطمأنة الرعايا من التهديدات الأخيرة، كان هناك طلب من السلطات الأمنية بتكثيف الحماية في محيط الكنائس لا سيما أيام الآحاد وفي وقت القداديس. وفي هذا الإطار تكشف المعلومات أن إجراءات أمنية مشددة ستتخذ في ساحات الكنائس بدءاً من نهاية هذا الأسبوع، وهنا تبرز نية أمنية بمنع دخول السيارات والدراجات النارية الى الساحات الداخلية المحيطة بالكنائس، لإبعاد أي خطر قد تحدثه سيارة مفخخة أو حزام ناسف يرتديه إنتحاري يقود دراجة.
بالتزامن مع هذه الطلبات الروحية التي لاقت تجاوباً أمنياً من أعلى المستويات، تمنت السلطات الروحية على رجال "الجيش الأسود" عقد لقاءات في المطرانيات مع المشايخ الذين يشكلون مرجعية الطائفة السنية، على أن تشارك فيها أيضاً مرجعيات دينية شيعية، وقد إفتتحت مطرانية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك هذه اللقاءات، على أن تستكمل بلقاء ثان في مطرانية زحله والفرزل للروم الكاثوليك خلال الساعات المقبلة، على إعتبار أن لعروس البقاع رمزية مسيحية خاصة، وكيف لا، وهي عاصمة الكثلكة في الشرق.
على هامش كل هذه الإحتياطات، يعيش المسيحيون حياتهم وكأن شيئاً لم يكن إطلاقاً من إيمانهم القائل إن ما يمكن أن يحدث لهم اليوم أو غداً لن يكون أصعب من الإضطهاد التاريخي الذي لحق بهم منذ آلاف السنين، والذي لم يدفعهم الى التخلي عن أرضهم ووجودهم ودينهم في هذه المنطقة.