من يتجوّل في مدينة طرابلس في شهر رمضان يتلمس مدى اهتمام الطرابلسيين بهذا الشهر الفضيل سواء لجهة إحياء شعائره الدينية أو لجهة إحياء تقاليد طرابلسية رمضانية عريقة على مدى شهر كامل لا سيما في الاوقات ما بين تحضير الطعام وعند مدفع الافطار وتحول شوارع المدينة إلى شوارع تضج بالحيوية في ليلها بما يفوق نهارها وامتدادا الى ساعات الفجر عند السحور.
فرغم الاوضاع الامنية التي لا تزال تخيم على لبنان عامة وطرابلس خاصة وبالرغم من الاوضاع الاقتصادية السيئة، فإنّ ليالي رمضان الطرابلسية هذا العام تبدو مختلفة عن كل السنوات التي خلت، فشوارع المدينة رغم تقنين الكهرباء المجحف بحق كل اللبنانيين اضحت كالنهار، تعج بالمواطنين، حيث تفتح جميع المحلات والمقاهي ابوابها تستقبل روادها، ومنهم من يتجه الى المساجد لاقامة صلاة التراويح التي تستغرق اكثر من ساعة ونصف، وتدق الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل والطرابلسيون يتجولون في الشوارع بفضل الخطة الامنية التي أشاعت اجواء الطمأنينة في ظلال التدابير الامنية التي رفعت من درجاتها لمناسبة حلول رمضان منعا لاي انتكاسة ولعل هذا الشهر يعوض الوضع الاقتصادي المنهار شيئا من خسائره.
فطرابلس التي تعيش حاليا الاجواء الرمضانية بكافة شعائر الشهر وتقاليده التي اعتادها الطرابلسيون ربما هذا العام جاء مميزا في اجواء الاستقرار بعد عدة سنوات مضت كان فيها الشهر المبارك يأتي حزينا على العائلات ورغم ذلك فان الكثير من العائلات الطرابلسية لا سيما في الاحياء الفقيرة لا تزال تعاني في شهر ترتفع فيه الاعباء المادية بما يفوق قدرات هذه العائلات خاصة ان "موائد الرحمن" التي اعتمدها بعض نواب طرابلس في السنوات الماضية كانت كافية لافطار مئات العائلات الفقيرة يوميا فكان لافتا هذا العام عدم الاعلان عن اي مائدة كالمعتاد الامر الذي فسّرته بعض الاوساط ان هؤلاء النواب اعتمدوا سياسة عصر النفقات طالما ان أمر اجراء الانتخابات النيابية في تشرين الثاني المقبل لم يحسم بعد وقد يحظى المجلس النيابي بتمديد آخر..
لذلك تتحدث عائلات طرابلسية عن نفقات باهظة لتحضير وجبات الافطار اليومية في ظل استغلال واضح للشهر المبارك برفع اسعار المواد الاولية التي تحتاجها مائدة الافطار اليومية والتي لا يمكن الاستغناء عنها من بقدونس وخس وبندورة وخيار..
ورفع الاسعار هذا يجري بعيدا عن الرقابة الاقتصادية ودون أيّ إجراءات تحد من فلتان الاسعار في استغلال غير منطقي لشهر مبارك حري بالاجهزة الرسمية ان تبادر الى وضع حد له ولان استغلال شهر فضيل ومبارك لا يبارك الله فيه وحرام بالعرف الديني..
ولعل تزامن حلول الشهر المبارك مع المونديال أضفى أيضًا أجواء حركة ناشطة ورفع من حالات الازدحام اليومي بعيد الافطار في ليالي طرابلس الرمضانية فتتحول المقاهي كافة من منطقة الضم والفرز الى المقاهي القديمة في باب الرمل واحياء الميناء والقبة وابي سمراء الى اماكن تغص بمتابعي المونديال وبالذين يسهرون حتى موعد السحور وعلى وقع طبلة" المسحراتي" الشخصية الطرابلسية الرمضانية التقليدية التي لم تتقاعد رغم الحداثة ورغم مدفع الافطار ومدفع السحور مما يضفي ايضا اجواء التراث الطرابلسي الرمضاني على المدينة.
غير ان معاناة الطرابلسيين من انقطاع الكهرباء بقيت على حالها بل تفاقمت الشكوى من غياب الكهرباء احيانا عند الافطار وعند السحور رغم كل الوعود بتأمين الكهرباء في هذا الشهر لكنها بقيت وعودا للاستهلاك الاعلامي ليس إلا...
طرابلس الرمضانية بالرغم من سوء الاحوال الاقتصادية اصرت على ان تحيي شهر رمضان بكل شعائره الدينية وتفاصيله التراثية والتقليدية وتشاهد يوميا ارتال المواطنين امام محلات بيع الحلويات كافة لا سيما امام المحلات التي تبيع باسعار مقبولة لعائلات ذوي الدخل المحدود والفقراء حيث تقف طوابير باعتبار ان الحلوى مادة ضروية يومية بعد الافطار تعوض صوم نهار حار..