عند تنفيذ أول عملية انتحارية لمواطن لبناني في العراق، هلل أنصار "الخلافة" في لبنان. هناك من صرّح في طرابلس علناً أنه سيبايع أبو بكر البغدادي. البيئة ذاتها التي دعمت "جبهة النصرة" بدأت تناصر "داعش" الآن. لا فرق بالنسبة اليهم مهما تعدّدت الأسماء والمجموعات. ما يدغدغ مشاعرهم خطابٌ تعبويٌ مذهبيٌ طائفيٌ يشحن باسم الدين، فكيف إذا كان المطروح "خلافة"؟
لا يقتصر الأمر على الساحة اللبنانية بالطبع. القلق يعم دولاً عدة. دبلوماسي بريطاني نقل عن جهات استخباراتية قولها ان تنظيم "داعش" ينقل الى لبنان معظم العناصر الاسلامية البريطانية والفرنسية والألمانية والسكندينافية الملتحقة به من حيث تتواجد في سوريا. يقول الدبلوماسي البريطاني أنّ ذلك يوحي بالتمهيد لشن حرب تلغي تدريجياً الحدود بين البقاع والشمال اللبناني والأراضي السورية، كما حدث بين العراق وسوريا.
في حال صحّت المعلومات لا يبدو المشروع بسيطاً. لبنان ليس العراق ولا الاعتراضات أو الحياة السياسية فيه تشبه ما حصل في العراق أو سوريا أو أي بلد عربي اخر. هناك بيئة حاضنة للتطرف في لبنان لكنها أقلية على مساحتي الوطن والطائفة الإسلامية. لا يرضى المسلمون في لبنان أن تتكرّر تجربتا العراق وسوريا في بلادهم، بمعزل عن خطوط حمراء قيل إن عواصم القرار وضعتها حول لبنان - رئيس الحكومة تمام سلام ذكر في لقاء عقده منذ أسبوعين مع مدراء الأخبار في القنوات التلفزيونية اللبنانية "ان هناك قرارا خارجياً بحماية لبنان".
المواطنون اللبنانيون يشاهدون بقلق ما يجري في العراق. هم أدركوا أنّ ما حصل في سوريا لم يكن في صالحهم ولا حتى في صالح السوريين أنفسهم. مجرد التهديدات التي أطلقت حول النية لإقتحام سجن رومية أرعبت المواطنين رغم ثقتهم بالجيش والقوى الامنية. أجهزة الامن في لبنان خليط من التركيبة الإجتماعية. سيتصدون لأي اعتداء بحق بلدهم. تُدرك المجموعات المتطرفة ذلك جيداً. تعرف أنّ وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق جريء بإتخاذ قرار المواجهة. لا أحد يستطيع المزايدة عليه ولا على من يمثل سياسياً حول حقوق المسلمين السنة. التركيبة السياسية والحكومية والاجتماعية في لبنان ستواجه. هي الأكثرية المعتدلة بوجه تطرف لا يجلب معه الا الخراب.
رغم ذلك تبدو الساحة اللبنانية في عين "داعش". هي جزء من بلاد "الخلافة". ترحيب يُرصد في زوايا الشمال او البقاع لم يصل الى مستوى يفرض إجراءات أمنية. حتى الأمس القريب كانت "داعش" بعين المتعاطفين مع المقاتلين بأنها صنيعة النظام السوري. كانوا يعتقدون انها وُجدت لمحاربة المعارضة السورية و متفرعاتها وخدمة النظام في دمشق. لم تمر أشهر حتى تصدرت "داعش" وعينت "خليفة" للمسلمين.
في سوريا تتدرج المجموعات المنضوية في ألوية مسلحة بالإلتحاق "بداعش". فهل يتدرج المتعاطفون في لبنان بتأييد "الخلافة" كبديل عن "النصرة" و"الاخوان"؟
مهمة "داعش" في لبنان صعبة جداً رغم صغر مساحته الجغرافية. الإقتراب من الحدود مع البقاع مسألة مستحيلة. شمالاً الوضع أصعب بعد السيطرة السورية على العمق من القلمون الى حمص.
اذا ماذا تستطيع أن تحقق "الخلافة"؟
سيوجد هناك من يناصرها لكن مواجهتها ستكون مفتوحة بأبعاد سياسية و روحية. سيوحّد تنظيم "داعش" اللبنانيين. سيقرّب المسافات بين المذاهب. التحالف والخصومة والعداوة ستعبر الطوائف والمذاهب في لبنان و باقي الدول تدريجياً.
يقول الباحث العربي كمال خلف الطويل "ان المشهد سيتمخض عن متصارعين: ابراهيم البدري (البغدادي) وبشار الاسد". ستذوب "جبهة النصرة" ما بين ملتحق "بداعش" ومتقاعد. المواجهة الكبرى ستكون بين الجيش السوري - مسنوداً بما أمكن عراقياً- وبين "داعش" عند مفصل 2014 - 2015.
الاستناد في هذه القراءة يعود الى أسباب عدة منها صراع مدرستين في واشنطن: واحدة تقول بالاعتماد في سوريا على "قائد جيش الاسلام" زهران علوش ومن يشبهه ضد الجيش و"داعش" معاً، وثانية تجزم أنّ ذلك ضرب من عبث وأن لا بديل عن تحالف مع الجيش ضد "داعش". يكاد يُحسم الصراع لصالح الثانية.
لكن أين الإدارة الأميركية عملياً ممّا يجري؟
اذا كان الجيشان السوري والعراقي يخوضان مواجهات ضد "داعش". إذا كانت "النصرة" مع متفرعاتها وكل المقاتلين يخوضون صراع وجود مع التنظيم، وإذا كان الأكراد مستعدين في كركوك وقاتلوا "داعش" في أكثر من منطقة، وإذا كان التركمان في تلعفر يواجهون تنظيم "الدولة"، والسعودية والأردن نشرتا عشرات آلاف الجنود لحماية الحدود في البلدين خوفاً من "داعش". من يدعم "داعش" إذاً؟