عادت التفجيرات الإرهابية لتضرب في لبنان وعادت معها أجواء القلق والخوف على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، على ايقاع تمدد تنظيم داعش الإرهابي في العراق والذي انعش الجماعات التابعة للقاعدة وحرك خلاياها النائمة في الدول العربية ومنها لبنان.
وأدى ذلك إلى رفع منسوب القلق والتوتر في وسط المواطنين المدنيين، لا سيما بعد أن كشفت المعلومات الأمنية، التي حصل عليها الأمن العام اللبناني قبل وبعد المداهمات التي نفذها في العديد من الفنادق، عن وجود مخطط خطير جرى الإعداد له لضرب مقاه في الضاحية الجنوبية أثناء حضور المواطنين مباريات كأس العالم لكرة القدم .
وكذلك تنفيذ سلسلة اغتيالات لشخصيات سياسية وأمنية وعسكرية وقضائية وتكون البداية بتنفيذ هجوم انتحاري على قصر الأونيسكو في بيروت حيث كان سيقام احتفال يلقي فيه رئيس مجلس النواب نبيه بري كلمة، وعلم أن الهجوم الانتحاري على طريق ضهر البيدر والذي استهدف اغتيال مدير الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، كان الهدف منه التغطية على الخطة الأساسية المعدة لمهاجمة احتفال الأونيسكو، في سياق محاولة ارهابية شيطانية لإشعال شرارة فتنة مذهبية عمياء في البلاد تبدأ بحصول ردود فعل عفوية هائجة وغاضبة في الشارع. إلأ أن الهجوم الاستباقي من قبل الأجهزة الأمنية على الخلايا التي كانت تتولى الإشراف على عمليات تنفيذ الخطة الإرهابية احبط هذا المخطط وجنب لبنان خطراً داهماً.
ومع ذلك يطرح السؤال مجددا هل الوضع في لبنان يوفر للجماعات الارهابية بيئة حاضنة لها، وهل أن الظروف السياسية الحالية تخدم هذه الجماعات؟
الواضح أن الأوضاع الحالية في لبنان، على عكس تلك التي كانت سائدة خلال العمليات الارهابية التي استهدفت لبنان في الأشهر الماضية، ساعدت كثيراً في احباط هذا المخطط الارهابي الشيطاني الجهنمي، على الرغم من الشغور الحاصل في منصب الرئاسة واستمرار الخلافات السياسية في البلاد، فوجود حكومة تجمع القوى السياسية الممثلة في البرلمان من قوى 14 و8 آذار وضع حداً للانقسام على مستوى السلطة، ووفر الغطاء السياسي للقوى الأمنية للتنسيق فيما بينها للقيام بتنفيذ الخطة الأمنية التي وضعت حداً للعبث بالأمن والاستقرار، ما مكنها من توجيه ضربات قاصمة لمرتكزات وقواعد القوى الإرهابية عبر اعتقال قادتها الرئيسيين الذين يقفون وراء إعداد الانتحاريين والسيارات المفخخة.
يضاف إلى ذلك هناك ما يشبه الاجماع بأنه ليس هناك من بيئة حاضنة للجماعات الارهابية في لبنان على الرغم من وجود مناصرين للقاعدة بكل فروعها، فإلى جانب التنوع السكاني الذي يتميز به لبنان فان الغالبية من الطائفة السنية تنبذ التطرف والإرهاب والتجربة التي شهدتها مدينة طرابلس في شمال لبنان على مدى الثلاث سنوات الماضية أكدت هذه القناعة. فقد كان سكان المدينة وغالبيتهم من الطائفة السنية في طليعة من وقف ضد الجماعات السلفية المتطرفة التي كانت تحرض على الفتنة وتستهدف الجيش اللبناني وتسعى إلى احداث انشقاق في صفوفه تحت عنوان مذهبي يكفر كل من هو غير منتم للطائفة السنية. وفي اعقاب الهجوم الذي قام به مسلحو داعش في غرب العراق وإعلان دولة الخلافة الإسلامية قام بعض العناصر ليلاً بكتابة شعارات على جدران بعض احياء طرابلس تؤيد داعش وتدعو إلى نصرته، غير أن الأهالي سارعوا في الصباح إلى ازالة هذه الشعارات.
غير أن القوى الوطنية في لبنان تؤكد على ضرورة تحصين الساحة اللبنانية في مواجهة تنامي الارهاب في المنطقة خاصة بعد الذي حصل في العراق والذي يستهدف تمزيق المجتمعات العربية وايجاد الارضية الخصبة لتشكيل كيانات طائفية ومذهبية تصب في خدمة المشروع الأميركي الشرق أوسطي الذي يتوسل عبر ذلك إلى تدمير الدول الوطنية وإعادة انتاج هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة بما يحقق أهدافاً رئيسية:
الأول: اغراق قوى المقاومة في لبنان في حرب داخلية تؤدي إلى القضاء عليها لمصلحة العدو الصهيوني الذي يعيش قلقاً مستمراً من تنامي قوة المقاومة وجاهزيتها الدائمة، منذ الهزيمة التاريخية القاسية التي مني بها حيش الاحتلال الإسرائيلي عام 2006.
الثاني: إحكام السيطرة على الثروات النفطية العربية واستغلالها لإعادة انعاش الاقتصاد الأميركي وإخراجه من أزمته على حساب الدول العربية وتطورها.
الثالث: توفير الظروف المواتية لتبرير إعلان الدولة اليهودية العنصرية وتصفية القضية الفلسطينية.
فالتصدي للقوى الإرهابية واحباط أهدافها يستدعي خطة متكاملة لحل أزمات الناس خصوصاً في المناطق النائية الفقيرة والمحرومة من خدمات الدولة، والعمل على تحسين شروط حياتها، والحاجة باتت ملحة الآن لاتخاذ خطوات سياسية وأمنية لسد الثغرات ووضع حد للاختراقات التي تتسلل منها الجماعات الإرهابية وتمكنها من إعداد السيارات المفخخة وإرسالها بواسطة انتحاريين جرى تعبئتهم وغسل دماغهم على نحو أصبحوا فيه مستعدين لارتكاب هذه الجرائم.
وأولى هذه الخطوات المطلوبة:
1ـ عدم السماح بأي خطاب سياسية أو ديني يحرض على الفتنة ويثير النعرات ويوجد الذرائع التي تبرر للإرهابيين تنفيذ جرائهم، واعتبار كل من يدافع عن أي إرهابي تعتقله القوى الأمنية والجيش إنما هو شريك في توفير الغطاء للجماعات الإرهابية ومساعدتها على مواصلة ارتكاب جرائمها يجب توقفه ومحاسبته وفق القوانين المنصوص عليها.
2ـ العمل على توفير كل الإمكانات والقدرات والمعدات اللازمة للجيش والقوى الأمنية، كي تتمكن من محاصرة القوى الإرهابية ومنع التفجيرات قبل حصولها، واعتقال قياداتها وعناصرها.
3ـ وضع خطة إعلامية شاملة تستهدف محاربة الأفكار المتطرفة والتكفيرية، وحظر أي برنامج أو خبر يصب في صالح التشجيع على هذه الأفكار أو يخدم الجماعات الإرهابية، وبالتالي عدم السماح بأي خطاب طائفي أو مذهبي تحت غطاء حرية الإعلام، لان الإعلام يجب أن يكون مسؤولاً، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وحمايته من الانزلاق إلى الفتنة والفوضى الهدامة التي تستهدف تمزيق وحدته وتقويض تماسكه وتدمير كل مقومات الحياة الاجتماعية الواحدة فيه.