حتى الساعة لم ينضج الجزء الثاني من تسوية طرابلس، التي بدأت قبل أشهر قليلة، من خلال الخطة الأمنية التي أعادت الهدوء إلى محاور القتال التقليدية بين جبل محسن وباب التبانة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن خروج قادة المحاور من سجن رومية في وقت قريب، لا سيما أن هناك عراقيل لا تزال تمنع تحقيق هذا الأمر، وأبرزها الصراع السياسي في عاصمة الشمال بين القوى المختلفة، بالإضافة إلى أن معالم الحل الشامل في البلاد لم تظهر بعد.
في الجزء الأول من التسوية، التي كانت نتاج جولة من الإتصالات والمشاورات المحلية والإقليمية والدولية، كان المطلوب إبعاد فتائل التفجير عن الساحة، مقابل تعهد مختلف الأفرقاء بعدم حصول أي تغيير على أرض الواقع في هذه المرحلة، على أن يتم في مرحلة لاحقة تسوية الأوضاع بشكل شامل.
في هذا السياق، تكشف مصادر متابعة لـ"النشرة" أنّ المدة الفاصلة بين المرحلتين لم يكن من المتوقع أن تكون أقل من تسعة أشهر، بالحد الأدنى، لا سيما أن الأجواء الإقليمية لم تكن لتساعد على هذا الأمر، لكن الظروف المحلية الصعبة كانت تتطلب من مختلف الأفرقاء تقديم هذا التنازل للحفاظ على الهدوء النسبي القائم على الصعيد الأمني، في ظل الحملة القائمة تحت عنوان مكافحة الإرهاب.
وتشير هذه المصادر إلى أن الحل الذي تم التوصل إليه في المرحلة الأولى، لم يكن يعني بأي شكل تخلي أي من قوى الثامن أو الرابع عشر من آذار عن أوراق القوة التي لديها، إلا أن المطلوب كان تأمين ظروف مقبولة لا تعيق عمل الحكومة التي كان من المتوقع أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الدخول في مرحلة الشغور الرئاسي.
في الفترة السابقة، كانت كل الأمور تسير كما هو مرسوم لها، غادر كل من أمين عام الحزب "العربي الديمقراطي" علي عيد ونجله رفعت الأراضي اللبنانية، مقابل تسليم بعض قادة المحاور أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية، بعد وعود تلقوها بتسوية أوضاعهم خلال فترة قصيرة، لكن هذا الأمر تأخر ما دفع الموقوفين إلى الضجيج الاعلامي لتحريك قضيتهم من جديد، مستفيدين من تحرك الأوضاع الإقليمية ومن الصراع السياسي على الساحة الطرابلسية، الذي سمح لهم باللعب على التناقضات.
على هذا الصعيد، تشير المصادر المتابعة إلى أن أهالي الموقوفين، الذين قاموا بأكثر من تحرك في الأيام الأخيرة، قرروا إعادة إعطاء الفرصة للمساعي التي تقوم بها فاعليات المدينة السياسية والدينية، والتي تحركت بشكل لافت بعد أن بدأ قادة المحاور بالكشف عن معلومات خطيرة عن تورط بعضهم في الأحداث التي كانت تحصل، بالرغم من أن أياً من الأجهزة المعنية لم يتحرك من أجل التأكد منها، مع العلم أن من يتحدث هو موقوف، وبالتالي ليس هناك ما يمنع من التوسّع بالتحقيق معه.
في ظل هذه "المعمعة"، صدر القرار الإتهامي بحق رفعت عيد، طالباً له ولثلاثة آخرين الإعدام، الأمر الذي رأت فيه المصادر محاولة من قبل تيار "المستقبل" لتهدئة أهالي الموقوفين لا أكثر، لا سيما أن الجميع يعلم بأن هذا الموضوع سوف تتم معالجته لاحقاً في إطار المرحلة الثانية من التسوية، وتشير إلى أن الموقف الذي صدر من جانب قوى الثامن من آذار، في بيان لقاء الأحزاب يثبت ذلك، حيث أكدت هذه القوى أن القرار الإتهامي سياسي بإمتياز لا أكثر.
في المحصلة، تشدد هذه المصادر على أن كل ما يجري حالياً في هذا الملف هدفه إعادة الأمور إلى سابق عهدها، لا سيما أن ظروف أي معالجة لم تنضج بعد، وتؤكد أن آل عيد لن يكونوا خارج أي تسوية تعقد على الصعيد السياسي.