ليس تسارع الأحداث التي شهدتها الضفة الغربية في حزيران الماضي، والتي تمثلت باختطاف الجنود الصهاينة في منطقة الخليل، واكتشافهم قتلى، هي التي وقفت وراء أن يذهب نتنياهو وجوقة قادته إلى شن عدوان على قطاع غزة، وإن بدت هذه الحادثة أنها هي التي تقف وراء هذا العدوان من خلفية اتهام نتنياهو لـ"حماس" باختطاف الجنود الثلاثة وقتلهم، فالعدو الصهيوني ليس بحاجة إلى ذرائع، وعدوانه مستمر على الشعب الفلسطيني منذ العام 1948.
من المؤكد أن الكيان بقياداته المختلفة، وعلى عادته، يتحضر للعدوان على قطاع غزة بهدف رد الاعتبار وترميم القدرة الردعية - والتي تآكلت أمام المقاومة منذ العام 2008 في غزة، وقبلها في لبنان - بالاستفادة طبعاً مما تعيشه المنطقة من أحداث. نجحت أمريكا وحلفاؤها في دفع شعوبها ودولها إلى التلهّي بقضاياهم الخاصة تحت عناوين وشعارات "الحرية" و"الديمقراطية".. ثبت أن الدول الراعية لهذه الأحداث تمارس بحق شعوبها الأسوأ على مستوى الحريات وحقوق الإنسان.
تتوالى أيام العدوان الصهيوني، وعناوينه المزيد من ارتكاب المجازر، وتدمير المنازل والمساجد والبنى التحتية بهدف خلق المصاعب للإنسان في القطاع، تحت حجة تدمير قدرات وإمكانيات المقاومة التي فاجأت العدو وقادته بأنها قادرة على التصدي له، بل والوصول إلى عمق الكيان على امتداد فلسطين المحتلة، من خلال صواريخها التي لم تتوقف حتى اللحظة عن الانطلاق نحو أهدافها، والتي تطوّرت في هذه الحرب لتشمل المطارات التي شُلّت حركاتها، ومدينة ديمونا؛ عنوان جبروت السلاح النووي "الإسرائيلي ".. وللمرة الأولى المقاومة لا تنتظر من يأتيها من جنود الاحتلال، بل هي من ذهبت إلى "قاعدة زيكيم البحرية" في عسقلان.
معركة "البنيان المرصوص" و"الأكل المعصوف" غيّرت قواعد اللعبة، و"إسرائيل" باتت تحت النار، والمقاومة وشعبها لا يتألمون ويدفعون الثمن وحدهم، بل يؤلِمون، وضربات المقاومة تُوجع، وتدفع المستوطنين للعيش في الملاجئ، ومن ثم التفكير في مغادرة الكيان بحثاً عن الأمن والأمان، وتمنع حتى الآن من شن عملية برية على القطاع، وتبدأ على وقع المجازر الصهيونية تحركات الشارع العربي المتضامنة مع المقاومة، وإن كانت خجولة.
الانتصار المرتقَب للمقاومة يجب أن يعيد رسم الصراع، وتوظيفه في تصويب البوصلة في إعادة الاعتبار للمشروع الوطني المقاوم والرافض للمفاوضات، بما يليق بصورة فلسطين القضية المركزية الجامعة لأمتنا.