يعتبر القطاع الاستشفائي من أهمّ القطاعات التي تهمّ المواطن اللبناني لأنه على تماس مباشر بحياته وصحته، لذلك تحاول وزارة الصحة أن تكون على أتمّ الجهوزية لتلبية احتياجات المرضى، وبالتحديد أولئك الذين لا يملكون المال الكافي لشركات التأمين أو غير المسجّلين في الضمان الاجتماعي. إلا أنّ هذه الرعاية الصحية بحاجةٍ لتوافر الأموال القادرة على سدّ فواتير المرضى في المستشفيات، وهنا برزت مشكلة أساسية تتمثل بمدى واقعية هذه الفواتير ومدى خلوّها من التضخّمات التي تثقل كاهل الدولة وتمثل عمليات نهب موصوفة لأموال المرضى.
مع نهاية كل شهر، تقوم المستشفيات بإرسال الفواتير الطبية للمرضى الذين عُولِجوا على نفقة وزارة الصحة، إلى الوزارة بطريقة "إلكترونية"، حسب ما تقول المسؤولة عن قسم المعلوماتية في وزارة الصحة جيني رومانوس. وتلفت إلى وجود نوعين من الفواتير، الأول هو فواتير العمليات الجراحية التي تنطلق من سعر مقطوع لنوع العملية وهذا النوع يُدقق اوتوماتيكيًا، أما النوع الثاني فهي فواتير الأعمال الطبية وهي التي تشكل المشكلة الأبرز بما يخص الفواتير والتدقيق بها. وتشير رومانوس إلى أنّ نظام تدقيق الفواتير القديم في الوزارة كان يجري على أساس انتقاء 10 بالمئة من فواتير كل مستشفى بشكل عشوائي من أجل التدقيق بها وهذا ما يجعل الامر معتمدًا على الحظ.
ولكن، في عهد وزير الصحة الحالي وائل ابو فاعور، تمّ العمل على برنامج خاص يقوم بعمليات التدقيق لكل الفواتير، وفي هذا السياق يشير الدكتور المسؤول عن البرنامج في وزارة الصحة جهاد مكوك إلى أنّ النظام الجديد يحتوي على معدّل وسطي لكلفة كل مرض ويتم الاعتماد على هذا المعدّل كمرجع رقمي يعمل النظام على أساسه. ويقول في حديث لـ"النشرة": "تدخل الفواتير إلى النظام الجديد بطريقة يكون فيها المرض مرمَزا حسب الترميز العالمي للامراض، اي ان الوزارة تعرف بالتحديد ما هو المرض الذي تلقى المريض العلاج بسببه، وبالتالي يقارن البرنامج بين كلفة المرض حسب المعدل الوسطي، وكلفته بالفاتورة التي قدمتها المستشفى ويتم تحديد الفاتورة التي تحتوي على فرق بالكلفة ليتم عندها سحبها والتدقيق بها".
قاربت مستحقات المستشفيات في ذمة كافة الجهات الضامنة الرسمية حتى نهاية نيسان الماضي الف وثلاثمئة مليار ليرة لبنانية، كما بلغت المستحقات المتأخرة للمستشفيات في ذمة وزارة الصحة من العام 2000 حتى العام 2011 مبلغ 120 مليار ليرة لبنانية، وهذا المبلغ الكبير قد يحتوي على كثير من التضخم يفترض بالنظام الجديد إن جرى تطبيقه بشكل جيد أن يمنع تضخم الفواتير وان يزيل عن كاهل وزارة الصحة اعباءً اضافية.
أما بالنسبة لنقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، فإن الحديث عن التضخم في الفواتير فيه الكثير من التضخم، فالأمور ليست متروكة إلى هذا الحد. ويقول في حديث لـ"النشرة": "نحن في نقابة المستشفيات الخاصة نحبذ إجراء التدقيق بطريقة صارمة ولكن دون أن يحتوي نظام التدقيق على أيّ ثغراتٍ يمكن أن تسبّب الأذى للمستشفيات".
ويضيف هارون: "لدينا بعض الملاحظات حول البرنامج الجديد الذي ستعتمده وزارة الصحة إذ إنّ الدراسات التي أجرتها الوزارة على كلفة عمل طبي معين قليلة جدا، ففي كندا مثلا يتم اعتماد نفس البرنامج، إلا أنّ الدراسات هناك كانت على ملايين الحالات"، ويشير أيضًا إلى أنّ انتقاء عدد من الفواتير للتدقيق بها يمكن أن يؤدّي إلى أخطاء خصوصًا أنّ الأرقام ستعمم.
ويلفت هارون النظر إلى أنّ المستشفيات تقدّم فواتيرها بشكل مفصل عن كل تقرير وبالتالي يجب إجراء تدقيق لكل الفواتير، إلا أنّ ضعف امكانات الوزارة هو ما يحول دون ذلك. يؤكد أخيرًا أنّ وزير الصحة وائل ابو فاعور تلقى ملاحظات النقابة بصدر رحب وتم الاتفاق على متابعة الموضوع معه لمعالجة الثغرات بطريقة مهنية.
بدأت وزارة الصحة باعتماد نظام التدقيق الجديد مع تشديد العقوبات على المستشفيات المخالفة بحيث أنّ قيمة التضخم التي يمكن ان تُكتشف بفاتورة معينة سيتم اعتمادها على بقية فواتير المستشفى للشهر بأكمله، وبالتالي تنوي الوزارة الانتهاء من عصر الفواتير المضخمة والتقليل من الاموال المهدورة والتي يمكن ان تُستخدم في مداواة عشرات المرضى المحتاجين.
تقرير محمد علوش