يؤكد أحد المطلعين على مشكلة المصارف مع المؤسسة العامة للإسكان، أن المشكلة مفتعلة من مصرفين اثنين فقط، وأن هناك انقساماً عمودياً بين المصارف على كيفية معالجة هذه المشكلة. وما يعزّز هذه الشكوك، أنّ عجز المؤسسة عن سداد المبالغ المستحقة ليس حديثاً، فهي منذ أكثر من سنتين تتأخر في سداد بعض المبالغ، ثم تدفعها بعدما تحصل على سلفة خزينة، فلماذا الآن قرّرت المصارف إحداث كل هذه الضجة؟
يبدو أن بعض أصحاب المصارف مصرّين على افتعال مشكلة مع المؤسسة العامة للإسكان بهدف شراء محفظة قروض المؤسسة بأقل من قيمتها الفعلية بنسبة 30%. وهذه المصارف بدأت تنفذ خطّة من خلال استدعاء المقترضين، طالبة منهم توقيع وثائق تتضمن موافقتهم على دفع الفوائد المستحقة على المؤسسة العامة للإسكان للمصرف المعني.
هذا غيض من فيض ما جرى تداوله في الاجتماع الذي عقد أمس بين وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان روني لحّود، وبين رئيس جمعية مصارف لبنان فرنسوا باسيل والأمين العام للجمعية مكرم صادر. فما جرى أمس وقبله، يشي بأن المصارف ليست مستعدّة للإسهام في معالجة ملف المستحقات على المؤسسة، بل هي تحاول زيادة الضغط على المؤسسة من أجل تحصيل مكاسب إضافية قد تكون من خلال شراء محفظة قروض المؤسسة بأقل من قيمتها الحقيقية بنسبة 30%، أو من خلال فرض تعديلات على معدلات الفوائد على المقترضين تحصّل للمصارف أرباحاً إضافية على حساب المقترضين، أو فرض زيادة الدعم لهذا المنتج (قروض المؤسسة العامة للإسكان) من أجل تحصيل هذه الأرباح الإضافية من الخزينة العامة.
المصارف تزيد الضغط على المؤسسة من أجل تحصيل مكاسب إضافية
موّال بعض أصحاب المصارف ليس واضحاً بعد، لكن المؤسسة العامة للإسكان اقترحت على المصارف شراء محفظتها من الديون بقيمتها الفعلية مضافةً إليها فوائد بنسبة 3%، إلا أن المصارف رفضت هذا الأمر بصورة مطلقة لأن هذا الطرح لا يتناسب مع مصالحها. وبحسب المطلعين على هذا الأمر، فإن المصرفيين مقسومون على أنفسهم تجاه هذا الأمر، ويبدو أن رئيس الجمعية فرنسوا باسيل ونائب الرئيس سعد الأزهري وحدهما يحاولان الذهاب نحو خيار «متطرّف»، وخصوصاً أن المشكلة التي انفجرت مع المؤسسة العامة للإسكان سببها المصرفان المملوكان منهما، أي بلوم بنك وبيبلوس بنك. ويبدو أن الانقسام حول هذا الملف عمّق حالة الجفاء بين الرئيس ونائبه وبين بعض المصرفيين المخضرمين الذين يرون أن الحفاظ على قروض المؤسسة العامة للإسكان هو أمر مفيد للقطاع بكامله وللمصارف.
على أي حال، إن ما قاله الوزير درباس بعد لقائه باسيل وصادر، يكشف عن نيات المصارف تجاه المؤسسة العامة للإسكان والقروض المدعومة. فقد أوضح الوزير أن الدولة قصّرت في سداد المتوجبات، قائلاً: «نحن نعلم أن للمصارف حقوقاً على المؤسسة، وكلّنا نعلم أيضاً أن المؤسسة لديها ملاءة ولها مستحقات لدى وزارة المال تأتيها تباعاً، غير أنها تأتي بصورة متأخرة، وهذا ما أدى إلى وجود المشكلة في سداد المبالغ في مواعيدها». وأشار الوزير إلى أن «الأمر بدأ بالحلحلة بعد قرار تغذية المؤسسة بمبلغ 10 مليارات ليرة»، لافتاً إلى أن المبلغ «غير كاف على الإطلاق، ولكني تعهدت لوفد المصارف أنني سأسعى لدى الحكومة ووزارة المال من أجل تأمين مستحقات هذه المؤسسة لكي تقوم بدورها بسداد موجباتها للمصارف».
الإيجابية التي تحدّث بها درباس، قابلتها سلبية من باسيل. فهذا الأخير أبلغ درباس أن المصارف «ستتريّث في هذه المرحلة في الاقراض».
ماذا يعني التريّث؟ وهل تجرأ أي من المصارف على إبلاغ المؤسسة العامة للإسكان، خطياً، أنها تريد وقف القروض؟
في الواقع، تؤكد مصادر مطلعة على الملف أن كل المصارف مستمرّة بقروض المؤسسة العامة للإسكان باستثناء بلوم بنك وبيبلوس بنك، وأنه لو قرّر أي من المصارف أن يوقف القروض عبر بروتوكول التعاون مع المؤسسة العامة للإسكان فقد يأخذ الملف نحو نزاع قانوني وإضرار بالمصلحة العامة التي أنشئت من أجلها المؤسسة. وبحسب درباس، فإن هذه المؤسسة «هي مؤسسة اجتماعية وليست مؤسسة مالية، وهي تسهم في تثبيث اللبنانيين في أرضهم. لقد قامت هذه المؤسسة بأدوار جليلة منذ تأسيسها وحتى الآن، واعتقد أن للبروتوكول الذي وقع بين الدولة وبين المصارف دوراً في نجاحها. المصارف تقوم بخدمة المواطنين على طريقتها ووفق معايير الربح والخسارة التي هي أساس عندها. أنا أعوّل الآن على استمرار هذا التعاون، بل على تطويره، وهذا ما وعدنا به».
كلام درباس واضح لجهة معايير المصارف المتعلقة بتحقيق الأرباح وبأطماعها الدائمة من أجل تحصيل المزيد. لكن ديبلوماسية الوزير في التعبير عن هذا الأمر، يقابلها «خبث» المصارف التي ترفض الاعتراف بأنها منقسمة حول هذه القضية، وبأن مصالح بعضها لا تنسجم مع مصالح الآخرين بشأن المؤسسة العامة للإسكان، لا بل هي تحاول التلطّي وراء عجز المؤسسة لتطالب بما هو في جيوب المقترضين أو بما هو في الخزينة العامة. فبحسب باسيل، إن المشكلة مع المؤسسة هي «قضية المبالغ التي تنتظرها من وزارة المال. ونحن نتريث في الاستمرار، إنما لا يعني أننا لا نقبل طلبات، بل نقبلها وندرسها، ولكن تطبيقها ينتظر تحويل المبالغ المستحقة على المؤسسة». ويضيف باسيل أن «المصارف حريصة جداً على متابعة التعاون مع مؤسسة الإسكان، لأننا نرى أن هذا النوع من التسليف ضروري، وهو يؤمن استمرارية اللبنانين وتعلقهم بأرضهم. المصارف أدت دوراً كبيراً في موضوع التسليف السكني، ولدينا نحو 9 مليارات دولار تسليف سكني منها 3 مليارات دولار من طريق المؤسسة العامة للإسكان. وقد لعبنا دوراً كبيراً لخلق هذه الطبقة المتوسطة، وهذا نعتبره أساسياً لتعلق اللبنانيين ببلدهم».
وفي نهاية اللقاء، قال باسيل: «نشكر معالي الوزير ورئيس مجلس الإدارة المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان، وسوف نتعاون معهم بشكل مستمر وسنجد طرقاً متطورة مستقبلاً وفي القريب العاجل، تجعل هذا الموضوع لا يتكرر».