الحرب "الإسرائيلية" على غزة سرقت الأضواء خلال الشهر المنصرم عن الأحداث الجسام التي يشهدها الوطن العربي، بدءاً بتونس مروراً بليبيا ومصر، إلى لبنان وسورية والعراق، ذلك أن "الربيع العربي" ما يزال ينزف دماً ودموعاً وخراباً في هذه البلدان، وينبىء بمستقبل لا تُحمد عقباه في جسد هذه الأمة من محيطها إلى الخليج.
ولأنه لا يمكن الفصل بين "ربيع العرب" وما جرى ويجري في غزة، حيث العدو "الإسرائيلي" هو المستفيد الأول ومن بعده الغرب الاستعماري بكل ساحاته، فإنه لا يمكن احتساب المعركة مع "إسرائيل" فصلاً من هذا "الربيع"، فشتّان بين النضال من أجل فلسطين ومقارعة الاحتلال "الإسرائيلي"، وبين "الثورات العربية" التي أنتجت حالة من الفوضى في العالم العربي لم يسبق لها مثيل.
لعل ما يجري اليوم في سورية والعراق وليبيا يُعدّ من أسوأ الكوارث التي دهمت هذه الأمة، حيث البلدان الثلاثة مهددة بالتقسيم والتفتت، في ظل "الحركات الإسلامية" التي أنتجها "تنظيم القاعدة"، فجاءت أشد قسوة وعنفاً من الحركة الأم، بما يهدد بنشوء ثقافة جديدة لم يعرفها "الإسلام السياسي" حتى في أحلك مراحل تاريخه، ولعل أكثرها ظلاماً ما يُعرف باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش).
المشكلة أن بعض الأنظمة العربية وتوابعها، على الرغم من البيانات الكلامية التي تندد بالإرهاب، ما زال يتعامل باستخفاف مع تنظيم "داعش" الذي بات يسيطر على مساحات واسعة من سورية والعراق، ظناً منه أن النار لن تمتد إلى حياضه، أو لأن هذا التنظيم يناهض خصومه في البلدين المعنيين، وكأن المشكلة هي مع بشار الأسد ونوري المالكي و"حزب الله"، ثم يلملم "داعش" أوراقه وكفى المؤمنين شر القتال.
والمشكلة الأكبر في الوقت نفسه، أن هذا البعض يفلت الزمام لـ"إسرائيل" لتنزل تقتيلاً وتدميراً بقطاع غزة، على أمل أن تخلّصه من هذه "المقاومة المزعجة" التي تمنع التسوية الأميركية للقضية الفلسطينية، اعتقاداً منه أن "إسرائيل" تفتح ذراعيها لهذه التسوية الواعدة بدولة فلسطينية مستقلة، متناسياً في الوقت نفسه أن فلسطين هي القضية المركزية، وأن الكيان الصهيوني الذي زرعه الغرب في بلادنا هو أساس البلاء لهذه الأمة .
وغني عن البيان أن احتلال فلسطين وتشريد شعبها سيبقيان العامل الرئيسي في عدم استقرار هذه المنطقة بكل دولها وشعوبها وأعراقها، وأن "الربيع العربي" الذي لا يضع فلسطين في أولوياته، هو وهْم وسراب وربيع ذابل؛ لا يُنتج إلا الخراب والدمار والتفتيت.. من هنا، فإن معركة المقاومة في غزة اليوم هي الربيع العربي الحقيقي الذي يمكن أن يُنتج مستقبلاً زاهراً لهذه الأمة، تماماً كما أزهر ربيع لبنان في تموز العام 2006.. فلا ربيع للعرب في ظل الكيان الصهيوني الغاصب.. والسلام على من اتبع الهدى.