في غمرة الاحتفالات بصمود غزة وانتصار مقاومتها على العدوان الصهيوني الأخير، وما يترتب عن ذلك من مهمات الإغاثة والإيواء والإعمار والإعداد لاحتمالات المستقبل الملبَّد بتهديدات تل أبيب وحلفائها، وفي ظل التعبئة العامة التي تتردد أصداؤها في أكثر من عاصمة عربية، داعية المواطنين إلى الانخراط الفعلي في معركة الدفاع عن الوحدة الوطنية والحرية الإنسانية في وجه كل أشكال الإرهاب والاستبداد التي تهدّد إرثنا الحضاري ووجودنا القومي وكياننا الوطني، وفي إطار المساعي المستمرّة لـ"عقلنة" الوضع السياسي في لبنان، والارتقاء به من الأطر المذهبية القاتلة إلى دوائر التواصل والحوار وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد، ودرء المخاطر، والتصدي للانهيار الحاصل، وإعادة الطمأنينة إلى المواطنين، وتطبيع العلاقات السياسية بين القوى اللبنانية، وتحسين الوضع الاقتصادي، وترميم البنى التحتية، ولا سيما قطاع الكهرباء الذي يشهد على فساد وتخاذل الطبقة الحاكمة.. في ظل هذه العناوين الملتهبة والمسؤوليات التاريخية التي تفرضها والمهام التي تتطلبها، لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال تناسي مسألة هامة تخصّ أجيالنا الصاعدة، وسمعة البلاد التربوية الرسمية، والنظام التربوي نفسه، وسط لا مبالاة حكومية لافتة، وكأنّ المطلوب في هذه المرحلة الإجهاز على ما تبقّى من مؤسسات ثمينة اجتهد اللبنانيون، خصوصاً المعلمون والإداريون، طويلاً لبنائها على أسس علمية حديثة، فرفعت من مكانة هذا البلد الصغير، وحجزت له موقعاً مهماً بين البلدان الراقية المهتمة بالتعليم والثقافة.
وكما تتحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية التخلّي عن الشهادة الرسمية واستبدالها بالإفادة الهزيلة، التي تسربل الطالب وتحطّ من قيمة التعليم الرسمي، فإن المجلس النيابي يتحمّل بدوره مسؤولية التقصير في إقرار سلسلة الرتب والرواتب، وتحويل موضوع تمويلها إلى ذريعة مكشوفة للتنصُّل من مسؤولياته تجاه المعلمين والموظفين الذين يخدمون الطلاب والمواطنين مقابل رواتب ضئيلة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.. مع العلم أنه كان يمكن إقرار السلسلة وربط صرفها ببرنامج زمني مدروس، لتمكين الاقتصاد الوطني من امتصاص تداعياتها، خصوصاً أن المستفيدين منها سيُعيدون ضخّ الزيادات التي سيحصلون عليها في القطاعات المحلية، ما يؤدي إلى تفادي التضخُّم من جهة، وتنشيط الدورة الاقتصادية من جهة أخرى.
إن فشل الحكومة والمجلس النيابي معاً في حماية التعليم الرسمي وإنصاف جموع المعلمين والموظفين لا يمكن فهمه إلا من باب الفشل الذريع في إدارة شؤون الدولة، والعجز عن إنصاف المحرومين من أبنائها، والإصرار على مسايرة الطبقة المصرفية المالية، التي ترفض بدورها المسّ بأرباحها الطائلة المستخرّجة من اقتصاد يترنح، وتُنكر حاجة المعلم والموظف إلى زيادة محدودة في الراتب تقيهما شرّ العوز، وتمكّنهما من القيام بواجباتهما الوظيفية على أفضل نحو.