يُحاول تيار المستقبل تبرئة السعودية من تهمة عرقلة اتفاق هبة المليارات الثلاثة، كما قال الجانب الفرنسي. مصادره تؤكّد أن «الفشل سببه ضغط أميركي على الجانبين السعودي والفرنسي، تخوفاً من انقسام الجيش وسيطرة أطراف لبنانية على سلاحه»!
ميسم رزق
مع تواتر الأنباء، في الأيام القليلة الماضية، عن قرب توقيع الصفقة الفرنسية ـــــ السعودية حول هبة المليارات الثلاثة للجيش اللبناني، علّق أحد نواب تيار المستقبل بالقول: «إما أن يوقّع الاتفاق الآن وإما أن الهبة ستصبح في حكم الملغاة»! وهو ما حمل زملاء له في الكتلة على اتهامه بالمبالغة، باعتبار أن زيارة ولي العهد السعودي وزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز لفرنسا، ولقاءه الرئيس فرنسوا هولاند، يعنيان أن المليارات «باتت في الجيب».
لكن حديث المصادر الفرنسية عن «عقبات تقنية حالت دون توقيع الاتفاقية التنفيذية»، دفع بمصادر في تيار المستقبل الى التأكيد أن زيارة الوزير لباريس «بحثت أساساً في التنسيق السعودي ــــ الفرنسي في ملف الإرهاب، ودور المملكة في محاربته في المنطقة والعالم، والعلاقة مع شركات فرنسية تعمل على الحدود اليمنية ــــ السعودية». أما الهبة «فكانت تفصيلاً صغيراً خلال اللقاء».
إلا أن مصادر نيابية مستقبلية أخرى تتحدّث عن «معلومات كانت قد فضّلت إبقاءها طيّ الكتمان في انتظار نتائج اللقاء». وتعزو الفشل السعودي ــــ الفرنسي الى «ضغوط يتعرّض لها الطرفان من قبل الأوروبيين والأميركيين».
الاعتراض الأميركي أسبابه مالية أم تشكيك في عقيدة الجيش؟
وترجع «التردّد الأميركي في تنفيذ قرار تسليح الجيش اللبناني ومساعدته في حربه ضد الإرهاب» الى أن «واشنطن لا تنظر إلى الجيش على أنه محلّ ثقة وعنصر توازن قادر على حفظ البلد من الفوضى والفتنة الطائفية».
يحاول المستقبليون تبرئة المملكة السعودية من تهمة عرقلة الاتفاق، إذ إن «الرياض اليوم أكثر تفهماً لتعقيدات الوضع اللبناني، وما يحصل على الحدود اللبنانية ــــ السورية، ولذلك هي جادة في تقديم الهبة». ويحمّل هؤلاء واشنطن مسؤولية عرقلة تنفيذ الهبة «لأن أميركا لن تسمح للسعودية وفرنسا، بأي حال من الأحوال، بإغراق الجيش اللبناني بكمية من السلاح بقيمة ثلاثة مليارات». والسبب أن الأميركيين يريدون «ضمانات بعدم سيطرة بعض الأطراف اللبنانية، التي تعتبرها واشنطن ميليشيات، على سلاح الجيش في حال انقسامه». ويستند الأميركيون في موقفهم هذا، بحسب المصادر نفسها، الى «علمهم بطبيعة المجتمع اللبناني وتركيبته، والجيش الذي لا ينفصل عن البيئة الطائفية التي يعيش فيها. إذ إن لكل عسكري في الجيش أخاً منتسباً الى حزب أو تيار مسلح. وهذا ما لمّح إليه أكثر من مرة ملحقون عسكريون أميركيون أُوفدوا إلى لبنان بهدف البحث في منح الجيش مساعدات عسكرية». وما زاد من وتيرة التخوّف الأميركي «تصاعد وتيرة العنف والطائفية في مناطق يُعدّ أبناؤها خزّاناً بشرياً للجيش»، ما يدفع الولايات المتحدة إلى «فرض استراتيجية لاستخدام هذا السلاح، ومن الممكن أن تكون هذه النقطة هي التفصيل الذي حال دون توقيع الاتفاقية حتى اللحظة».
لكن كل هذه التبريرات التي تصل من الأميركيين إلى عسكريين وسياسيين لبنانيين تخفي، بحسب معلومات شخصيات مستقبلية مطلعة، سبباً آخر لعرقلة الهبة الفرنسية، هو «بكل بساطة، مالي». فبحسب هذه المصادر، ينحصر اعتراض الأميركيين على ما معناه: «عندما تريدون سلاحاً مجانياً، نحن نؤمنه. لكن عندما تتوافر الأموال تذهبون إلى فرنسا؟». وتلفت المصادر إلى أن مشكلة الأميركيين مع السعوديين ليست في المليارات الثلاثة المخصصة للجيش، «بل في كون هذه المليارات الجزء الأصغر من صفقة كبرى بين الرياض وباريس تصل قيمتها إلى نحو 25 مليار دولار. وبالطبع، يريد الأميركيون الفوز بها».
لكن أين لبنان من كل ما يحصل؟ «عادة ما يُخدع لبنان في البداية، غارقاً في فرحة وصول المساعدات إليه. ليس هناك أسهل علينا من تقديم الشكر، وليس هناك أصعب من الحصول على الهبات». بهذه العبارة، تختصر المصادر كلامها عن المليارات الثلاثة «التي يحتمل أن تلحق بالهبة الروسية». وتذكّر مصادر رسمية معنية بملف تسليح الجيش بالهبة الروسية التي أجهضت عام 2009، نتيجة للضغوط الأميركية التي رفضت أن تصبح روسيا «شريكة للجيش اللبناني»، وأرادت إبقاء عمليات تسليح الجيش وتدريب ضباطه حكراً عليها وعلى من تختاره من حلفائها. «والخوف كل الخوف أن تلقى هبة المليار دولار التي تحدّث عنها الرئيس سعد الحريري المصير نفسه، فحتى الآن لم نعرف عنها إلا رقمها»!