تشهد الأوضاع في المنطقة متغيرات مهمة، وذلك من خلال انطلاق الحوار السعودي- الإيراني المباشر والحديث عن وجود نقاط تقارب بين البلدين في مقاربة العديد من ملفات المنطقة، ويضاف إلى ذلك التطورات الايجابية في العراق بعد تنحي نوري المالكي وتكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة الجديدة ووجود مؤشرات عديدة على أن هذه الحكومة ستكون متوازنة وستشارك فيها معظم القوى الأساسية.
ويضاف إلى ذلك ازدياد الخوف الدولي والإقليمي من تنظيم «داعش» وتمدده في العراق وسوريا ووصوله إلى الحدود اللبنانية، ولا سيما على حدود عرسال.
في ضوء ذلك، بدأنا نشهد تبادل رسائل إيجابية على الصعيد اللبناني بين حزب الله وقوى 8 آذار من جهة، و«تيار المستقبل» وقوى 14 آذار من جهة أخرى، حيث دعا مسؤولو حزب الله وحركة أمل إلى ضرورة الجلوس إلى طاولة الحوار، وقد صدرت مواقف عن بعض قادة قوى 14 آذار تؤكد أهمية الحوار في هذه المرحلة بغض النظر عن الخلافات بشأن مقاربة بعض الملفات الداخلية والخارجية.
لكنّ مسؤولي «تيار المستقبل» يؤكدون «ان الجلوس إلى طاولة الحوار مع حزب الله يتطلب بعض الوقت وصدور مؤشرات إيجابية عن الحزب»، ولا ينفي هؤلاء وجود قنوات تواصل بين الطرفين، وهذا ما أكده أيضاً السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري في مقابلة إذاعية بثت مؤخراً.
فهل سنشهد حواراً مباشراً بين حزب الله وقوى 8 آذار من جهة وبين «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار من جهة أخرى؟ وما هي نقاط التباين والاختلاف بين الطرفين والتي تقف حجر عثرة أمام عودة الحوار بينهما؟
حول الحوار المباشر بين الطرفين
بداية ما هي مواقف حزب الله و«تيار المستقبل» وقوى 14 آذار من الحوار المباشر بين الطرفين؟
مصدر قيادي بارز في حزب الله قال «إن الحزب لديه الاستعداد الكامل للحوار مع جميع الأطراف ولا سيما تيار المستقبل، وإنه تم توجيه عدة رسائل لقيادة التيار من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار وفق رؤية سياسية شاملة في ظل المخاطر التي يواجهها لبنان حالياً، وبشرط أن لا تكون هناك شروط مسبقة وان يتم توفير الأجواء المناسبة للحوار عبر وقف السجالات والحملات الإعلامية».
أما منسق تيار المستقبل في طرابلس النائب السابق الدكتور مصطفى علوش فيقول في حوار مع «الأمان» «ان التيار ليس لديه مانع من الحوار مع حزب الله، لكن بشرط ان يرسل الحزب إيحاءات إيجابية بشأن انسحابه من سوريا وان يتم الالتزام باستكمال تطبيق بنود الحوار الوطني التي أقرت سابقاً وكذلك اعلان بعبدا.
ولم ينفِ علوش وجود قنوات تواصل بين الحزب وتيار المستقبل لمتابعة بعض الملفات العالقة ومن أجل التخفيف من حدة الاحتقان السائد في البلاد.
أما عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق سمير فرنجية فقد دعا خلال لقاء حواري معه في الأسبوع الماضي في طريق الجديدة إلى ضرورة الجلوس على طاولة الحوار اليوم قبل الغد وعدم انتظار حصول الانفجار الكبير حتى نجلس على الطاولة.
واعتبر فرنجية «ان قوى 14 آذار كانت تريد تأخير الحوار مع الحزب بانتظار تبلور الصورة في سوريا والمنطقة وان الحزب لم يكن يتعاطى ايجابياً مع بقية القوى وكان يشعر بتضخم القوة، لكن الأوضاع اليوم في لبنان تحتم على الجميع الجلوس على طاولة الحوار وانه لا بدّ من قيام جهة بإطلاق مبادرة عملية تسهِّل الحوار لأنه لا يجوز انتظار التطورات في المنطقة حتى نتحاور جميعاً».
نقاط التباين والاختلاف
لكن ما هي نقاط التباين والاختلاف بين الطرفين؟ وهل هناك امكانية لوجود مساحات مشتركة في هذه المرحلة وفي ظل التطورات الإقليمية الايجابية وشعور الجميع بخطر داعش؟
قد تكون النظرة للوضع السوري ودور حزب الله في سوريا هي أبرز نقاط الخلاف بين حزب الله وتيار المستقبل وقوى 14 آذار حالياً، وإن كان قد تم تجاوز هذه المشكلة من خلال موافقة الطرفين على المشاركة في حكومة المصلحة الوطنية، كما أن التطورات في عرسال واقتحام مقاتلي داعش وجبهة النصرة لعرسال وأخذ ضباط وجود الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي رهائن قرّب كثيراً من مواقف الطرفين، وإن كان ذلك لم يؤد إلى نهاية الخلاف. فتيار المستقبل يدعو الحزب للخروج من سوريا أو ابداء الاستعداد لذلك، فيما يعتبر مسؤولو الحزب أن دورهم في سوريا حمى لبنان من مخاطر عديدة، ويبدو أن الأيام المقبلة في ظل ازدياد الخوف من خطر «داعش» وتمددها الى لبنان قد تشهد تراجع التباين في هذا الملف.
أما الموضوع الثاني فهو ملف الانتخابات الرئاسية وضرورة الوصول الى اتفاق سريع لإجراء الانتخابات والوصول الى مرشح توافقي بديل من الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون. ورغم أن «تيار المستقبل» وقوى 14 آذار قد أرسلت رسائل إيجابية في هذا الإطار، فإن حزب الله لا يزال يؤكد وقوفه إلى جانب العماد ميشال عون ودعمه له في الانتخابات الرئاسية وان أي اتفاق بشأن الملف الرئاسي يجب ان يكون مع العماد عون، وهذه النقطة ستظل عالقة بانتظار حصول مفاوضات جدية بين مختلف الأطراف اللوصول إلى اتفاق شامل، وقد يؤدي التقارب السعودي- الإيراني وحلحلة الملف العراقي الى المساعدة في الوصول الى مثل هذا الاتفاق.
أما الملف الثالث الذي لا يوجد حوله رؤية موحّدة، فهو ملف التنظيمات الإسلامية المتشددة وكيفية التعاطي معها. فرغم أن حزب الله وتيار المستقبل وقوى 8 و14 آذار تتفق على خطر هذه التنظيمات وضرورة التعاون لمواجهتها، فإن حزب الله و8 آذار تعتبر أن المخابرات الأميركية والاسرائيلية وبعض الدول العربية والإقليمية تقف وراء داعش، في حين ان تيار المستقبل وقوى 14 آذار يعتبران ان النظامين السوري والعراقي يتحملان مسؤولية تمدد داعش وان الإرهاب لا يُجزأ، وان ظلم الأنظمة يؤدي الى التطرف. وتبرز بعض النقاط التفصيلية الخلافية في كيفية مقاربة هذا الملف ومواجهته.
وهناك قضايا أخرى لا تزال عالقة، ومنها ملف سلاح حزب الله وملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإن كان قد تراجع الحديث عنهما حالياً.
إذن هناك نقاط تباين وخلاف، لكن يبدو ان التطورات الداخلية والإقليمية ستدفع الجميع إلى الجلوس مجدداً إلى طاولة الحوار ان لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد.