نقلت "الاخبار" عن احد الحاضرين في الصلاة التي ترأسها السفير البابوي غبريال كاتشيا والنائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم في باحة منزل الوزير السابق عبدالله فرحات في منطقة حمانا السبت الماضي بذكرى مرور اليوبيل المئوي الثالث على وصول أولى العائلات المسيحية من شمال لبنان الى جبل لبنان الجنوبي، أن المسيحيين "بدأوا قبيل ثلاثمئة عام بالانتشار والتوسع واستصلاح الأراضي الزراعية، فيما هم اليوم، بعد 300 عام، يُهجّرون وتتقلص أعدادهم. وقد لا نجد مسيحياً واحداً يحتفل بهذه الذكرى بحلول ذكرى الأربعمئة عام". ويبدو أن كلام السفير البابوي لم يحد عن هذا الاطار غير المطمئن أبداً، بعد استبعاده عودة المسيحيين الى الموصل، وإبدائه تشاؤماً في ما خص الموقع المسيحي الأول في لبنان.
ودار الحديث حول الاستحقاق الرئاسي والموقع المسيحي الأول، ومعه الوجود المسيحي المشرقي. ونقل أحد الحاضرين أن الفاتيكان، وفقاً لكاتشيا، "لا يعتبر رئاسة الجمهورية في لبنان موضوعاً مسيحياً صرفاً، ومن الظلم تحميل المسيحيين مسؤولية عدم انتخاب رئيس حتى الساعة"، ذلك أن "التسوية الاقليمية المقبلة ستكون وليدة اتفاق سعودي ـــ إيراني، ولن يكون لرئيس الجمهورية اللبناني سوى حيز صغير من هذه المفاوضات. وبناءً عليه، يصبح لزاماً على المسيحي القبول بما يقدمه اليه حليفه السياسي نتيجة غيابه التام عن طاولة المفاوضات العامة. وذلك يدعو الى خلاصة مؤسفة ولكن وحيدة: مسيحيو لبنان لن يسترجعوا حقوقهم".
لم يبد كاتشيا أهمية لتعجب أحد الحاضرين من هذا التشاؤم الفاتيكاني المستجدّ، تتابع المصادر، بل بادر سريعاً الى القول: "اليوم، هناك ملف إقليمي كبير فرض نفسه على كل الدول يتعلق بوضع المسيحيين العرب المهجرين من العراق وسوريا، ومن يُحكم إمساك هذا الملف يحجز لنفسه مقعداً على طاولة المفاوضات. والمطلوب من الزعماء المسيحيين أن يمسكوا الملف المسيحي المشرقي من العراق الى سوريا الى مصر الى جنوب السودان". واللافت أن السفير البابوي انطلق من تجربة النائب ميشال عون مع القرار 1559 لإثبات قدرة المسؤولين على إيصال ملفاتهم الى المنابر الدولية إن رغبوا. "فمن يستطع أن يحوّل حقوق المسيحيين من هاجس لبناني صرف الى هاجس عربي ودولي، يفرض نفسه لاعباً ثالثاً في المفاوضات الاقليمية، والأهم أنه يتمكن من تحصيل الحقوق الضائعة من دون تسوّلها من الطوائف الأخرى"، يضيف كاتشيا.
في سياق آخر، أشار السفير البابوي الى استحالة السماح بانقراض المسيحيين أسوة بما حصل في شبه الجزيرة العربية، إذ "لا يمكن للمشرق العربي أن يفرغ من المسيحيين، لكونه الأرض الذي مشى عليها المسيح". ووفقاً لكاتشيا، "تقلّص نفوذ الفاتيكان في العالم، وعدم قدرته على إنقاذ الوجود المسيحي بطريقة فاعلة وسريعة يعود الى لاهوتية البابا الحالي وسلفه السابق وافتقادهما الحنكة السياسية للبابا يوحنا بولس الثاني الذي تمكن من توجيه أول ضربة معول في الحائط الشيوعي في بولونيا". ما سبق، "ساهم في حصر نفوذ الكنيسة الكاثوليكية مقابل توسع نفوذ الكنيسة البروتستانتية، وما يعنيه ذلك من مضاعفة قوة الكنيسة الأنغلوساكسونية في العالم". لذلك كان لا بدّ للفاتيكان من أن يبحث عن دور جديد من خلال السعي الى ضخ دم جديد في إدارته من جهة، وحث البطريرك الماروني بشارة الراعي على لعب دور "المشرقي المنقذ". وهو ما دفع الكنيسة الكاثوليكية الى تكليفه بالذهاب الى العراق لمتابعة الوضع المسيحي على الأرض. ولكن، تضيف المصادر، انتظر الفاتيكان من الراعي "مبادرة حلّ تفضي الى تسهيل أمور المسيحيين المضطهدين لا الاكتفاء بتشجيعهم على التمسك بأرضهم فقط. انتظرنا أن يقدّم برنامجاً إسكانياً اقتصادياً كاملاً يؤدي الى احتواء مهجري العراق وسوريا. انتظرنا أن يضغط على الدولة اللبنانية من أجل تسهيل دخول المسيحيين الى أراضيها، خصوصاً من يفتقد الأوراق القانونية اللازمة". فوفقاً لكاتشيا، "لا تنطبق صفة المهاجر على اللاجئ المسيحي العراقي والسوري الى لبنان، في حين أن سفر هؤلاء الى أميركا وأوروبا هو هجرة فعلية". كان يفترض بكلام كاتشيا أن يثير دهشة الحاضرين، لولا خطفه أنفاسهم سابقاً بحديثه عن ثلاث وقائع ينبغي التفكير فيها: أولاً صعوبة عودة المسيحيين الى الموصل حتى لو تمّ القضاء على "داعش"، بسبب غياب البيئة الحاضنة لهم والقادرة على استيعابهم. ثانياً، من مصلحة اللبنانيين احتضان اللاجئين السوريين والعراقيين، إذ ما الضرر في إعادة التمثيل المسيحي الى ما كان عليه قديماً، أي رفعه من ثلاثين في المئة الى خمسين في المئة مثلاً؟، ثالثاً، حصل الملك عبدالله الثاني على مساعدات تجاوزت قيمتها خمسة مليارات جراء سماحه للنازحين السوريين بإقامة المخيمات ضمن أراضيه، ويمكن تالياً للدولة اللبنانية والقادة المسيحيين تأمين مصاريف النازحين المسيحيين عبر طلب المساعدات المالية هم أيضاً.