عرفت مدينة طرابلس بأنّها مدينة العلم والعلماء، واكتسبت هذا الاسم لتعدّد مدارسها الدينية التاريخية وزوايا الطرق الصوفية، والتكايا، وقد تخرّج من هذه المدارس مئات العلماء والفقهاء والأئمة. واشتهرت طرابلس بمزاراتها المتعدّدة التي تجاوزت العشرة مزارات لأولياء من ذوي الأعمال الخارقة والتي يقصدها المؤمنون من كلّ أنحاء لبنان والعالم العربي والاسلامي نظرا لشهرتها وشهرة مزاراتها في تحقيق آمال وتطلعات المؤمنين.
هذه المزارات، التي باتت مقصدًا للمؤمنين، هي بحدّ ذاتها مواقع سياحية دينية تشهد يوميا عشرات الزوار خاصة المزارات التي تمركزت داخل أحياء طرابلس القديمة المملوكية، ولعل "سيدي عبد الواحد المكناسي المغربي" من أبرز هذه المزارات وهو لشيخ ورع وتقي قدم من مكناس المغرب الى مدينة طرابلس في رحلة تبشيرٍ ديني في اوائل القرن التاسع عشر، وتوفي في طرابلس حيث كان يقيم ويستقبل المؤمنين ويفتي في قضاياهم وفي مشاكلهم ويقدم الفتاوى الدينية لهم. كما عرف عبد الواحد بتنسكه وشدة ورعه وتقواه الى ان ارتقى في نظر المؤمنين الى منزلة الاولياء وتحول قبره الى مزار للمؤمنين، يتشفعون عنده كوسيط بينهم وبين الله.
القصص الشعبية حول هذا المزار متعددة ويروي كبار السن لـ"النشرة" كيف حمى هذا المزار الحي المحيط به يوم اشتدّ القصف الذي حصل في الثمانينيات، وكيف بات الكثيرون يقصدونه من كل المناطق اللبنانية ومن سوريا والاردن والعراق وخصوصا من المغرب، حيث يعرف كثيرا بخوارقه، للتبرك ولطلب الشفاء او لايفاء النذورات.
يقع مزار سيدي عبد الواحد المكناسي المغربي في محلة المهاترة في الاسواق الداخلية على مسافة امتار من سوق العطارين حيث يوجد زقاق ضيق يؤدي الى المزار الاثري الذي تحيط به منازل متلاصقة متصلة بعضها بالبعض الآخر وهي منطقة تاريخية اثرية تعتبر امتدادً لقلعة طرابلس الصليبية – المملوكية.
"النشرة" التي جالت بالمكان سمعت من الزوار أنّ من يدخل المزار يشعر برهبة المكان المقدس حيث أول ما يطالع الزائر السكينة والهدوء وعطر المسك الذي يفوح من المزار على مدار اربع وعشرين ساعة متواصلة. تقوم سيدة مكلفة من دائرة الاوقاف الاسلامية برعاية المزار وتنظيفه يوميًا واعداده ليكون لائقا للزائرين الذين يتلون سورة الفاتحة ويضعون امانيهم وطلباتهم عند "سيدي عبد الواحد"، كما يؤكد كل من زاره أنّ الوليّ قد حقق للكثير امانيهم وشفاهم من الامراض، بل حمى الكثير من الحسد والعين حسب الروايات التي تتناقلها النسوة حتى اليوم.