مجريات الاحداث في لبنان تضعك يوميا بين الف تحليل وتحليل عن مستقبل البلد الذي يمر بأصعب مراحله، ورغم ما يقال عن مظلة الدول تلك فأوراق التوت تعرينا وتجعلنا مجرد دمى في ايدي تجار الموت.
وداعش اليوم لا تختلف كثيرا عن داعش الامس، فكلهم دواعش.
مقاربة صغيرة مع "رشة" تحليل يتبين امامنا أن كل من يخاطبنا عن الحياة الافضل يحاول أن يقارب لنا لذة الموت حسب نظرته، فمن يرتدي قميصا وربطة عنق هو ذاته من يرتدي لباس القوم ويحمل بيده سكين...
فلبنان شهد على مر تاريخه الكثير من الاحداث التي اسست لانظمة داخلية راسخة في الارض، وخالدة في العقول لانظمة طائفية لا يمكن محوها بسهولة، بل من المستحيل اذا اردنا ان نتكلم بلسان العاقل، وكل منا يحاول ان ينمي غريزة البقاء لديه.
مصطلح "الارهاب" نتاج سياسي بحت لا وجود له في قواميس اللعبة المحلية حتى الامس القريب، لكن هناك من اراد ان يخلق هذا الوحش ليفرض ما يريد في اللعبة الداخلية، فداعش السياسة اخطر بكثير من داعش الارهاب، فنحن نعيش موتا سريريا، وانفاس الرمق الاخير لا تزال تقاوم.
المواطن اللبناني لا حول له ولا قوة فالسباق المذهبي ارهقه وجعل جل همه قوت يومه وبعض رذاذ الحياة، ولكن كيف تكون السياسة داعش!
استيقظ المواطن باكرا ليس حبا في الذهاب الى العمل بل لأن الكهرباء مقطوعة وحرارة الطقس ايقظته، اراد ان يأخذ حمامًا يريح بدنه الا ان رائحة المياه ولونها بدلا ما في عقله، ليقرر بعد ذلك ان يستبدل الحمام بفنجان قهوة على شرفته. دخل المطبخ فاذا به يرى ابنه صاحب الافادة الرسمية يلطم خده، فاقساط الجامعة الرسمية هذا العام تلقي الرعب في نفوس الفقراء، فنظر اليه الاب ولم يحرك ساكنا بل مضى يكمل فنجان قهوته، لكن لسوء الحظ المياه تلك ذات الرائحة قد انقطعت عن الدار فقرر ان يشربها في عمله. خرج من منزله قبل ساعة ونصف الساعة ليصل في الوقت المناسب لان زحمة السير دائما ما تخصم من راتب الخمسمئة دولار الكثير الكثير، ولا يريد ان يطرد ويبحث عن عمل جديد. دخل الى مكتبه الصغير فاذا بمديره قد علق له ورقة انذار دون ان يعرف السبب. فتح التلفاز فإذا بخبر عاجل يلون صفحاته: ابنه العسكري خطف على ايدي الجماعات التكفيرية، فهرول مسرعا نحو زعيمه يطلب منه المساعدة، فاحتضنه امام عدسات التلفاز العوراء وتعهد له بالحل القريب، فخرج زميله السياسي يزايد عليه فلم يحتمل فزايد بدوره. مزايدة من هنا مزايدة من هناك، عاد ابنه الى المنزل بعد عدة اسابيع جثة هامدة، فتسارعت الايدي الخيرة تطبطب عليه وتطلب منه الهدوء والحذر، لكنه لم يقبل. خرج وقطع الطريق عن ابناء وطنه فيما ذاك الزعيم يحاضر في الديمقراطية من صالون منزله. عدة ايام، طويت الصفحة وكل شيء عاد الى طبيعته، فيما ذاك المواطن كان قد طرد من عمله ليس لاسباب طائفية معاذ الله بل لاسباب روتينية. جلس في المنزل مع ابنه صاحب الافادة العاطل عن العمل وزوجته متخصصة العدس والبرغل. غابت الايام واتت الانتخابات فتوعد انه لن يقبل بالتمديد لذاك الزعيم فخرج هو وبعض عائلته رفعوا لافتة كتب عليها "لا للتمديد"، ولكنّ صندوق الإعاشة وبون البنزين مغريان، فالزعيم "جايي فيي وبلايي".
هذه هي داعش السياسة داعش التي تقطع الماء والدواء والكهرباء والعمل والحياة والطعام والتعليم والضمان والشيخوخة.... فما الفرق بين من يقطع كل هذا ومن يقطع العنق؟!