يصرّ المسؤولون في ايران على رأيهم بأنّ التحركات التي يقوم بها أعضاء "جيش العدل" السنّي(1) بحق أفراد الجيش والشرطة الايرانية، هي بتنسيق سعودي-أميركي، وباتوا يعتبرون أنّ الأمور لم يعد من الممكن السكوت عنها.
أما النقطة التي جعلت الكيل يفيض، فكانت العملية التي قام بها أنصار "جيش العدل" حيث كمنوا لثلاثة من عناصر الشرطة الايرانية وقتلوهم، ثمّ فرّوا إلى باكستان بحسب وسائل الاعلام الايرانية. وعليه، فقد هدّدت إيران بملاحقة القتلة حتى داخل الأراضي الباكستانية، إذا لزم الأمر(2).
والمواجهة بين "جيش العدل" وايران ليست بجديدة، بل تمتدّ لسنوات، لكن الايرانيين أصبحوا اليوم ينظرون إلى الأمور من منظار آخر أكثر شمولية وقوة، خصوصاً بعد تعاظم دورهم السياسي في الخليج والشرق الأوسط، وانفتاح عددٍ من الدول الغربية عليهم، ناهيك عن التقرّب السريع الذي يقومون به تجاه روسيا والصين.
وترى إيران أنه إذا كان لها أن تبقي على دورها وفعاليتها، فإنه من الأساسي بالنسبة إليها عدم ترك أيّ ثغرة قد يستغلها الآخرون لإضعاف موقفها وتحييدها عن أهدافها. وقد تمكنت طهران من تخطي عقبة أساسية ظهرت بين عامي 2009 و2011 حين عمّت المظاهرات المدن الإيرانية قبل أن يتمكن النظام من إعادة الأمور إلى طبيعتها.
واليوم، يعتقد المسؤولون الايرانيون أنّ الغرب والسعودية مرتبطان بالتحركات الكثيفة والخاطفة التي يقوم بها "جيش العدل"، من أجل تحويل أنظار الايرانيين عمّا يجري في سوريا، وتقليص دورهم هناك عبر إلهائهم بمشاكل أمنية تنخر مناطقهم المتاخمة للحدود الباكستانية.
ولكن، ماذا لو قرّر الايرانيون بالفعل تخطي الحدود والدخول إلى أراضي باكستان؟ السؤال افتراضي صرف، لأنّ الوصول إلى هذا القرار دونه عقبات سياسية ودبلوماسية وعسكرية حتى. فمواجهة إيران لـ"جيش العدل" تكاد توازي من حيث التشبيه فقط، مواجهة تركيا لحزب العمال الكردستاني، ولو كان لطهران أن تقضي على هذا التنظيم بالفعل، لكانت قامت بذلك منذ زمن بعيد. لكنها، على غرار تركيا، تكبّدت الكثير من الخسائر دون إمكانية القضاء على هذا التهديد، فاكتفت بالحدّ من خطورته.
ولا بدّ من التشديد على أمر آخر يصعّب على إيران اتخاذ مثل هذا القرار، وهو أنّ كلّ ما يجري في هذه البقعة الجغرافية، لا بدّ أن يخضع لموافقة واضحة وصريحة من كلّ من الصين وروسيا، لأنّ وجودهما الجغرافي يحتم سيطرتهما على مفاتيح المنطقة ميدانياً. ولا يغيب عن بال أحد أنه كلما كان الفتيل يشتعل بين الهند وباكستان، أو بين باكستان وافغانستان، كان الأميركيون يتدخلون، ولكن التدخل الفعلي المؤثر كان للصين ولروسيا.
والتقارب الصيني-الروسي-الايراني يحتّم على طهران أخذ الضوء الأخضر من القوّتين الكبيرتين قبل القيام بمثل هذا التحرك، مع الاشارة إلى أنّ بكين وموسكو لا ترغبان في توسّع "جيش العدل"، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي نشهد فيها صعود نجم "داعش". فالوصول إلى إقليم سنّي في هذه المنطقة بالذات، أمر بالغ الخطورة على جميع من في المنطقة خصوصاً وسط الحساسية الزائدة مع الطائفة الشيعية من جهة، والاتجاه التكفيري الآخذ بالتمدد شرقاً وغرباً من جهة ثانية.
الاختبار اذاً في غاية الجدية والدقة، فالردّ الايراني له ثمنه، كما أنّ السكوت عمّا يجري له ثمنه ايضاً لأنه سيزيد من عزم أهل السنّة في إيران لرفع الصوت وحتى الانضمام إلى "جيش العدل" وغيره من المنظمات من أجل إثبات الذات والمطالبة بحقوق أكبر.
(1) في 20/6/2010 نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام شنقا بحق عبد المالك ريغي، زعيم جماعة "جند الله" السنية، فتعهد رفاقه، وفي مقدمتهم شقيقه عبد الرؤوف ريغي وعبد الرحم ملازاده، بمواصلة نضالهم المسلح ضد السلطات الإيرانية. وبعدها، أعلن "ملازاده" و"ريغي" عن تأسيس "جيش العدل" عبر توحيد الفصائل والحركات المسلحة.
تمت مبايعة "ملازاده" أميرا لـ"جيش العدل" في نهاية عام 2012.
(2) في 10/10/2014، أعلن قائد الشرطة الايرانية اللواء اسماعيل احمدي أنه إذا كان بلد الجوار (اي باكستان) عاجزا عن ملاحقة الارهابيين فإنّ إيران سوف تطاردهم وراء حدودها.
وكان "جيش العدل" أعلن مسؤوليته عن العملية التي حصلت الشهر الفائت واستهدفت قاعدة "سارافان اسبيتش" وأدّت الى مصرع عدد من الجنود الايرانيين.