حمل رئيس مجلس النواب نبيه بري الهم الأمني الذي يهدد لبنان وبلدان المنطقة الى جنيف، حيث يبحث بتركيز مع رؤساء الوفود المشاركة في الاجتماع الـ 131 للاتحاد البرلماني الدولي الذي يفتتح أعماله اليوم (الاثنين). ومن المطار أقلته سيارة مصفحة كانت في انتظاره ترافقه مجموعة من رجال الأمن السويسريين لا يفارقونه. ولوحظ ان هذه الاجراءات لا تشمل كثيرين من رؤساء الوفود ولم تكن معتمدة في زياراته السابقة لجنيف.
يبدو ان الهاجس الأمني يشغل الجميع حتى في سويسرا التي يتغنى العالم باستقرارها، فالارهاب واخطار تنظيم "داعش" واخواته في العراق وسوريا وصولا الى الربوع اللبنانية باتت في أربع رياح الارض. وسويسرا وضعت في صدارة اهتماماتها ملف الارهاب واتخذت سلسلة من التدابير لمكافحته وخصوصا في الأشهر الأخيرة، على ما يؤكد ديبلوماسيون في جنيف وبرن.
والمعروف عن بري أنه يعشق رياضة الهرولة، ولم يعد يمارسها في الاعوام الأخيرة إلا في عين التينة، وقد اراد ممارستها على مقربة من بحيرة جنيف وسط ثلة من عناصر الأمن قبيل منتصف ليل أمس في طريقه الى مقر اقامته. وكالعادة لا تغيب الملفات اللبنانية الساخنة في أحاديثه بفعل انقسامات الافرقاء وما أكثرها وعدم قدرتهم على الاتفاق حتى على مسلمات تساهم في انقاذ بلادهم. وعلى وقع حفيف اوراق الشجر على طول الطريق، يحضر في كلامه موضوع التمديد لمجلس النواب للمرة الثانية وهو الذي يطمح في الوصول الى قانون جديد واجراء انتخابات ليخرج اللبنانيون من الدوامة السياسية التي ترافق الاهتزازات الأمنية في الشمال ومناطق أخرى يتفرج الجميع فيها على مظاهر تعثر استحقاق الانتخابات الرئاسية. ولا يزال بري على جوابه عند سؤاله عن التمديد اذ يقول: "لم تفاتحني اي جهة في هذا الموضوع بعد"، لكنه يستمع يوميا الى كل ما يدور في هذا الشأن، ولا سيما بعد قول وزير الداخلية نهاد المشنوق ان لا قدرة للوزارة على تنظيم هذا الاستحقاق وحمايته في هذا التوقيت، وان التمديد مقبل مهما طال السفر الى ساحة النجمة.
يشير بري الى ان المجلس موضوع امام تمديد تقني بدأ التحضير له في الاروقة لأن 20 تشرين الثاني، موعد انتهاء الولاية الممددة أصبح على الأبواب، الأمر الذي يفرض على النواب تجرع "حبوب التمديد" للمرة الثانية، علماً أن العديد منهم من الفريقين يطمحون اليها، ولا سيما من شعروا ان اسماؤهم لن توضع هذه المرة في اللوائح النهائية التي تظهر بتوقيع رؤساء الزعماء ورؤساء الكتل.
وجاء رفض الرئيس سعد الحريري التمديد في موقع الرصاصة التي استهدفت" قلب الانتخابات"، ويتلقاها بري بروح رياضية عالية في رده على الموقف الذي أطلقه من باريس فحواه ان الأولوية يجب ان تبقى للرئاسة. وقد تلقى "تيار المستقبل" الرسالة وبحث فيها وزير المال علي حسن خليل ومستشار الحريري نادر الحريري. ويقول بري انه لا يريد "تحية من أحد فأنا أقوم بواجبي وامارس اقتناعاتي".
ويتحدث عن التمديد التقني، من اجل ترميم قانون الانتخاب في ما يتعلق بالمهل للافساح في المجال أمام اجراء الانتخابات. وثمة اقتراح يعالج هذه النقطة قدمته كتلة " القوات اللبنانية"، وثمة في المقابل اقتراح ثان جرى اعداده ببصمات نائب زحلة نقولا فتوش. ويعتبر بري ان التصريح الأخير للحريري حيال الانتخابات النيابية قدم معطى سياسيا جديدا، وكان رده عليه انه لا يؤيد ولا يقبل باجراء الانتخابات النيابية في غياب اي مكون لبناني أساسي، وانه كان سيتخذ الموقف نفسه ليس حيال "المستقبل" فحسب، بل حيال "حزب الله" ايضاً او سواه من القوى السياسية الاخرى. ويردد "هذه اقتناعاتي". ويعود بالذاكرة ليقول انه لو كان رئيسا للمجلس ابان دورة 1992 لعارض ووقف إلى جانب المسيحيين الذين عارضوا تلك الانتخابات واختار السير في طريق المعارضة" ويضيف "أنا لا ألعب يا اخوان في مثل هذه الأمور".
ويصر على القول أيضا انه لا يطلب التمديد لنفسه ولا يزال يعارض هذا الاجراء في حال الوصول اليه، وان عددا كبيرا من أعضاء كتلته فازوا بالتزكية، ولكان هذا الأمر سينسحب على آخرين في دوائر أخرى في الجنوب والنبطية. ولذلك يسعى رئيس المجلس الى اثبات انه "لا يسعى الى التمديد" ويردد: "أنا لست في حاجة اليه ولا مشكلة لدي في حال حصول الانتخابات. هذا ما اقوله في بيروت واردده في جنيف". ومن المتوقع ان يدعو بري الى جلسة قبل نهاية الشهر الجاري لبت التمديد وما سترسو عليه رياح هذا الملف، ويريد ان يفسح في المجال أكثر امام القوى السياسية وسائر المعنيين لاجراء "المزيد من المشاورات والاتصالات بغية توضيح الصورة أكثر" علماً أن خطورة الوضع الأمني لا تغيب عن اذهان قياداتها.
الى الأمن در
يعود بري في رياضته الليلية في جنيف الى الأمن ليظهر عدم اطمئنانه الى الوضع في لبنان، والذي تحول كابوسا يهدد المواطنين ومؤسستهم العسكرية هم يتحملون اثقال الاعداد الكبيرة للاجئين السوريين فوق أراضيهم. ويقول ان الهم الأمني يسيطر على اهتماماته "لأنه دقيق جدا ولا شك انه أكثر من مقلق ويزعجني جدا وسيبقى في صدارة اهتماماتي ومتابعاتي". ويتوقف ملياً عند الأنباء التي يتلقاها عن تعرض الجيش لاعتداءات في طرابلس وعكار ومناطق أخرى، فضلا عن الجرح المفتوح في عرسال "لأن التعرض للمؤسسة العسكرية أكثر من خطير ولا ينبغي السكوت عنه. وأمام هذا الفعل الاجرامي والارهابي ينبغي على الجميع عدم تعريض الجيش لأي استهداف والحؤول دون اتجاه البلاد الى المجهول".
لا يعارض بري اختلاف اللبنانيين بمشاربهم المتنوعة في مواضيع في السياسة ومنها الانتخابات النيابية سواء جرت أم لا، "لكن من المحرمات النيل من الجيش، فهو يحتاج الى موقف وطني جامع وموحد، خصوصا في ظل الوضع الأمني الخطير الذي تجتازه البلاد".
وقبل ان يصل بري الى مقر أقامته في ساعة متأخرة، وهو يعرف شوارع جنيف جيدا يقول "هنا مطعم صيني والطريق الى نهاية البحيرة يمر من هنا"، نسأله: "هل يحتاج اللبنانيون اليوم الى "جنيف" و "لوزان" جديدين؟
أجاب على عتبة الفندق الذي ينزل فيه بعدما اتعب عناصر الأمن السويسريين" أليست لدينا فنادق ومؤسسات في بيروت لنتتحاور؟ تصبحون عل خير".
وكان تطرق الى مؤتمري جنيف ولوزان في الثمانينات من القرن الفائت امام وجوه اغترابية لبنانية في عشاء تكريمي أقامته السفيرة لدى الأمم المتحدة في جنيف نجلاء عساكر. وتذكر الرئيس الراحل كميل شمعون وترحم عليه. وتطرق الى الصداقة التي ربطتهما رغم موقعهما المختلف في السياسة.
وأشاد بري بعساكر والدور الذي تؤديه وقال: "نعتز بها، وقد عرفت في محطات عدة كيف تخلص لبنان من ألغام تنصب له، وتخطتها بنجاح رغم خلافاتنا في بيروت".
ومن جهة أخرى بدأت أمس الاحد الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر وشارك النواب عبد اللطيف الزين ومحمد قباني وأميل رحمة في اجتماع المجموعة البرلمانية الاسيوية ثم الاسلامية. وشاركت النائبة جيلبرت زوين في مجموعة اللجنة البرلمانية النسائية. واقرت الوفود الاسيوية رفض الارهاب ومحاربته. وشدد رحمة في مداخلة باسم الوفد على "الوقوف في وجه الارهاب والتحذير من خطورة العدد الكبير من اللاجئين السوريين والعراقيين في لبنان وضرورة مساعدته". وحذر مما تعرض له المسيحيون وأبناء الطائفة الايزيدية في العراق وما يواجهه الاكراد اليوم في سوريا والعراق. وأيدت بلدان عدة موقف لبنان.