تطرح في الكواليس السياسية علامة استفهام كبيرة حول الحراك الجنبلاطي الناشط بشكله ومضمونه، في ظل معادلة قديمة جديدة بدأت تطفو على سطح الاحداث، مع تزاحم الاستحقاقات الداخلية المرتبطة عضويا وفعليا بالملفات الاقليمية والدولية الساخنة، والموضوعة على نار "داعشية" من شأنها ان تساعد على انضاج طبخة رسم الخريطة الجيوسياسية المفترضة للمنطقة، والتي تشمل لبنان بخطوطها العريضة باعتباره تحوّل الى ساحة تصفية حسابات اقتصادية وسياسية، كما الى صندوق بريد اقليمي بعد ان دخل ولو نظريا في نادي الدول التي تمتلك ثروة غازية مثبتة وقابلة للاستثمار والاستخراج فور نضوج الملفات واعطاء الضوء الاخضر المرهون بقادة هذا النادي.
ويأتي الحراك الجنبلاطي متلازما في توقيته مع اتصالات روسية-اميركية ناشطة على اكثر من صعيد، ومترافقا مع زيارات ميدانية لامين عام حزب الله السيد حسن نصر الله تراوحت المعلومات بشأنها بين اعطاء التوجيهات وشد العزيمة. والتأسيس لجبهات قتال صالحة لحرب الاستنزاف الطويلة الامد. فضلا عن معلومات متناقضة بشأن العلاقات السعودية-الايرانية ما يرخي بظلالها الثقيلة على لبنان.
هذا الواقع الملموس هو الذي دفع الى طرح علامة الاستفهام حول ما اذا كان جنبلاط يتحرك استنادا الى مخاوف حقيقية ناجمة عن معلومات مؤكدة تتعلق بمستقبل لبنان والاقليات فيه يملكها دون سواه من فاعليات ومسؤولين، او انطلاقا من أجندة دولية اقليمية مكلف ابلاغها الى اللبنانيين، في ظل محاولات فاشلة قام بها جنبلاط من تحت الطاولة وعبر وسطاء لاعادة التواصل مع النظام السوري بحجة حماية دروز سوريا بعد ان وقعوا بين مطرقة الجيش السوري وسندان جبهة النصرة، في مشهد يؤكد على استمرار لعبة خلط الاوراق واعادة فرزها وفق مروحة من التحالفات الاقليمية والدولية تنعكس على تحالفات الداخل وتؤسس الى المراحل اللاحقة التي لن تكون اقل خطورة او سخونة برأي متابعين للحراك الجنبلاطي بتوقيته ومضمونه خصوصا ان الوضع الراهن مستمر منذ سنوات فيما المبادرة حديثة الولادة او بالحد الادنى تم تظهيرها في غضون الايام والاسابيع القليلة الماضية.
هذا يعني بحسب سياسي يعرف جيدا النائب جنبلاط ان الاخير يستشعر بخطورة المرحلة واخطارها على الاقليات، وهو غير قادر على اقناع فريقه السابق بضرورة الالتزام باستراتيجية سياسية داخلية تؤدي بالفعل الى ملء الشغور الرئاسي، وتحد من الاضرار لعدة اسباب، ليس اولها الارتباط بالخارج ومشاريعه واهدافه الطويلة الامد، ولقناعة هذا الفريق او ذاك بقدرته على تسجيل نقاط حاسمة على خصومه السياسيين، وبالتالي تغيير المعادلات الاساسية لمصلحته والاتيان برئيس للجمهورية من ضمن فريقه السياسي، فضلا عن قناعة موجودة لدى الجميع بمن فيهم جنبلاط، بان المصلحة تقضي بملء الوقت المستقطع بحراك غير مجد أو قابل لخرق الجمود السياسي في ظل تحولات ينتظر الافرقاء نتيجة تداعياتها على لبنان والمنطقة، بما يعني ذلك أن بيروت موضوعة على لائحة الانتظار لتلقي الارتدادات والتعايش معها، لاسيما في هذه المرحلة القائمة نظريا على مكافحة الارهاب، وعمليا على اعادة تقسيم الشرق الاوسط جغرافيا وسياسيا وفق منظومة جديدة تأخذ بالاعتبار كل المخططات والمشاريع القابلة للتنفيذ في المدى المنظور او في الاوراق النائمة في الادراج.