عكست صورة التلاحم التي تجسدت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين المسلمين والمسيحيين، عندما فتحت كنيسة "بروفويوس" للروم الأرثوذوكس أبوابها أمام المسلمين الذين تشردوا من بيوتهم على حدود قطاع غزة، حالة التعايش التي يحظى بها الفلسطينيون أصحاب هاتين الديانتين في قطاع غزة المحاصر.
ورغم ما يعانونه من ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وتبعات الحصار المفروض عليهم منذ ثماني سنوات، إلا أن المسيحيين يعيشون في غزة جنباً إلى جنب مع المسلمين، في صورة ترابط وتلاحم أخوي لا تفرق بينهم في شيء، إذ يتقاسمون الفرح والألم في مختلف تفاصيل حياتهم رغم اعتداءات الاحتلال المتكررة، وأوضاعهم المعيشية والاقتصادية الصعبة، في وقت تبرز معاناتهم من قبل إسرائيل من خلال منعهم من الاحتفال في أعيادهم وتأدية طقوسهم الدينية، بعد منعهم بالانتقال من غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، والحال ذاته ينطبق على المسلمين أيضاً الذين لا يستطيعون الوصول للقدس للصلاة في المسجد الأقصى.
وفتحت كنيسة القديس "بروفوريوس" للروم الأرثوذوكس وسط مدينة غزة، أبوابها أمام مئات العائلات الفلسطينية التي تعتنق الاسلام، خلال فرارها من مجزرة الشجاعية بعد أن دمّرت صواريخ الاحتلال الاسرائيلي منازلها وأصبحت بلا مأوى.
قضيتنا ومعانتنا واحدة
"لا فرق بيننا" هذا ما أكدت عليه الشابة الفلسطينية رانيا عيّاد التي تعتنق الديانة المسيحية، إذ تقول إنها نشعر بذلك في مختلف تفاصيل حياتهم في غزة كغيرهم من المسلمين، وتوضح أن "لي أصدقاء كثيرون مسلمون ولا أشعر بفرق بالمطلق بيننا، نلتقي في الجامعة، وفي المنزل، وفي مختلف المناسبات الاجتماعية".
وفي حديث مع "النشرة"، أوضحت عيّاد "أننا أصحاب قضية وطنية عادلة، نواجه الاحتلال والحصار، ونعاني كغيرنا من المسلمين، فحياتنا واحدة وقضيتنا واحدة ومعاناتنا أيضاً واحدة".
كلنا مستهدفون
أما أحمد البخيسي (47 عاماً) المسلم، الّذي هرب من نيران القصف والمدافع من شارع "النزاز" هو وأفراد عائلته الـ17 خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، بعد أن دمر الاحتلال منزله واحتموا في كنيسة القديس "بروفوريوس" للروم الأرثوذوكس، فيرى أن حالة التلاحم والتكاتف بين المسلمين والمسيحيين تجسدت خلال فترة العدوان بأبهى صورها.
وفي حديث مع "النشرة"، يقول البخيسي: "هربنا من قذائف الدبابات التي كانت تنهال فوق رؤوسنا بشكل عشوائي، وأتينا إلى الكنيسة، وكنا على ثقة أن أخوتنا المسيحيين سيفتحون أبوابها أمامنا وهو ما حصل فعلياً".
ويلفت البخيسي إلى أن إسرائيل تستهدف الجميع في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، ولا تلتفت إلى ديانتهم "فكلنا مستهدفون ونعيش ذات المعاناة".
مصيرهم مشترك
وفي ذات السياق، أكد الأب مانويل مسلم، عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، ورئيس الكنيسة الكاثوليكية في غزة سابقاً، أن لا فرق بين المسيحيين والمسلمين في غزة، فما يجري على المسلم يجري على المسيحي على حد سواء. وفي حديث مع "النشرة"، شدد مسلم على أن المسلم والمسيحي هم جسدا واحدا في القطاع المحاصر يتشاركون آلامهم وأفراحهم معاً، ولا يشعرون بفرق الديانة أبداً.
ويضيف الأب مسلم: "هم يتعذبون ويتألمون معاً، ويعانون من الحصار وظلم الاحتلال منذ سنوات، ولا يفرقهم شيء، فالمساجد تعانق الكنائس وحياتهم واحدة ومصيرهم مشترك". ويوضح أن المسيحيين والمسلمين ينتمون إلى شعب عظيم وهو الشعب الفلسطيني، ويمارسون حياتهم بشكل اعتيادي رغم ما يعانوه من ويلات الاحتلال الذي طال كل شيء على هذه الأرض.
لا فرق بيننا
وتصف المسيحية أم جورج السلفيتي، حالة الترابط الأسري والوحدة بين المسلمين والمسيحيين بوجه آخر، وقالت إنها تتجسد في شهر رمضان بشكل كبير، إذ أنها هي وجارتها التي تعتنق الإسلام أم أحمد نافع، تتبادلان أطباق المأكولات على مائدة الافطار في رمضان، "وكأننا نصوم معهم". وتوضح لـ"النشرة"، أن أجواء شهر الصوم في رمضان نعيشها مع جيراننا المسلمين بفرح وسرور. وترى ام جورج أن لا أحد في غزة يشعر بأي تمييز بين المسلمين والمسيحيين، إذ تربطنا علاقات جيدة كلها مودة واحترام، "لكن ما ينغص علينا هو الاحتلال والحصار".
ويمارس المسيحيون في غزة حياتهم الدينية بحرّية، وينعمون بحماية الجهات الأمنية، فيتوجهون إلى كنائسهم حينما يشاؤون، وهم جزءٌ أصيل من نسيج المجتمع الفلسطيني وبنيته، وقد كانوا وما زالوا شركاء في النضال والتضحية، وعاشوا مع المسلمين من أبناء شعبهم أحلك الظروف، خاصة في الحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع.
جزء أساسي من المجتمع
ويؤكد راعي كنيسة الروم الأرثوذكس في غزة المطران اليكسوس، إن من ينظر إلى أن هنالك فرق بين المسلم والمسيحي في قطاع غزة فهو مخطئ، إذ أن المسيحيين في غزة كغيرهم من المسلمين، "إذ أننا عشنا معاناة الحرب بكافة أشكالها، ولا نزال نعيش صور الحصار الإسرائيلي ومعاناته منذ سنوات ونواجه احتلال واحد لا يفرق بيننا".
وفي حديث إلى "النشرة"، يوضح المطران اليكسوس، أن المسيحيين والمسلمين في غزة تربطهم علاقة محبة وأخوة واحترام، ويشعرون بأنهم عائلة واحدة، ويؤكد على مشاركتهم في المناسبات الاجتماعية وفي كل شيء.
واعتبر اليكسوس أن المسيحيين هم جزء أساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ويواجهون ظروف العدوان والاحتلال الصعبة جنباً إلى جنب دون تفرقة أو تمييز.
ويعيش في قطاع غزة ما يقارب 1500 مسيحي من أصل 3500، حيث أجبرت الظروف الصعبة المئات على الهجرة إلى دول مختلفة، وهم يعملون في قطاعات متعددة كالتجارة والعقارات والمصانع والمهن المختلفة، ينتمون إلى أربعة طوائف هي: الروم الأرثوذكس (الغالبية العظمى في غزة)، والكاثوليك والمعمدانيون، والانجيليون.