تبدى عزم الولايات المتحدة على قيادة حرب استنزاف طويلة ضد الدولة الوطنية السورية منذ السنة الماضية عندما رفضت إدارة اوباما تطوير صيغة التفاهم التي عرفت بتسوية الكيماوي الروسية إلى تسوية سياسية تنهي العدوان على سوريا وتنشىء قاعدة للتعاون الدولي والإقليمي في مجابهة الإرهاب بعد إرغام البيت الأبيض على سحب التهديد بالحرب الشاملة على سوريا.
ومنذ ثلاثة أشهر جاءت حملة أوباما تحت يافطة مكافحة الإرهاب لتؤكد هذا الاتجاه في السياسة الأميركية عبر المواقف العدائية المستمرة باتجاه الدولة السورية التي تخوض أعنف مواجهة ضد العصابات الإرهابية التي يفترض انها العدو المشترك المزعوم الذي قادت الولايات المتحدة بنفسها عمليات تقويته وتحشيده في بلاد الشام بالشراكة مع الحكومات الإقليمية الدائرة في فلكها.
أولا - يمثل نهوض القوة السورية هزيمة كبرى للإمبراطورية الأميركية ولمنظومة الهيمنة الاستعمارية في المنطقة وفي قلبها إسرائيل ولذلك فخطة الاستنزاف تتركز منذ اكثر من سنة على عرقلة انتصار الدولة الوطنية وقواتها المسلحة بعدما فشلت جميع محاولات إسقاطها وقد بات انتصار سوريا وصمودها يعني في المنطقة انتصارا ساحقا لمحور المقاومة على الحلف التركي الخليجي الصهيوني وهو يعني عالميا انتصارا باهرا لمعسكر القوى المناهضة للهيمنة الأحادية بزعامة روسيا والصين وشريكتهما الإقليمية إيران وفي الحالين سيعني الرضوخ الأميركي لهذا التحول تسليما بتوازنات جديدة تنهي عهد الهيمنة الأحادية وتفتح أبواب التغييرات الدراماتيكية في البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل.
ثانيا -طريق الاستنزاف الذي اختارته الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ إدراكها اليقيني لاستحالة إسقاط سوريا في قبضة الناتو تجسد بمواصلة إحكام منظومة العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الدولة السورية وقيادتها إلى جانب عرقلة أي تعاون مع دعوة سوريا لتجفيف موارد الإرهابيين التمويلية والتسليحية وفي هذا السياق كان الرفض الأميركي الجلف والمفضوح لفكرة أولوية مكافحة الإرهاب التي طرحتها الدولة الوطنية السورية عبر وفدها إلى مباحثات جنيف وقدمت بها أرضية صالحة لحوار سوري ينتج شراكة وطنية حقيقية في مجابهة الخطر الأكبر الذي يهدد سوريا وشعبها.
ثالثا - احتواء «داعش» وتوظيفه في عملية الاستنزاف هو الغاية الفعلية لحملة اوباما في سوريا ولذلك فقد كان تاكتيك هيئة الأركان الأميركية لإدارة العمليات في سوريا هو إجراء التنسيق غير المباشر الذي يضمن عدم الاصطدام بالجيش العربي السوري بدلا من التنسيق المباشر الذي تخيله كل من توقع رضوخ الولايات المتحدة لمنطق التسويات الدولية والإقليمية امام خطر ارتداد الإرهاب .
رابعا - على الرغم من السير الأميركي الظاهر في طريق قد يؤدي خلال الأسابيع المقبلة إلى تفاهم بين إيران ومجموعة الستة الدولية حول الملف النووي الإيراني السلمي وما قد يقود إليه من نتائج وتفاعلات كبيرة في المنطقة لصالح محور المقاومة وحلفائه الدوليين وخصوصا روسيا والصين يمثل استنزاف الدولة الوطنية السورية ومنعها من تحقيق نصر حاسم قريب إحدى الوسائل الأميركية للحد من النتائج التي سيرتبها الاعتراف بإيران كقوة إقليمية ودولية فاعلة وبالتالي يشكل أفضل السبل للحد من الانعكاس السلبي لهذا التحول على إسرائيل.
خامسا - ما يؤشر على خطة الاستنزاف طويلة الأمد هو ما يدور على الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا حيث يسعى حليفا الولايات المتحدة والناتو تركيا وإسرائيل لإقامة وتعزيز شريطين إرهابيين: شريط داعش الذي تدعمه تركيا بمعرفة الولايات المتحدة وبتغطية منها وتسعى حكومة الوهم العثماني لاستثماره من اجل إنشاء شكل جديد للعدوان التركي داخل سوريا.
في الجنوب السوري تقوم محاولة صهيونية لإنشاء شريط حدودي عميل بواسطة مسلحي «جبهة النصرة» وفصائل مما يسمى «بالجيش الحر» ويقوم تعاون إسرائيلي أردني لاحتضان ودعم تلك العصابات لإدارة الاستنزاف ضد الدولة الوطنية السورية وقواتها المسلحة وتسعى تل أبيب جهارا إلى الحصول على دعم اميركي مالي ولوجستي لهذا المشروع الذي توضع في خدمته وحدات «المعتدلين» الجاري تدريبهم في معسكرات اردنية وسعودية وتركية بإشراف المخابرات الأميركية والإسرائيلية والفرنسية.
سادسا - يعلم المخططون الأميركيون وبإمكانهم ان يتوقعوا فرص نجاح الجيش العربي السوري خلال الأشهر المقبلة في إحكام السيطرة كليا على مناطق الثقل السكاني والاقتصادي السوري في دمشق وريفها ومحافظتي الوسط حمص وحماه وصولا إلى محافظتي إدلب وحلب إضافة لمحافظات الساحل السوري وهم يعرفون بما يحتفظ به الجيش العربي السوري من سيطرة في محافظات الحسكة ودرعا والسويداء والجولان وحتى في قلب محافظة دير الزور ولذلك ترفض الولايات المتحدة التجاوب مع جميع المساعي الدولية الداعية لتجفيف منابع الإرهاب ريثما تنجز كل من تل أبيب واسطنبول رسم شريطي الاستنزاف من الشمال والجنوب ولذلك تبقى القرارات الأخيرة التي صدرت عن مجلس الأمن بعيدة عن التنفيذ حتى إشعار آخر.